FILE - In this July 24, 2019 file photo, a woman carries bread on her head while she crosses a street in the Syrian capital,…
يحل رمضان هذا العام ثقيلا على السوريين.

يحل رمضان هذا العام ثقيلا على السوريين. فعلى الرغم من سوء الأوضاع المعيشية طوال سنوات الحرب، إلا أن الوضع في شهر رمضان هذا العام يبدو الأسوأ على جميع الأصعدة، لارتباطه بالانهيار الاقتصادي وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية.

 فالأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بسوريا، والارتفاع غير المسبوق بأسعار السلع والمواد الغذائية، وانهيار القيمة الشرائية، بالإضافة إلى رفع الدعم عن فئات واسعة من السوريين، وتحديد كميات المواد المستحقة للفرد على البطاقة الذكية، كأرغفة الخبز وكيلوغرامات الرز والسكر، جميعها حرمت السوريين من التحضير لشهر رمضان. ومنعت الكثير منهم من عادات وتقاليد رمضانية نشأوا عليها، فاندثرت عادات اجتماعية واستهلاكية وحلت محلها أخرى.

وأضحت العديد من الأطباق خارج المائدة الرمضانية السورية، إذ غيّب الغلاء الفاحش اللحوم وأصناف الفواكه والحلوى التي تشتهر بها سوريا، خاصة دمشق وحلب، والتي أصبحت أسعارها بعيدة عن متناول العديد من العائلات.

وفرغت الأسواق من زحمة التسوق قبل رمضان، وتغيرت ثقافة الاستهلاك من الشراء بالصناديق والكيلوغرامات إلى الحبة والأوقية. وتراجعت مبيعات الزينة الرمضانية هي الأخرى.

 

لا زينة هذا العام

 

وائل الحلاق صاحب محل لبيع الزينة ومستلزمات رمضان في دمشق قال في حديثه مع ارفع صوتك إن أنماط الاحتفال بقدوم رمضان هذا العام مختلفة، موضحا أن الإقبال على شراء الزينة الرمضانية يكاد يكون معدوما.

ولفت وائل إلى أن مبيعات الزينة تراجعت بشكل كبير خلال الأعوام السابقة، إلا أنها هذا العام شبه معدومة. فالأولوية بالنسبة للمواطنين اليوم هي تأمين الأساسيات من الطعام والشراب. وحتى هذه الأساسيات، يقول الحلاق، أصبحت خارج متناول الكثيرين.

وفي ذات السياق، تقول سحر من منطقة العسالي في ريف دمشق أنها اعتادت سنويا على تزيين المنزل احتفاء بقدوم رمضان. وهو ما كان يدخل البهجة على العائلة ويسعد أطفالها كثيرا.

وتضيف سحر أنها تخلت عن هذه العادة هذا العام. فلا قدرة لها على شراء الزينة الرمضانية، فالأولويات هي لتامين الطعام وتوفير الاحتياجات الرئيسية.

ولم تتخلَّ سحر عن الزينة فقط هذا العام، بل عن معظم الوجبات التي تحتوي على اللحوم والدجاج التي بلغت أرقاما قياسية. "فلا مرتب يكفي ولا تجار ترحم"، تقول.

ويؤكد فاروق من حي الطبالة الدمشقي أنه لا يعلم كيف سيمر رمضان على عائلته المؤلفة من سبعة أشخاص هذا العام. فهو لم يحضر شيئا لرمضان هذا العام سوى الزينة التي كان يحتفظ بها من الأعوام السابقة، إلا أنها لن تضاء بسبب غياب الكهرباء.

أما عن إفطار العائلة لهذا العام، فيقول فاروق أنه سيقتصر على الحبوب، من أرز وعدس وبرغل. فالقدرة على تحضير "وجبات فاخرة" أصبحت من الماضي بالنسبة له ولعائلته.

يضيف فاروق: "حتى الإفطارات الجماعية التي كانت تقام في المساجد والتي تمكّن الفقراء من الحصول على وجبات اللحم والدجاج جميعها أُلغيت، إذ علمت أن المسجد الأموي القريب من منزلي لن يقيم إفطارات جماعية كما دأب سابقاً".

 

الألبان والأجبان بالأوقية

 

مأمون الشامي صاحب محل أجبان وألبان في منطقة البزورية أكد لارفع صوتك أن العادات الشرائية للمواطنين في سوريا تبدلت. فخلال السنوات السابقة، كانت معظم العائلات تتسوق بكثافة قبل رمضان وبكميات كبيرة. فمثلا كانت العائلة الواحدة تشتري من 5 إلى 10 كيلو من الألبان والأجبان. أما الآن، فأصبح الشراء بالأوقية.

