سوريا

"بين الحياة والموت".. جوائز عالمية لفيلم عن الثورة السورية

محمد ناموس
15 فبراير 2022

فاز الفيلم الوثائقي "بين الحياة والموت" للمخرج السوري الشاب بادي خليف، 33 عاما، بجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان "سكوربيوس" الدولي للأفلام السينمائية في ألمانيا. 

وشارك الفيلم الذي يوثق مراحل الثورة السورية في أكثر من 22 مهرجانا سينمائيا دوليا، نال فيها 15 جائزة، منها مرتبة الشرف في مهرجان بريستلافا السينمائي في سلوفاكيا، وجائزة أفضل فيلم وثائقي قصير في المهرجان الهندي الفرنسي، وجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان "غراس رووت" للفيم الدولي في الهند، وجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان أمستردام السينمائي. 

بين الحياة والموت يفوز بجائزة افضل فلم وثائقي في مهرجان Scorpiun الدولي للأفلام السينمائية

Posted by Badi Khlif on Monday, February 7, 2022

ويوثق الفيلم مراحل الثورة السورية، بدءا من انطلاقتها السلمية وحتى مرحلة دخول التنظيمات المسلحة والمتطرفة وانتهاء بمرحلة اللجوء ورحلة الخروج من سوريا إلى أوروبا سيرًا على الأقدام وعبر قوارب الموت. 


تذكرة عبور 

 

التقى موقع ارفع صوتك بالمخرج بادي خليف، ابن مدينة حماة في سوريا، والذي يقيم حاليا في ألمانيا، ويعمل أيضا مصورا لوكالتي رويترز وفرانس بريس. 

إضافة إلى "بين الحياة والموت"، صنع بادي أفلاما وثائقية مختلفة: "أبي لا يتعب"، "أعزب ولكن"، و"الحدود". وصور أيضا فيلم دراميا قصيرا بعنوان "خارج السرب".

وألّف كذلك رواية "زنزانة خمس نجوم" التي روى فيها جزءا من الأحداث التي عاشها في المعتقل لدى المخابرات السورية وتنظيم داعش. 

يقول بادي خليف في حديثه لـ(ارفع صوتك): "فيلم بين الحياة والموت هو ما يمكن أن يطلق عليه تذكرة عبور إنسانية، تصف حال الشعب السوري والثورة السورية. وتحكي واقعا أليما عانى منه السوريون، وكيف تم استغلالهم في سوق العمل في دول الجوار، وكيف اضطروا للهجرة إلى أوروبا سيرًا على الأقدام، وعبر القوارب المطاطية". 

تم ترشيح فلمي الوثائقي #أبي_لا_بتعب للمشاركة في المهرجان الدولي للأفلام ❤️❤️

Posted by Badi Khlif on Monday, March 29, 2021

ويضيف المخرج: "قررت في هذا الفيلم أن أعرّف الناس بأحداث الثورة السورية، وخلق هوية تعريفية لها". 

ويسلط الفيلم أيضا، كما يقول بادي خليف، "الضوء على الأطفال الذين شاهدوا الحرب بعمر صغير، والشباب الذين تم استغلالهم في سوق العمل. ويظهر إغلاق دول الجوار حدودها بوجه الشعب السوري، ويعطي جوابا للأوروبيين عن سبب القدوم مرورًا بالبحر بدلًا من الذهاب إلى البلدان العربية، كما يٌكذّب رواية النظام بأننا إرهابيون ومسلحون". 

وتضمن الفيلم لقطات حية من تصوير بادي لأحداث الثورة السورية. يقول: "مرحلة الإنتاج والمونتاج كانت قاسية جدا. كنت أبكي لأن نصف الموجودين في الفيلم ماتوا". 

 

اعتقال وتهديد بالقتل 

 

انضم بادي خليف مبكرا إلى المظاهرات الشعبية التي اندلعت في سوريا سنة 2011. 

