Members of the Druze community sit near a billboard bearing the portrait of Syrian President Bashar Assad during a rally in the…
تشير إحصائيات المرصد السوري إلى مقتل أكثر من 105 آلاف معتقل تحت التعذيب داخل سجون نظام الأسد منذ انطلاقة الثورة السورية في العام 2011.

بانتقادات لاذعة وسيل من التهكم، قوبل إعلان الرئيس السوري بشار الأسد لقانون جديد يجرم التعذيب.

وتساءلت منظمات دولية  ومواطنون سوريون وعرب عن توقيت هذا الإعلان وأسبابه، من النظام الذي تواجهه اتهامات بممارسة مختلف أشكال التعذيب والتنكيل والاعتقال القسري المنظم.

قانون تجريم التعذيب بحسب بيان الرئاسة السورية، يتوافق مع" الالتزامات الدستورية للدولة ومع أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب التي سبق وأن صادقت عليها سوريا".

 

وتتدرّج العقوبات في نصّ القانون وفقاً لخطورة العمل الجُرمي، حيث تصل إلى الإعدام إذا نجم عن التعذيب موتُ إنسان.

ويعاقب القانون بالسجن المؤبد المتورطين في عمليات تعذيب يكون ضحيتها أطفال.

وجاء في القانون أيضا: "يعاقب بالسجن لمدة ثماني سنوات على الأقل، كل من ارتكب عملية تعذيب، أو شارك فيها، أو حرّض عليها، سواء كانت للحصول على اعتراف، أو تحقيقاً لمآرب شخصية، أو مادية، أو سياسية، أو بقصد الثأر، أو الانتقام، والسجن عشر سنوات على الأقل لكل من ارتكب التعذيب بحق موظف بسبب ممارسته لمهامه".

رئيس الهيئة الوطنية السورية لشؤون المعتقلين والمفقودين، ياسر الفرحان، وصف القانون بـ"الوقح". ووصف الاعتقال والتصفية والتعذيب بـ"السلوك الممنهج" لدى نظام الأسد لحكم سوريا، بحسب ما أوردته الدائرة الإعلامية للائتلاف الوطني السوري.

 

جروح غائرة

 

ماجد. م، ناج من سجون الأسد، اعتقل عام 1994 بتقرير وصفه بالكيدي وخرج بعد ست سنوات، سخر من القانون الجديد خلال حديثه مع ارفع صوتك، ووصفه بأنه "أكبر كذبة اختلقها النظام".

وخص ماجد بالسخرية المادتين الخامسة التي تقضي بالتعويض المناسب بما يجبر الضرر المادي والمعنوي بمن وقع عليه التعذيب، والسابعة  التي تنص على اتخاذ المحكمة التدابير الكفيلة بضمان الحق في تقديم الشكاوى أو الإبلاغ عن التعذيب وحماية مقدم الشكوى والحفاظ على السرية وحماية الشهود وأفراد أسرهم.

ويقول ماجد إنه تعرض لأشكال مختلفة من التعذيب، إذ تم تعذيبه باستخدام "الكرسي الألماني"، ومد الكهرباء إلى جسده، وتعليقه بواسطة حبل.

"بعد مرور 22 سنة على خروجي من المعتقل، لا زلت أعاني من ندبات جسدية ونفسية. فمن يرى آثار التعذيب اليوم يظن أنني خرجت حديثا من سجون النظام. فهل سيصدق أي عاقل أن هذا النظام سيقوم بجبر الضرر بمن وقع عليه التعذيب؟ وهل سيتجرأ أحد على تقديم شكوى؟ وهل ستتم حمايته أم الإجهاز عليه؟"، يتساءل ماجد.

وسخر وائل، وهو ناج آخر من سجون النظام اعتقل في بداية الثورة السورية عام 2012، لعدم حمله بطاقة هوية كما يقول.

ويوضح وائل: "اعتقلت لعدم حملي هويتي الشخصية. كنت بنظرهم خائنا مجرما ومتآمرا على الوطن، وكان علي أن أعترف بجميع التهم التي وجهها لي المحقق تحت الضرب والتنكيل، وكنت مستعدا للاعتراف بأي شيء حتى يتوقف التعذيب".

