سجن صيدنايا العسكري حيث قتل آلاف السوريين تحت التعذيب
خلال 11 عاما من عمر الثورة السورية ارتبط اسم الأسد ونظامه بعمليات قتل وتعذيب في المعتقلات

أصدر رأس النظام السوري، بشار الأسد، قبل يومين، قانونا يجرّم التعذيب في سوريا، في خطوة "لم يجد السوريون لها أي تفسير"، فيما أثارت الكثير من التساؤلات، وعما إذا كانت تنم عن "حالة انفصام عن الواقع"، أم أنها تأخذ مسارات أخرى، لاعتبارات خارجية أكثر من داخلية. 

ونشرت وكالة "سانا" تفاصيل القرار، الذي حمل رقم 16 للعام 2022، وينص على "العقوبة بالسجن لمدة 8 سنوات على الأقل لكل من ارتكب عملية تعذيب، أو شارك فيها، أو حرض عليها، سواء كانت للحصول على اعتراف أو تحقيقا لمآرب شخصية، أو مادية، أو سياسية، أو بقصد الثأر أو الانتقام، وبالسجن عشر سنوات على الأقل لكل من ارتكب التعذيب بحق موظف، بسبب ممارسته لمهامه".

وينص القانون أيضا على "اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان الحق في تقديم الشكاوى أو الإبلاغ عن التعذيب، وتوفير الحماية لمقدم الشكوى، أو الإبلاغ عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، والحفاظ على السريّة، وحماية الشهود والخبراء وأفراد أسرهم".

"تلميع عقود من الانتهاكات"

وفي بيان لها نشر، الجمعة، قالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "منظمة العفو الدولية" إن "القانون الجديد يرمي فعليا إلى تلميع عقود من ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان بموافقة الدولة".

وأضافت معلوف: "كما أنه لا يقدّم إنصافا لضحايا التعذيب السابقين، ولا يشمل أي تدابير حماية للشهود أو ضحايا التعذيب، ولا يذكر ما إذا كانت أسر ضحايا التعذيب ستتلقّى تعويضات، في حالة وفاتهم".

والأهمّ من ذلك، بحسب "العفو الدولية": "لم يذكر القانون أي إجراءات يمكن اتخاذها لمنع حصول التعذيب في مراكز الاحتجاز والسجون في المستقبل".

"حالة انفصام"

خلال 11 عاما من عمر الثورة السورية ارتبط اسم الأسد ونظامه بعمليات قتل و"تعذيب ممنهج" بحق معارضيه في المعتقلات، وهو ما وثقته منظمات حقوق إنسان دولية، بينها "العفو الدولية"، "هيومان رايتس ووتش"، وتحقيقات أخرى من قبل الأمم المتحدة.

وربما تكون "صور قيصر" وتقرير "المسلخ البشري" الذي أصدرته "العفو الدولية"، عام 2017 الأشهر من بين مئات التقارير والدلائل الحقوقية. 

وكشفت المنظمة في التقرير عن حالات إعدام جماعي شنقا نفذها النظام بحق 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا، أغلبيتهم من المدنيين المعارضين، وذلك بين عامي 2011 و 2015، واصفة السجن بأنه "المكان الذي تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء".

ويقول حسن النيفي كاتبٌ سوري ومعتقل سابق في سجون النظام السوري إن "التعذيب بشتى أشكاله، وكذلك الاعتداء على حياة المواطنين لم يكن في يوم من الأيام حالة طارئة على تاريخ نظام الأسد (الأب والابن)".

وكذلك لم يكن مجرد "إجراء وقائي يلجأ إليه النظام لمعالجة حالة أمنية محددة، بل كان "نهجا مدروسا ونظما، كحامل أمني من حوامل بقاء السلطة الأسدية وديمومتها"، بحسب المعتقل السابق. 

وبذلك يرى النيفي في حديث لموقع "الحرة" أن استحداث قانون التعذيب الجديد "هو إحدى المفارقات التي تؤكد أن نظام الأسد يعيش حالة انفصام حقيقية".