"بحكم عملي في مجال الاتصالات الرقمية والإنترنت وبرامج الدردشة، منذ بداية ٢٠٠٧، استطعت خلق شبكة تواصل سرية مع ناشطين وناشطات في مختلف المناطق. وكانت تصلني الأخبار لحظة بلحظة"، يقول. 

اعتقل بادي في الأسبوع الأول من عمر الثورة، كما يقول. كان حينها يبلغ 21 عاما.  

"وجهت لي تهم عدة منها انتمائي للإخوان المسلمين، والحصول على تمويل خارجي وإثارة أعمال شغب واقتحام نقاط أمنية وتم اتهامنا بحرق مفرزة الأمن العسكري وتعريض سلامة عناصر الأمن للخطر، بالرغم من أنهم هم من استخدم الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع ضدنا". 

بعد خروجه من السجن، توجه بادي إلى مجال الإعلام لتغطية انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، قبل أن ينجح في مغادرة البلاد. 

في الخارج، استعان بادي بالأرشيف الذي نجح في تسريبه معه من سوريا، لكن بعد خسارة جزء كبير منه في المداهمات وحملات الاعتقال. 

 يقول إن أرشيفه الأول انتزع منه من قبل قوات النظام في كمين في ريف حمص الشمالي، وفقد أيضا جزءا آخر من الأرشيف بعد اقتحام داعش للمقر الذي كان يعمل فيه. 

"سُرقت جميع معداتي الإعلامية، إضافة إلى أرشيف يضم مستندات تدين ضباط سوريين تابعين للنظام لحظة استخدامهم للرصاص الحي بشكل مباشر ضد المدنيين وحملات المداهمات"، يقول المخرج السوري. 

ويوضح: "بعد محاولات قتل عدة وكمائن من قبل تنظيم داعش وملاحقتهم لي في ريف إدلب الشمالي، قررت الحفاظ على أرشيفي في مكان خاص وآمن وبعدها الانتقال إلى تركيا ومنها إلى ألمانيا". 

 

فيلمي قصتي 

 

 يقول بادي: "رغم أن فيلم بين الحياة والموت لا يروي تجربة اعتقالي، إلا أن كل حدث في الفيلم يروي جانبا وقصة من حياتي. فأنا ابن هذا البلد وأحد ثائريها، وأنا جزء من هذا الشعب الناجي من الموت". 

ويضيف: "حين يروي الفيلم مشاهد القصف فأنا أروي قصتي، لأنني أنا من صوّر ووثّق الأحداث من حمص إلى حماة وإدلب لحلب وتركيا وصولا لأوروبا. وهي قصص عشتها قبل أن ترويها الكاميرا، وتصبح فيلما يوثق ما يقارب 7 سنوات من عمر الثورة، من بداية 2011 لنهاية 2017". 

ذكريات 2011 بعدها حاضرة بكل تفاصيلها ❤️ من كواليس فلمي الجديد عن الثورة السورية ❤️

Posted by Badi Khlif on Saturday, November 20, 2021

وحصدت أفلام بادي خليف المختلفة 15 جائزة حتى الآن. يقول: "بالطبع شيء جميل أن أرى أعمالي تنجح وتنتشر على أوسع نطاق، وتحقق جوائز عالمية. لكن، لم يكن في بالي أبدا حين بدأت التوثيق والإخراج أن تصل أعمالي إلى العالمية وأحقق النجاح والانتشار". 

ويؤكد: "كان همي فقط أن أنقل رسالة شعبي في وقت كنا بأمس الحاجة لمعجزة توقف الدم في سوريا، وتنهي الغرق في رحلة العبور إلى أوروبا". 

محمد ناموس

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية من إحدى قرى الشمال السوري- فرانس برس
صورة تعبيرية من إحدى قرى الشمال السوري- فرانس برس

منذ عدة أيام دخل الطفل بشار الجبر (15 عاما)، قطعة أرض مهجورة في قرية موزان شرق محافظة دير الزور، كانت تستعمل في السابق كنقطة عسكرية، وبينما كان يجمع الخردة، انفجر به لغم أرضي، فقتله. 

