بانتقادات لاذعة وسيل من التهكم، قوبل إعلان الرئيس السوري بشار الأسد لقانون جديد يجرم التعذيب.
وتساءلت منظمات دولية ومواطنون سوريون وعرب عن توقيت هذا الإعلان وأسبابه، من النظام الذي تواجهه اتهامات بممارسة مختلف أشكال التعذيب والتنكيل والاعتقال القسري المنظم.
قانون تجريم التعذيب بحسب بيان الرئاسة السورية، يتوافق مع" الالتزامات الدستورية للدولة ومع أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب التي سبق وأن صادقت عليها سوريا".
وتتدرّج العقوبات في نصّ القانون وفقاً لخطورة العمل الجُرمي، حيث تصل إلى الإعدام إذا نجم عن التعذيب موتُ إنسان.
ويعاقب القانون بالسجن المؤبد المتورطين في عمليات تعذيب يكون ضحيتها أطفال.
وجاء في القانون أيضا: "يعاقب بالسجن لمدة ثماني سنوات على الأقل، كل من ارتكب عملية تعذيب، أو شارك فيها، أو حرّض عليها، سواء كانت للحصول على اعتراف، أو تحقيقاً لمآرب شخصية، أو مادية، أو سياسية، أو بقصد الثأر، أو الانتقام، والسجن عشر سنوات على الأقل لكل من ارتكب التعذيب بحق موظف بسبب ممارسته لمهامه".
رئيس الهيئة الوطنية السورية لشؤون المعتقلين والمفقودين، ياسر الفرحان، وصف القانون بـ"الوقح". ووصف الاعتقال والتصفية والتعذيب بـ"السلوك الممنهج" لدى نظام الأسد لحكم سوريا، بحسب ما أوردته الدائرة الإعلامية للائتلاف الوطني السوري.
جروح غائرة
ماجد. م، ناج من سجون الأسد، اعتقل عام 1994 بتقرير وصفه بالكيدي وخرج بعد ست سنوات، سخر من القانون الجديد خلال حديثه مع ارفع صوتك، ووصفه بأنه "أكبر كذبة اختلقها النظام".
وخص ماجد بالسخرية المادتين الخامسة التي تقضي بالتعويض المناسب بما يجبر الضرر المادي والمعنوي بمن وقع عليه التعذيب، والسابعة التي تنص على اتخاذ المحكمة التدابير الكفيلة بضمان الحق في تقديم الشكاوى أو الإبلاغ عن التعذيب وحماية مقدم الشكوى والحفاظ على السرية وحماية الشهود وأفراد أسرهم.
ويقول ماجد إنه تعرض لأشكال مختلفة من التعذيب، إذ تم تعذيبه باستخدام "الكرسي الألماني"، ومد الكهرباء إلى جسده، وتعليقه بواسطة حبل.
"بعد مرور 22 سنة على خروجي من المعتقل، لا زلت أعاني من ندبات جسدية ونفسية. فمن يرى آثار التعذيب اليوم يظن أنني خرجت حديثا من سجون النظام. فهل سيصدق أي عاقل أن هذا النظام سيقوم بجبر الضرر بمن وقع عليه التعذيب؟ وهل سيتجرأ أحد على تقديم شكوى؟ وهل ستتم حمايته أم الإجهاز عليه؟"، يتساءل ماجد.
وسخر وائل، وهو ناج آخر من سجون النظام اعتقل في بداية الثورة السورية عام 2012، لعدم حمله بطاقة هوية كما يقول.
ويوضح وائل: "اعتقلت لعدم حملي هويتي الشخصية. كنت بنظرهم خائنا مجرما ومتآمرا على الوطن، وكان علي أن أعترف بجميع التهم التي وجهها لي المحقق تحت الضرب والتنكيل، وكنت مستعدا للاعتراف بأي شيء حتى يتوقف التعذيب".
"كسروا أصابعي وكاد أحد الجلادين أن يقتلع عيني. التوقيف كان ليوم واحد، ذقت خلاله صنوف العذاب. ولكن لحسن حظي أن والدي الذي يحظى بنفوذ وعلاقات عَلِمَ بمكاني قبل أن يتم نقلي من المركز الأمني إلى السجن"، يقول وائل.