من جهته، يقول أبو محمد، وهو صاحب محل للمواد الغذائية في حي التضامن، أن "لا زحمة تسوق هذا العام". فعادة ما يعمد السوريون للشراء والتخزين بكثافة قبل رمضان. ويتم التحضير للإفطارات العائلية وللولائم والعزائم مسبقا، بالإضافة إلى تجهيز كميات وافرة من اللحوم والدجاج والأجبان والألبان لإعداد وجبتي الفطور والسحور.

أما هذا العام، فيقول أبو محمد: "لم نلحظ أي زيادة في المشتريات بل على العكس أصبح الشراء أقل بكثير من الأعوام السابقة".

 

وداعا للسكبة

 

اشتهرت سوريا بالسكبة في رمضان، إذ كان الجيران يتبادلون غالبا المأكولات فيما بينهم وتعمد السيدات إلى "سكب" وجبة من الطعام الذي قمن بتحضيره لجيرانها، فتمتلئ السفرة الرمضانية بأصناف مأكولات مختلفة متبادلة بين الجيران.

تقول مها الأسعد من ركن الدين أن هذه العادة اختفت، كما تغيرت الكثير من التقاليد الرمضانية، فلا عزائم ولا ولائم هذا العام، وبالكاد يستطيع المرء تأمين حاجات عائلته.

وتؤكد مها أن التقشف أصبح يشمل معظم العائلات. "الجميع هنا منهكون، والطبقة الميسورة هي الأقلية، بينما الغالبية تعاني. وهناك فئة صمدت في هذه الأزمة وهي من تصلها حوالات المغتربين التي تزداد في رمضان وتنقذ بعض الأسر من العوز والحاجة"، تقول.

ويلجأ السوريون في الخارج لمساعدة ذويهم في سوريا ماليًا عبر الحوالات، ويعتمد معظم المقيمين في مختلف المحافظات السورية على تلك الحوالات المالية، خاصة بعد تدهور القيمة الشرائية لليرة السورية وارتفاع الأسعار بشكل كبير.

 

الحلويات" للفرجة"

 

يقول أبو ماجد، العامل في محل بيع الحلويات الشرقية في الصالحية، أن زبائن المحل محددون، وهم من الطبقة الميسورة والأغنياء. أما "باقي الشعب فيمر ليلقي نظرة ويسأل عن الأسعار ثم يغادر، إذ يعادل سعر كيلو الحلويات الشرقية المتوسطة الجودة ما قيمته نصف راتب موظف حكومي، أما تلك العالية الجودة فتعادل ضعفي الراتب".

وتقول ريما العلي، وهي موظفة حكومية وأم لثلاثة أبناء، أن من الكثير من المأكولات لن تزين مائدتها هذا العام. "لا لحم ولا سمك، حتى الدجاج ارتفع سعره بشكل كبير، وإذا أردت إدخاله على وجبة فطور واحدة سيكلفني ربع راتبي الشهري".

وتؤكد العلي أن أسعار الخضر ارتفعت بشكل كبير أيضا، ومهما حاولت العائلات التقشف والتوفير فلن تنجح، فسفرة رمضان النباتية لن تقل عن 15 ألف ليرة، وسيحتاج العامل للاقتراض أضعاف راتبه لتأمين احتياجات سفرة نباتية بامتياز. وكذلك الأمر بالنسبة التمور التي تستهلك في رمضان بكثرة، وقرر العديد من المواطنين تناولها بدلا عن الحلوى، ارتفعت أسعارها بشكل كبير بعد قرار وزارة الاقتصاد وقف استيرادها، بحجة ضغط النفقات، وأصبح الكيلو الواحد من النوعية المتوسطة يفوق خمسة آلاف ليرة.

ووفقا لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيس، الذي أكد في إحاطته لمجلس الأمن حول الوضع الإنساني في سوريا في 24 أذار الحالي، أن 14.6 مليون شخص في سوريا يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية وهو الرقم الأعلى منذ بداية الصراع، كما يعاني 12 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وهم معرضون لخطر تردي الوضع الإنساني بشكل أكبر.

وأضاف غريفيس أن الليرة السورية وصلت إلى مستويات منخفضة قياسية، مما قلص قوتها الشرائية، وسجلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعات كبيرة كل شهر على مدى الأشهر الخمسة الماضية، وأصبحت العائلات غير قادرة على تغطية النفقات الأساسية، كما يعاني واحد من كل أربعة أطفال في بعض المناطق في سوريا من التقزّم.

 

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".