ويعتبر أنه "لا غرابة في ذلك طالما أنه اعتاد على الإنكار الدائم لجرائمه، وقد عزز لديه الرغبة والاستمرار في الإنكار غياب الرادع الدولي، واستبعاده الدائم من المساءلة والمحاسبة".

"فوتوشوب وإنكار"

ويعتقل النظام السوري ما يزيد عن 215 ألف معتقل في سجونه دون الإفصاح عن مكانهم وأسمائهم، بحسب إحصائيات "الشبكة السورية لحقوق الإنسان".

وقلما تصدر تعليقات رسمية بشأن مصير هؤلاء أو حتى بخصوص التقارير التي تتحدث عن الظروف التي يعيشونها داخل المعتقلات.

لكن الأسد ولمرة واحدة في عام 2017 كان قد أنكر ما أوردته "العفو الدولية" في تقرير "المسلخ البشري"، معتبرا في مقابلة مع موقع "ياهو نيوز" أن جميع التقارير "موضع شك وليست حيادية"، "لأنها لم تعتمد على دليل محسوس".

وردا على سؤال الصحفي خلال المقابلة، حينها: "هل تعلم ماذا يجري داخل سجن صيدنايا؟"، أجاب الأسد "أنا في القصر الجمهوري ولا أعيش في السجن ولا أعرف ما يجري هناك، لكنني أعرف ما يحدث في سوريا أكثر من العفو الدولية، التي تضع تقاريرها استنادا لمزاعم".

في المقابل وصف رأس النظام الصور التي سربها "قيصر" قبل أعوام، وتضمنت توثيقا لضحايا التعذيب في سوريا، بأنها "فوتوشوب"، متسائلا: "من أكد صحتها؟".

و"قيصر" المنشق عن الشرطة العسكرية، سرّب 50 ألف صورة مروعة لجثث معتقلين لدى النظام السوري مورس عليهم أشد أنواع التعذيب، وكان مسؤولا عن تصوير وتوثيق الجثث وترقيمها، ونشرت إلى العلن عام 2014.

وأكدت منظمة "هيومان رايتس ووتش" صحة الصور، وأصدرت تقريرا بعنوان "لو تكلم الموتى: الوفيات الجماعية والتعذيب في المعتقلات السورية"، بعد تحقيق استمر تسعة أشهر، واستند إلى 28 ألف صورة مسربة.

ولم ير الأسد تلك الصور وفق ما زعم خلال المقابلة، ورغم أن صحفي "ياهو نيوز" سلمه تقريرا لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، صدر عام 2015، يثبت صحة الصور بعد فحصها على أيدي خبراء، إلا أن الأسد تساءل "متى كانت مؤسساتكم نزيهة فيما يتعلق بما يحدث في سوريا؟".

"عين للخارج" 

في غضون ذلك كان لافتا في إصدار القانون الجديد أنه جاء "بما يتوافق مع أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب، التي سبق وأن صادقت عليها الجمهورية العربية السورية"، وفق ما أوردت "سانا".

وهذه النقطة أثارت اهتمام حقوقيين وقانونيين تحدثوا لموقع "الحرة"، معتبرين أن "قانون تجريم التعذيب" الجديد يرتبط بمحددات خارجية، لاسيما بعد الخطوة التي اتخذتها هولندا وكندا بصورة متواترة، بعد عامي 2020.

وفي سبتمبر 2020 أعلنت هولندا أنها أبلغت النظام السوري نيتها محاسبَته على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان لا سيما التعذيب، بموجب "اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب". 

وردّت النظام، حينها، بالقول إن لا حقّ لهولندا في التعاطي مع ملفات حقوق الإنسان لديها، وأن ذلك الإجراء "قفز فوق الأمم المتحدة والقانون الدولي". 

وهذه المذكرة الهولندية التي انضمت إليها كندا في 2021، وصفتها "هيومان رايتس ووتش" مؤخرا بأنها خطوة مهمة قد تفضي إلى مقاضاة النظام في "محكمة العدل الدولية". 

