سوريا

هل تعرقل قطر و"دول أخرى" التطبيع العربي مع سوريا؟

13 نوفمبر 2021

نقلا عن موقع الحرة

جاءت تصريحات وزير خارجية قطر، محمد عبد الرحمن آل ثاني، بشأن عدم تفكير الإمارة الخليجية حاليا في التطبيع مع النظام السوري، لتؤكد أنه لا إجماع عربيا، على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وذلك بعد أيام من زيارة قام بها وزير الخارجية الإماراتي لدمشق. 

وقد أعرب الوزير القطري عن أمله في إحجام دول أخرى عن اتخاذ المزيد من الخطوات للتقارب مع نظام الرئيس بشار الأسد، فيما تثار تساؤلات بشأن أسماء الدول الأخرى التي قد تحذو حذو الدوحة التي دعمت قديما المعارضة المسلحة في الحرب الأهلية السورية الدائرة منذ نحو عقد.

يقول الأكاديمي القطري أستاذ العلوم السياسية، علي الهيل، لموقع "الحرة" إن "موقف قطر يتماهى مع موقف تركيا بشأن عدم التطبيع مع النظام السوري لأنه، من وجهتي نظر الدولتين، لم يقم بخطوات جادة تجاه شعبه والأسرى والنازحين والمشردين واللاجئين السوريين". 

أما المحلل السياسي السوري غسان إبراهيم فيقول لموقع "الحرة": "قطر تمتلك نظرة خاصة للملف السوري، بالنظر إلى تحالفها مع تركيا".

وأضاف "هناك تفاهم قطري-تركي فيما يتعلق بالتطبيع مع سوريا، وتركيا لديها موقف واضح بشأن القضاء على النفوذ الكردي في الشمال السوري، وإيجاد حل يضمن لها مصالحها في سوريا".

وفي مقابل قطر تبرز مواقف حلفاء أقوياء لواشنطن في المنطقة، عززوا العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع نظام الأسد بعد نبذه، إثر حملة دموية بدأت قبل أكثر من عشر سنوات على احتجاجات سلمية ضد حكمه، وتطورت إلى حرب متعددة الأطراف أسفرت عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين.

 

هل من دول أخرى؟

ويشير بعض المراقبين للموقف إلى دول عربية يبدو أنها ستحذو حذو قطر، فيما ستتبنى بلدان أخرى موقف الإمارات.

وبعد اجتماع وزير الخارجية الإماراتي مع رئيس النظام السوري في دمشق، رحبت الجزائر، التي ستستضيف القمة العربية في مارس المقبل، بالانفتاح على سوريا.

وقالت على لسان وزير خارجيتها رمطان لعمامرة: "آن الأوان لعودة سوريا إلى الجامعة العربية ومقعدها في الجامعة يجب أن يعود إليها"، مما أثار تكهنات بحضور دمشق القمة العربية المقبلة.

وكانت واشنطن، التي تعارض مساعي تطبيع العلاقات مع النظام السوري لحين تحقيقه تقدما صوب تسوية سياسية للصراع، قالت إنها قلقة من الخطوة التي اتخذتها حليفتها الإمارات.

وفي المقابل، يستبعد الهيل أن يطبع العراق علاقاته مع سوريا "على الأقل في المدى المنظور"، قائلا: "بغداد تريد النأى بنفسها عن إيران حتى لا يُنظر لاستئناف العلاقات على أنه هدية لطهران" التي تتمتع بنفوذ واسع لدى بعض الفصائل المسلحة في بلاد الرافدين.

بينما يستبعد غسان انضمام السعودية لموقف الإمارات رغم محادثات متبادلة بين مديري المخابرات في كل من الرياض ودمشق، عقدت على مدى الأشهر الماضية، وكان آخرها في القاهرة، على هامش اجتماع دوري لرؤساء المخابرات في الدول العربية في القاهرة.

 

ويقول غسان: "السعودية لن تطبع مع سوريا حتى تشاهد عمليا إبعاد إيران خصوصا في ظل موقف الرياض المتشدد تجاه حزب الله في لبنان والحكومة الموالية له".