"كسروا أصابعي وكاد أحد الجلادين أن يقتلع عيني. التوقيف كان ليوم واحد، ذقت خلاله صنوف العذاب. ولكن لحسن حظي أن والدي الذي يحظى بنفوذ وعلاقات عَلِمَ بمكاني قبل أن يتم نقلي من المركز الأمني إلى السجن"، يقول وائل.

 

كذبة نيسان!

 

سخرت منظمة هيومن رايتس واتش بدورها من قانون تجريم التعذيب الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد قبل أيام.

وقالت المنظمة الحقوقية في تقرير لها: "هذه ليست كذبة نيسان. فسوريا التي يعتبر التعذيب فيها أمراً اعتيادياً، أصدرت قانوناً يجرم التعذيب".

وأضافت المنظمة أنه من الصعب تحديد أهداف النظام من إصدار القانون، مشيرة إلى أنه من الممكن أن تكون الدوافع لإصدار القانون مرتبطة بمحاولة بعض الدول محاكمة النظام إلى جانب المحاكمات الأوروبية لبعض الأشخاص الضالعين بالتعذيب في السجون السورية.

ووثقت المنظمة طوال سنوات قيام النظام السوري تعسفيا بإخفاء وتعذيب عشرات الآلاف من الأشخاص في ما يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية. وقالت إن محاسبة الضالعين بالتعذيب من خلال هذا القانون أمر يصعب أخذه على محمل الجد.

وأشارت المنظمة في تقريرها إلى وجود "أدلة دامغة" على انتشار التعذيب على نطاق واسع في مراكز الاحتجاز التابعة للحكومة السورية، بحسب ما أظهرت صور منشق عسكري سوري قام في أغسطس 2013 بتهريب أكثر من 53  ألف صورة فوتوغرافية إلى خارج سوريا.

وحذر المرصد السوري لحقوق الإنسان، هو الآخر، من محاولة نظام بشار الأسد تلميع صورته عبر إصدار قانون تجريم التعذيب، معتبرا أنه سعي للهروب من الكثير من المسؤوليات المتعلقة بالانتهاكات الخطيرة منذ عام 2011، خاصة أمام توالي التقارير الدولية وضغط المنظمات الإنسانية والحقوقية بخصوص ملف التعذيب، والتجاوزات الخطيرة لحقوق الإنسان في السجون والمعتقلات.

وتشير إحصائيات المرصد السوري إلى مقتل أكثر من 105 آلاف معتقل تحت التعذيب داخل سجون نظام الأسد منذ انطلاقة الثورة السورية في العام 2011.

وفي السياق ذاته، اعتبرت منظمة العفو الدولية "أمنيستي" أن قانون تجريم التعذيب يهدف إلى تلميع النظام وما ارتكبه من جرائم على مدى عقود بحق المعتقلين في سجونه.

وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، أنّ القانون لا يقدّم إنصافاً لضحايا التعذيب السابقين، ولا يشمل أي تدابير حماية للشهود أو ضحايا التعذيب، ولا يذكر ما إذا كانت أسر ضحايا التعذيب ستتلقّى تعويضات، في حالة وفاتهم.

 

تعليقات ساخرة

 

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الساخرة من القانون.

وعلق الصحفي قتيبة ياسين في تغريدة له على القانون، قائلا إن ‏قانون "تجريم التعذيب في السجون" الذي أصدره الأسد هو مثل قانون حرية الترشح للرئاسة، ومثل مراسيم العفو، وإلغاء قانون الطوارئ.

وقال السياسي والمعارض السوري جورج صبرا إن فضيحة الأسد في التعذيب "مجلجلة" ويعرفها العالم بأسره، واختبر جرائمها اللبنانيون والفلسطينيون أيضاً.

أما العقيد محمد عبد الأحمد، فقال في تغريدة إن القرار شهادة بخط المجرم أن التعذيب كان مسموحا، والآن منعه الأسد الابن، ليهدد المعذبين الذين يفكرون بتقديم شكاوى.

وقالت المحامية وعد القاضي في منشور لها على فيسبوك أن القانون "مفرغ سلفا من أي قيمة".

وأضافت أن نظام الأسد مستعد لتسليم عشرات، بل مئات المتورطين في جرائم التعذيب، من ضباط وغيرهم، بحجة إساءة استخدام السلطة. "وقد نرى محاكمات كما حصل مع أنور رسلان وإياد غريب ونكون حصلنا على عدالة عمياء وعرجاء".

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".