ويوضح المحامي والقانوني السوري، غزوان قرنفل أن "الهدف الرئيس من قانون الأسد هو التحرك القضائي الذي بدأته كندا وهولندا باتجاه محكمة العدل الدولية بهذا الشأن".

ويضيف: "ماهي قيمة أي قانون إن لم يكن هناك استقلال للقضاء الذي سيكون منوط به تطبيقه؟".

ويشير قرنفل في حديث لموقع "الحرة" إلى وجود قوانين ومراسيم أخرى تسبغ الحماية القانونية على مرتكبي مثل تلك الجرائم (التعذيب) كالمرسوم 14 لعام 1969  وقانون التنظيمات الداخلية لإدارة أمن الدولة، الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 549 لعام 1969".

ويتابع: "هذه المراسيم تفرغ أي محتوى وقيمة لقانون مكافحة التعذيب الجديد".

وكان الباحث السوري كرم شعار المختص بتتبع الشركات الوهمية والوثائق السرية الصادرة عن النظام السوري قد نشر وثيقة، في ديسمبر 2021، أظهرت أن "النظام السوري أخذ التهديد الهولندي على محمل الجد، وشكل لجنة رفيعة المستوى للتعامل معه".

وضمت اللجنة نائب وزير الخارجية السوري، بشار الجعفري، ونائب وزير العدل، وممثل عن مكتب الأمن الوطني، اسمه العميد سامي بريدي، بالإضافة إلى آخرين من بينهم: ميلاد عطية مدير إدارة المنظمات الدولية والمؤتمرات في وزارة الخارجية والمغتربين.

"الأسد قلق"

في غضون ذلك يؤكد مدير رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، دياب سرية أن إصدار الأسد لقانون تجريم التعذيب يأتي "استجابة للدعوى التي تسير من خلالها هولندا وكندا".

ويوضح سرية في حديث لموقع "الحرة": "هولندا طلبت النظام لمحاججة ومحاكمة بمحكمة العدل الدولية، العام الماضي، بسبب التعذيب، وفيما بعد انضمت كندا إليها، وقدمت شكوى بنفس الإطار، بأن الأسد ينسف الاتفاقية الموقع عليها". 

ولم تأخذ هذه الخطوات حيزا إعلاميا كبيرا في ذلك الوقت، بحسب سرية، الذي يضيف: "النظام يريد القول بأنه بدأ بمنع التعذيب". 

لكن الحقوقي السوري يشير: "القانون لا ينفي وجود الجرائم. جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم. هي جرائم ضد الإنسانية. عندما نقرأ القانون الجديد نشعر وكأننا في سويسرا!. العبرة بالتطبيق وليس بالكلام. النظام السوري مجرم قتل الآلاف ويحاول التذاكي الآن".

وقد لا تقتصر أهداف النظام من القانون الجديد على ما سبق، بل تذهب إلى محاولات لإعادة "تلميع الصورة الدموية"، في وقت تكثر فيه التحركات من أجل "إعادته للحظيرة العربية"، بحسب ذات المتحدث.

من جهته يتساءل الكاتب السوري، حسن النيفي: "هل الدستور السوري الذي يعمل به النظام حاليا والقوانين المتفرعة عنه تجيز أو تشرعن التعذيب؟ لا، ومع ذلك فقد أبدع نظام الأسد في التعذيب والقتل والإجرام. ما الذي سيجعل الأسد يلتزم بقوانينه الجديدة؟".

ويضيف الكاتب: "لا يخفى أيضا أن الأسد يعمد حاليا إلى إجراء عدة تعديلات دستورية، وكذلك استصدار قوانين جديدة، استباقا لأي جدية دولية في كتابة دستور جديد للبلاد وفقا لما هو منصوص عليه في القرار 2254، وليؤكد للمجتمع الدولي أن الدستور الذي يعمل به هو النموذج المثالي".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".