كذبة نيسان!
سخرت منظمة هيومن رايتس واتش بدورها من قانون تجريم التعذيب الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد قبل أيام.
وقالت المنظمة الحقوقية في تقرير لها: "هذه ليست كذبة نيسان. فسوريا التي يعتبر التعذيب فيها أمراً اعتيادياً، أصدرت قانوناً يجرم التعذيب".
وأضافت المنظمة أنه من الصعب تحديد أهداف النظام من إصدار القانون، مشيرة إلى أنه من الممكن أن تكون الدوافع لإصدار القانون مرتبطة بمحاولة بعض الدول محاكمة النظام إلى جانب المحاكمات الأوروبية لبعض الأشخاص الضالعين بالتعذيب في السجون السورية.
ووثقت المنظمة طوال سنوات قيام النظام السوري تعسفيا بإخفاء وتعذيب عشرات الآلاف من الأشخاص في ما يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية. وقالت إن محاسبة الضالعين بالتعذيب من خلال هذا القانون أمر يصعب أخذه على محمل الجد.
وأشارت المنظمة في تقريرها إلى وجود "أدلة دامغة" على انتشار التعذيب على نطاق واسع في مراكز الاحتجاز التابعة للحكومة السورية، بحسب ما أظهرت صور منشق عسكري سوري قام في أغسطس 2013 بتهريب أكثر من 53 ألف صورة فوتوغرافية إلى خارج سوريا.
وحذر المرصد السوري لحقوق الإنسان، هو الآخر، من محاولة نظام بشار الأسد تلميع صورته عبر إصدار قانون تجريم التعذيب، معتبرا أنه سعي للهروب من الكثير من المسؤوليات المتعلقة بالانتهاكات الخطيرة منذ عام 2011، خاصة أمام توالي التقارير الدولية وضغط المنظمات الإنسانية والحقوقية بخصوص ملف التعذيب، والتجاوزات الخطيرة لحقوق الإنسان في السجون والمعتقلات.
وتشير إحصائيات المرصد السوري إلى مقتل أكثر من 105 آلاف معتقل تحت التعذيب داخل سجون نظام الأسد منذ انطلاقة الثورة السورية في العام 2011.
وفي السياق ذاته، اعتبرت منظمة العفو الدولية "أمنيستي" أن قانون تجريم التعذيب يهدف إلى تلميع النظام وما ارتكبه من جرائم على مدى عقود بحق المعتقلين في سجونه.
وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، أنّ القانون لا يقدّم إنصافاً لضحايا التعذيب السابقين، ولا يشمل أي تدابير حماية للشهود أو ضحايا التعذيب، ولا يذكر ما إذا كانت أسر ضحايا التعذيب ستتلقّى تعويضات، في حالة وفاتهم.
تعليقات ساخرة
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الساخرة من القانون.
وعلق الصحفي قتيبة ياسين في تغريدة له على القانون، قائلا إن قانون "تجريم التعذيب في السجون" الذي أصدره الأسد هو مثل قانون حرية الترشح للرئاسة، ومثل مراسيم العفو، وإلغاء قانون الطوارئ.
وقال السياسي والمعارض السوري جورج صبرا إن فضيحة الأسد في التعذيب "مجلجلة" ويعرفها العالم بأسره، واختبر جرائمها اللبنانيون والفلسطينيون أيضاً.
أما العقيد محمد عبد الأحمد، فقال في تغريدة إن القرار شهادة بخط المجرم أن التعذيب كان مسموحا، والآن منعه الأسد الابن، ليهدد المعذبين الذين يفكرون بتقديم شكاوى.
وقالت المحامية وعد القاضي في منشور لها على فيسبوك أن القانون "مفرغ سلفا من أي قيمة".
وأضافت أن نظام الأسد مستعد لتسليم عشرات، بل مئات المتورطين في جرائم التعذيب، من ضباط وغيرهم، بحجة إساءة استخدام السلطة. "وقد نرى محاكمات كما حصل مع أنور رسلان وإياد غريب ونكون حصلنا على عدالة عمياء وعرجاء".