وقبلها بأيام قُتل محمد مرعي العسول (37 عاما) أثناء عمله في أحد الأراضي الزراعية في بلدة الغارية الغربية بريف محافظة درعا الشرقي، بعد انفجار جسم من مخلفات الحرب.

أحداث عديدة مشابهة وضحايا كثر للألغام ومخلفات الحرب تشهدها مناطق النزاع في سوريا، تركت تأثيرات كارثية على الحياة اليومية للمدنيين، متسببة بالعديد من الوفيات والإعاقات الدائمة، غالبيتهم من المزارعين والعاملين في مواسم القطاف وجامعي الكمأة والخردة والأطفال.

كما تشكل الألغام تهديداً مستمراً للاستدامة البيئية والموارد الطبيعية والحياة النباتية والحيوانية. وبحسب تقرير مرصد الألغام الأرضية (Mine Action Review)، سجلت سوريا أكبر عدد من ضحايا الألغام المضادة للأفراد ومخلفات الحرب.

وكشف في تقريره السنوي، أنه خلال الفترة الممتدة بين عام 2022 والنصف الأول من 2023، سجلت سوريا للعام الثالث على التوالي، أكبر عدد من الضحايا الجدد للألغام المضادة للأفراد أو مخلفات الحرب القابلة للانفجار، ووثق وقوع 834 ضحية في سوريا، كما تم تحديد 42 مجتمعاً ملوثاً بالذخائر المتفجرة في المناطق التي ضربها الزلزال.

إزالة الذخائر غير المنفجرة 

تقوم فرق الدفاع المدني السوري (منظمة الخوذ البيضاء) بجهود حثيثة لإزالة الذخائر غير المنفجرة، ومسح المناطق الملوثة بمخلفات الحرب، بالإضافة إلى حملات توعية مستمرة حول أشكال هذه المخلفات وخطرها، وكيفية التصرف السليم في حال مصادفتها.

وتزداد كثافة هذهِ الحملات في مواسم الحصاد وقطاف الزيتون لتمكين المزارعين من العمل في أرضهم بسلام، إضافة إلى توفير السلامة العامة للمدنيين والأطفال، وتعزيز التنمية المستدامة في مناطق شمال غربي سوريا، بحسب منشورات المنظمة.

وتبين في تقرير حول الألغام في سوريا، أن هناك الآلاف من الذخائر التي تقصف بها المدن والأراضي الزراعية إضافة إلى الألغام، "لا تنفجر وتشكل تهديدا طويل الأمد على المدنيين والبيئة، كما تُعدُ حاجزاً بين المزارع ومحصوله وبين الطفل ومدرسته ومسرح لهوه".

ويشير الدفاع المدني إلى أن فرقه قامت حتى تاريخ صدور التقرير في منتصف شهر نوفمبر الماضي، بالتخلص من أكثر من 24 ألف ذخيرة متنوعة أغلبها قنابل عنقودية، كما وثقت فرق الذخائر  خلال السنوات الماضية استخدام أكثر من 60 نوع من الذخائر المتنوعة، بينها أكثر من 11 نوعا من القنابل العنقودية المحرمة دولياً، التي استخدمها النظام وروسيا.

كذلك بين التقرير أنه ومنذ بداية العام الحالي حتى نهاية شهر أكتوبر الماضي، أتلفت فرق المنظمة  أكثر من 894 ذخيرة متنوعة، بينها 119 ذخيرة خلال أكتوبر وحده.

وأفاد أنه ومنذ بداية العام الحالي حتى منتصف شهر نوفمبر الماضي، وثقت فرق الدفاع المدني 15 انفجاراً لمخلفات الحرب في شمال غربي سوريا، أدت لمقتل 4 أطفال ورجلين، وإصابة 23 مدنياً بينهم 16 طفلاً و3 نساء.

خرائط حقول الألغام

بدورها، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في أبريل الفائت، انتشار الألغام الأرضية على مساحات واسعة في العديد من المحافظات السورية، وقامت بتجهيز خرائط تحدد مواقع تواجد حقول الألغام، ومواقع انتشار مخلفات الذخائر العنقودية كي يتم تجنبها من قبل السكان المحليين.

يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ"ارفع صوتك": "استغرق تحديد المواقع التي تتواجد فيها حقول الألغام في سوريا جهداً كبيراً، امتد لحوالي سنة، وكان لتقريرنا هدفان، الأول أن تقوم القوى المسيطرة بالبناء على هذا التقرير والمتابعة بإزالة حقول الألغام، والثاني إطلاع السكان على هذه الخرائط والتوعية بوجودها من أجل تجنبها".

ويعتبر عبد الغني أن التجاوب مع التقرير والخرائط التي تم إعدادها كان "ضعيفا ودون المستوى المأمول بشكل كبير جدا"، لهذا "ما زلنا نسجل حوادث وإصابات ووفيات بسبب الألغام"، كما يقول.

وبينت الشبكة السورية في تقريرها، أن ما لا ما لا يقل عن 3353 مدنياً بينهم 889 طفلاً، و335 سيدة (أنثى بالغة)، و8 من الكوادر الطبية، و7 من كوادر الدفاع المدني، و9 من الكوادر الإعلامية، قتلوا في المئات من حوادث انفجار الألغام الأرضية المضادة للأفراد في سوريا،  بينهم 382 مدنياً قتلوا على يد قوات الحلف السوري الروسي، إثر انفجار مخلفات ذخائر عنقودية.

موسم الزيتون: الحصاد المُميت

لم يكن الطفل شادي السيد علي (12 عاما) يتوقع أن ينفجر به لغم أرضي، أثناء رحلته لقطاف الزيتون في أطراف مدينته بنش الواقعة في ريف إدلب شمال سوريا.

يقول إنه كان برفقة أخيه، حين رأى جسما غريبا فرماه بعيدا، فسقط على صخرة وانفجر، متسببا ببتر قدمه اليسرى ويده اليمنى.

آلام شديدة عاناها شادي الذي توقف عن الدراسة لمدة سنتين، حتى تم تركيب طرفين صناعيين له، ولكن الألم ما زال يرافقه بشكل مستمر حتى اليوم، ويحرمه من عيش طفولته بشكل طبيعي.

يبين الناشط عزيز الأسمر، من مدينة  بنش، لـ"ارفع صوتك"، أن هناك الكثير من الحالات في المدينة كحالة شادي، ومعظم الضحايا مدنيون، غالبيتهم من الرعاة والمزارعين. 

ويضيف: "هذا النزف مستمر منذ بداية الثورة حتى الآن وكل فترة نسمع عن مقتل طفل أو شاب أو بتر أقدامهم وأيديهم نتيجة هذه الألغام". 

ويؤكد أنه في وقت سابق من العام الماضي عثر أربعة أطفال على لغم أو إحدى مخلفات الحرب أثناء جمعهم الخردة، وأحضروها إلى المنزل، وأثناء عبثهم بها انفجرت وتسببت بمقتلهم جميعا.

يتابع الأسمر، أن "هناك حملات توعية كبيرة حول الألغام من المنظمات والهيئات المدنية والدفاع المدني، لتعريف الناس بشكلها وأماكن تواجدها، مع التشديد على ضرورة إبلاغ الجهات المختصة حين يرون لغما، ولكن الأقدار وفضول الأطفال يتسبب بهذه الحوادث".

ويوضح: "كل قرية أو مدينة في الشمال السوري تعاني من إصابات نتيجة الألغام المتفجرة التي زرعها النظام قبل مغادرة مدينة إدلب،  كذلك هناك العديد من ضحايا مخلفات القنابل العنقودية، ومعظمهم من المزارعين ورعاة الغنم الذين يصادفون اللغم أثناء عملهم. وكونهم لا يعرفون شكله يصبحون ضحايا له، أما العسكريون فهم بطبيعة الحال يعرفون أماكن توزع الألغام ويعرفون شكلها، لذلك قليلا ما تكون هناك إصابات بينهم".