سوريا

"قرارات تكبّل الأحلام".. لا شهادات لخريجي جامعة دمشق إلا بموافقة أمنية

18 أكتوبر 2021

ارفع صوتك

أصدرت رئاسة جامعة دمشق نهاية الشهر الفائت، قرارًا يقضي بعدم منح "كشف علامات" أو "مصدقة تخرج" لطلاب سنة التخرج في عدد من كلياتها، إلا بعد إبرازهم بيانًا تفصيليًا صادرًا عن مديرية “الهجرة والجوازات” تتضح فيه حركة القدوم والمغادرة من سوريا.

ويشمل القرار الصادر عن رئاسة الجامعة طلاب سنة التخرج فقط في كلًا من كليات (الآداب والعلوم الإنسانية، الاقتصاد، التربية، الحقوق، الشريعة، العلوم السياسية)، في جامعة دمشق وفروعها.

وبموجب هذا القرار، يُحرم طلاب تلك الفروع الذين لم يخرجوا من مناطق سيطرة النظام بشكل نظامي "تهريب"، إذ يوضح بيان حركة المغادرة لديهم أنهم لم يغادروا إلى أي مكان.

يروي حسن دالاتي من سكان مدينة حمص وخرّيج جامعة دمشق خلال حديثه مع (إرفع صوتك)، فصول المعاناة الجديدة للطلاب والخريجين السوريين بالقول، "تخرجت من جامعة دمشق  كلية الاقتصاد السنة الفائتة، وبسبب عدم رغبتي الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية اضطررت للتخفي لفترة، حتى تمكنت من الخروج من سوريا بشكل غير شرعي وصولا إلى تركيا، وبعد استقراري قررت استكمال دراستي والتسجيل في الدراسات العليا في إحدى الجامعات التركية".

ويضيف: "لكن تعثرت محاولاتي للحصول على كشف علامات أو وثيقة تخرج، نتيجة رفض جامعة دمشق تقديم مصدقة التخرج، وهي وثيقة أساسية تثبت تخرجي من الكلية التي درست بها، والتي أحتاجها لاستكمال الدراسات العليا، وطلبت الجامعة من وكيلي تقديم إثبات لخروجي من مناطق سيطرة النظام بشكل نظامي".

يرى حسن أن معاناته تشبه معاناة الكثير من المتخرجين الذين فقدوا وثائقهم، أو لم يتمكنوا من إخراجها معهم من سوريا، "إذ لم يتمكن الكثيرون من الحصول على شهاداتهم نتيجة تعنّت الجامعة وإصرارها على هذه القرارات الجديدة".

ويحتاج الطلاب السوريون المقيمين خارج سوريا لـ “مصدقة التخرج" باعتبارها ورقة أساسية تثبت تخرجهم من الكلية التي درسوا فيها، أو استكمال الدراسات العليا على أساسها في حال رغبوا بإكمال دراستهم في الخارج.

بدوره يقول مهدي الخلف خريج كلية الآداب في جامعة دمشق، "أرسلت توكيلا لأحد أقربائي للحصول على الشهادة من الجامعة، ولكن لم تفلح محاولاته فاستعنت بسمسار طلب مني مقابل خدماته مبلغا كبيرا من المال".

من جهته، برر نائب رئيس جامعة دمشق صبحي البحري، في حديثه لصحيفة الوطن المحلية، في الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، صدور القرار بالقول، "بعد ضبط حالات انتحال شخصية في الامتحانات لطلاب أو أشخاص يقدمون الامتحانات عن طلاب آخرين متواجدين خارج سوريا، ولا علاقة للجامعة بمن غادر أو لم يغادر خارج أوقات الامتحانات".

شرط الموافقة الأمنية

يعاني خريجو جامعة دمشق أيضا من عدم حصولهم على وثيقة التخرج إلا بعد الحصول على الموافقة الأمنية، وهو أمر يستحيل تحقيقه لمن تخلف عن الخدمة الإلزامية بعد انتهاء مدة التأجيل.

وهذا ما يؤكده سامر م. خريج كلية العلوم السياسية في جامعة دمشق في حديثه لـ(ارفع صوتك)، موضحا، "فشلت في الحصول على وثيقة تخرجي بسبب تخوفي من تنفيذ شرط الموافقة الأمنية التي تطلبها الجامعة لمنح الوثيقة، فأنا ارغب بالخروج من البلاد والسفر للعمل ومساعدة أهلي، ولا أموال لدي لدفع البدل البالغ حوالي 8000 دولار، ولا إمكانية لاستصدار وثيقة التخرج إلا بموافقة أمنية لن تمنح لي إطلاقا.

ويضيف سامر، "ينتظر كل طلاب العالم انتهاء دراستهم الجامعية لبدء حياتهم العملية أو السفر، إلا في سوريا تُربط الشهادات وعقود البيع والشراء والتسجيل وكافة المعاملات الحكومية بالموافقة الأمنية".

ويؤكد سامر أن النظام يخنق الخريجين من معارضيه، "في الداخل قام بربط وثيقة التخرج بموافقة أمنية، وفي الخارج منع حصولهم على كشوفات العلامات وشهادات التخرج إلا بعد إبرازهم بيانا تفصيليا من إدارة الهجرة والجوازات يبرز حركة القدوم والمغادرة من سوريا".

بدوره يقول سمير الخالدي خريج كلية التربية لموقع (ارفع صوتك)، أنه لم يعد يهتم للشهادة ووثيقة التخرج فهو لن يحصل عليها بأي حال، بل إن جل اهتمامه وطموحه الحالي هو الخروج من سوريا.

ويضيف، "أفكر بطريقة للسفر خارج البلاد، فأنا متخلف عن الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية في صفوف جيش النظام، وحاليا تقتصر تحركاتي على المنطقة التي أقيم فيها متواريا عن الأنظار، على أمل إيجاد طريقة تمكنني من مغادرة مناطق النظام إلى إدلب ومنها إلى تركيا".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".