وأضاف "الواقع على الأرض يقول إن إيران متواجدة في اليمن عبر الحوثيين، ولبنان عبر حزب الله، وسوريا عبر الأسد، فلماذا ستقدم السعودية على هذه الخطوة دون مقابل وتغير في السياسة الإيرانية؟".

وتشهد المنطقة صراعا إقليميا بين السعودية وإيران بينما لم تحرز المحادثات بينهما، والتي تهدف إلى خفض التوتر، تقدما يذكر. 

 

لماذا الآن؟

ومنذ أن هزمت القوات الحكومية السورية، بمساعدة روسية وإيرانية، مسلحي المعارضة في معظم أنحاء سوريا، باستثناء بعض مناطق شمال وشرق البلاد التي لا تزال خارج قبضته، اتخذت بعض الدول خطوات نحو تطبيق العلاقات، الأمر الذي أرجعه الهيل إلى "تغير المعطيات".

وأضاف "الإجماع على المعارضة السورية الآن ليس كما كما كان قبل 11 عاما. السياسة تقوم على تقاطع المصالح، والدول التي تريد التطبيع مع سوريا تدرك تماما أن النظام السوري أصبح واقعا سياسيا لا محالة عنه، وعلينا أن نتعامل مع النظام السوري من حيث ما هو كائن وليس من حيث ما يجب أن يكون". 

وقد تصدرت الإمارات مساعي بعض الدول العربية لتطبيع العلاقات مع دمشق، ودعت في وقت سابق هذا العام لعودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية. وكانت قد أعادت فتح سفارتها في دمشق قبل ثلاثة أعوام.

وفي أكتوبر الماضي، ناقش ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان هاتفيا مع الأسد التطورات في سوريا والشرق الأوسط.

كما التقى وزيرا الخارجية المصري والسوري، في سبتمبر الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، فيما وصفته وسائل إعلام مصرية بأنه أول اجتماع على هذا المستوى منذ ما يقرب من عشر سنوات.

أما الأردن فقد أعاد فتح معبره الرئيسي على الحدود مع سوريا بالكامل، في أواخر سبتمبر، بهدف تعزيز الاقتصاد المتعثر في البلدين، وتعزيز مساعي الدول العربية لإعادة دمج سوريا.

كما تحدث العاهل الأردني الملك عبد الله مع الأسد لأول مرة منذ عشر سنوات في أكتوبر. 

غير أن الهيل يعتقد أن التحالفات الإقليمية بشأن سوريا ستنعكس إيجابا أو سلبا على التطبيع، قائلا: "موقف قطر وتركيا سيؤثر سلبا على الانفتاح مع سوريا".

 

أطراف فاعلة غير عربية

وتقول بعض الدول التي تسعى لإعادة التطبيع مع دمشق إنها تحاول مواجهة نفوذ أطراف فاعلة غير عربية مثل إيران، التي تدعم الأسد إلى جانب روسيا، وتركيا التي تدعم جماعات متمردة. 

ويقول غسان إن "بعض الدول في المنطقة كالإمارات والبحرين ومصر ترى أن الانفتاح على سوريا سوف يؤدي إلى تحجيم نفوذ القوى الخارجية كإيران وتركيا".

غير أن الهيل يقول: "ليس بالضرورة أن يحد التطبيع مع سوريا من التدخل الأجنبي، فيمكن عودة العلاقات في ظل بقاء النفوذ الروسي والإيراني".

وأوضح قائلا: "العلاقة السورية الإيرانية استراتيجية منذ حرب الخليج الأولى، وكذلك العلاقات بين سوريا وروسيا التي تحكمها اتفاقية الدفاع المشترك فضلا عن أن النظام السوري هو الذي طلب تدخل روسيا، ولولا تدخلها لسقط النظام منذ زمن بعيد".

أما غسان فيقول: "هذا يتوقف على مدى رغبة النظام السوري في الخروج من ورطته. استمرار علاقة الأسد مع الإيرانيين يعني رسم حدود للتطبيع العربي، وعدم حدوث انفتاح كلي، واشتراط عودته إلى الجامعة العربية".

وتساءل قائلا: "هل سيقتنص الأسد الفرصة ويأخذ موقفا يرحب عمليا، وليس نظريا، بالتطبيع العربي، ويبتعد عن الإيرانيين ويبدأ حل الأزمة السورية بأسلوب حضاري؟".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".