مزارع سوري: نبيع ذهب نسائنا لشراء البذور
بعدما أتت النيران على محصوله من القمح في شمال شرق سوريا العام الفائت 2020، أمل عبد الباقي سليمان أن يعوّض موسم العام الحالي خسارته، لكن ذلك لم يحصل، بسبب التراجع الكبير في مستوى هطول الأمطار.
وبينما تزيد عوامل التغير المناخي خطر الجفاف والحرائق في كل أنحاء العالم، واجهت سوريا تدنياً في مستوى الأمطار هذا العام، خصوصاً في محافظة الحسكة الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية، التي كانت تعد قبل اندلاع النزاع العام 2011 بمثابة صوامع قمح سوريا.
في قرية تل شعير قرب مدينة القامشلي، يتحسر سليمان (48 عاماً) على أرضه التي اعتاد أن تدرّ له الأرباح في مواسم حصاد القمح.
يقول لوكالة فرانس برس "العام الماضي، احترق الحقل الذي زرعته.. (خسرت) مئتي دونم من القمح".
"وهذا العام كان هناك نقص في الأمطار ولم نحصد القمح" بسبب عدم نمو البذور، يضيف سليمان.
ومثل سليمان، يشكو مزارعو المنطقة من تراجع محاصيل القمح، ما يثير المخاوف إزاء الأمن الغذائي في بلد يكافح ستون في المئة من سكانه لتوفير طعامهم.
في محافظة الحسكة حيث كانت الإدارة الكردية والحكومة تتنافسان سنوياً على شراء محاصيل القمح والشعير من المزارعين لتأمين احتياجات المناطق الواقعة تحت سيطرة كل منهما، تقدّر منظمات إنسانية دولية تراجع إنتاج المحاصيل بأكثر من 95% مقارنة مع العام الماضي في أجزاء كبيرة من المنطقة.
إضافة إلى تراجع مستوى الأمطار، يعيد سليمان الأزمة إلى غلاء البذور والأسمدة ومعدات الزراعة والنقص في المحروقات، معتبراً أن "الوضع الزراعي في المنطقة كارثي (...) والجفاف يتمدد فيها".
وإذا استمر الوضع على حاله، لا يستبعد المزارع استبدال زراعة القمح بأنواع أخرى "كالكزبرة والكمون كون تكاليفها أقل وأسعارها أغلى ولا تتطلب أمطاراً غزيرة".
"نبيع ذهب نسائنا"
في قرية كرديم حليمة بمحافظة الحسكة، يرى حاجي محمّد (71 عاماً) أنّ "الزراعة أصبحت خسارة" بعدما بات الجفاف "يؤثر عليها من النواحي كافة".
ويقول المزارع منذ 45 عاماً "نحاول بيع ذهب نسائنا وأغراض المنزل لشراء البذور، لعلّ الأمطار تتساقط وتعوض بعض الخسائر" في الموسم المقبل.
ويضيف بحزن "لم نعد نجد الرحمة من السماء ولا من الأرض".
قبل اندلاع النزاع العام 2011، كانت سوريا تُحقق اكتفاءها الذاتي من القمح مع إنتاج يتجاوز أربعة ملايين طن سنوياً.
ومع توسّع رقعة المعارك وتعدّد الأطراف المتنازعة، انهار الإنتاج إلى مستويات قياسية. وباتت الحكومة مجبرة على الاستيراد خصوصاً من حليفتها روسيا.
وقال وزير الزراعة السوري مّحمد حسان قطنا لإذاعة "شام إف إم" المحلية المقربة من السلطات منتصف الشهر الماضي، إنّ إنتاج القمح في البلاد بلغ 900 ألف طن "بينما تقدر الحاجة المحلية بمليوني طن".
وعزا ذلك إلى "التغيرات المناخية والجفاف" خلال شهري أبريل ومايو، فضلاً عن ضعف الموارد المائية.
وفي مثال عن حجم تراجع الإنتاج، يوضح الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والزراعة في مناطق سيطرة الإدارة الكردية سلمان بارودو أن موسم العام الحالي "كان استثنائياً".
ويلفت إلى أنّ إدارته تسلمت من المزارعين العام الحالي "بين 184 و184 ألف طن مقارنة مع 600 ألف طن العام الماضي".
وتتراوح حاجة المنطقة سنوياً، وفق قوله، بين 550 و600 ألف طن لتأمين الطحين (للأفران) والبذور للفلاحين والاحتياطي الضروري للأشهر المقبلة".
ويأتي انخفاض المحاصيل فيما يحذر خبراء ومنظمات إنسانية منذ أشهر من كارثة في شمال وشمال شرق سوريا جراء تراجع منسوب نهر الفرات، ما يهدد بانقطاع المياه والكهرباء عن ملايين السكان والحقول الزراعية.
في محافظة الرقة المجاورة التي يجتازها نهر الفرات، يتحسر أحمد الحميدي (42 عاماً) على موسم القمح.
يقول "فكرنا باستجرار المياه من نهر الفرات" لكن لم يتم ذلك "بسبب الكلفة"، مضيفاً "نخشى الجفاف في الموسم المقبل. وحينها ستكون المنطقة فعلاً بخطر".
"متدن للغاية"
في دمشق، يوضح ممثل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) مايك روبسون، لوكالة فرانس برس، أن موسم الأمطار "الذي انتهى في آذار (مارس)، شكّل السبب الأكبر لمشكلة تراجع المحصول. لكنه ليس الوحيد، إذ كان لارتفاع درجات الحرارة في الشهر اللاحق تداعيات لناحية عدم اكتمال نمو الحبوب".
ورغم أنه ليس لدى المنظمة بعد "الأرقام النهائية الكاملة لمحاصيل هذا العام" لكنّ روبسون يتوقع أن "يكون متدنياً للغاية، ربما قرابة نصف إجمالي حصاد العام الماضي".
ومن شأن تراجع إنتاج القمح وزراعات كثيرة أخرى أن يزيد من معاناة شعب استنزفه نزاع دام مستمر منذ عقد، وانهيار اقتصادي حاد.
وسينعكس بطبيعة الحال ارتفاعاً في أسعار الخبز وسلع رئيسية في بلد يشكو فيه 12,4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وفق منظمة فاو.
يقول روبسون "شهدنا.. ارتفاعاً لناحية انعدام الأمن الغذائي العام الفائت.. ونتوقع ازدياداً إضافياً هذا العام.. إنّه أمر مقلق للغاية".