من أسواق مدينة الرقة السورية وتحضيرات السكان لعيد الفطر- 28 أبريل 2022
من أسواق مدينة الرقة السورية وتحضيرات السكان لعيد الفطر- 28 أبريل 2022

مع اقتراب نهاية رمضان، يتذكر السوريون عادات وتقاليد خاصة بشهر الصيام، متوارثة منذ قرون، لكن الحرب المستمرة منذ نحو 11 سنة، غيّبت الكثير منها هذا العام.

ورغم اندثار الكثير من هذه العادات، إلا أن رمضان بقي في قلوب وعقول الجيل القديم جميلا مشبعا بالذكريات، يسترجعونها بكثير من الحب والبهجة هربا من الواقع الجديد.

كما يسردون قصصا عن عاداتهم وتقاليدهم وطرق الاحتفال ببدء الشهر الفضيل ونهايته، كإحياء العشر الأواخر من رمضان، وليلة القدر، بالإضافة إلى تحضيرات الأسبوع الأخير من رمضان انتظارا لاستقبال عيد الفطر.

"ارفع صوتك" التقتى بمجموعة من السوريين، ليخبروننا عن أجمل ذكرياتهم مع رمضان، في السنوات السابقة للحرب.

 

"أيام بركة وعز"

تقول أم يوسف (70 عاماً)، المقيمة في غازي عنتاب التركية بعد لجوئها من حلب: "كنا ننشغل كثيرا في الأسبوع الأخير من رمضان بالتحضير للعيد، ونتساعد في صنع الكعك والمعمول. كانت أيام بركة وعز، تجتمع العائلات ونسهر حتى الفجر".  

"وفي السابع والعشرين من رمضان أي ليلة القدر، كان الرجال يعتكفون في المساجد للتهجد والعبادة، حتى يحين وقت السحور، فيتناولون الطعام جماعة في المسجد، بينما تتعبد النساء في البيوت، أو يشاركن الاحتفال بليلة القدر في المساجد"، تضيف أم يوسف.

وتتابع: "أما خلال رمضان بشكل عام، فكان رب الأسرة يحضر جميع مستلزمات العائلة وتقوم الأم بتحضير الفطور، كما نتبادل السكبة (أطباق طعام) مع الجيران والأقارب، فرمضان شهر الخير والعمل الإنساني، إذ نقدم المعروف طمعاً بالثواب من الله دون انتظار مقابل من غيره".

وتؤكد أم يوسف أن "الناس كانوا يتسابقون لعمل الخير في رمضان والبحث عن محتاج وفقير لمساعدته، وكانت موائد الرحمن تقام في الأماكن العامة ليقصدها الفقراء والجياع".

وتشير إلى أن الكثير من الفقراء لم يقصدوا هذه الموائد بسبب الحرج،  ما دفع أئمة الجوامع إلى تقديم المساعدات المالية لهم.

ومن مدينة حمص، يتذكر أبو طلال أن والده كان يقف أمام المنزل وقت الإفطار لدعوة أي شخص يمر في الشارع إلى مشاركته إفطاره.

يقول: "هذه عادة قام بها العديد من أهالي مدينته حمص، حيث كان أصحاب المحلات يضعون بجانب دكاكينهم عند أذان المغرب خوابي الماء وطبقاً من الفخار يحوي تمراً ليفطر عليها الصائم الذي يدركه أذان المغرب وهو في الطريق قبل الوصول إلى منزله".

ويضيف أبو طلال أن عائلته المؤلفة من 8 إخوة جميعهم متزوجون، كانت تجتمع كل ليلة على مائدة الإفطار، ولم يكن أحد يتذمر، وكان الجميع يتساعد في تحضير الوجبات.

كما كانت العائلة تجتمع عند والدته خلال الشهر، وتقوم النساء بتحضير كل الأطعمة وإحضارها كي لا ترهق الوالدة بالتحضير لهذا الكم من الأشخاص.

ويتابع أبو طلال: "كانت أمّي تحضّر الحلويات في المنزل مثل المعروك والناعم..لم أتذوق ألذ منها حتى اليوم. لقد كانت أيام بركة وخير، إذ كانت كل صنوف الطعام موجودة على المائدة وصنوف الحلوى والسلطات والحساء، وغالبا ما كنا نقدم سكبة للجيران".

"وقبل البدء نجهز عدة وجبات من أفضل الأطعمة ونرسلها للجامع القريب. كان الأغنياء يجهزون وجبات توزع على أهل الحي، وأحيانا توضع أمام باب منزل المحتاج ويطرق الباب ويرحل من وضع الطعام كي لا يحرج العائلة الفقيرة"، يقول أبو طلال.

ويشعر باختلاف العادات والطقوس عن السابق، في ظل الظروف الصعبة، قائلاً "اليوم هناك من يطرق الأبواب لطلب الطعام أو ينشر على وسائل التواصل طلبا للمساعدة دون جدوى، إذ لم تعد تعرف المحتاج من المدعي والصادق من الكاذب.. تغيرت المشاعر كثيرا وتغيّر الناس".

 

المسحراتي "أبو طبلة"

ومن دمشق، تتذكر داليا الأسعد أيام رمضان بقولها لـ"ارفع صوتك": "كنا نصحو على صوت المسحراتي وندعوه أبو طبلة. كان يأتي ليوقظ الناس يوميا، بعبارات (قوموا ع سحوركم جاي رمضان يزوركم) أو (يا نايم وحد الدايم)، ما يدخل البهجة إلى قلوبنا".

هذا النداء كان إعلان بدء إعداد السحور في بيت داليا، على يد والدتها، تقول: "بينما ننظر نحن من الشرفة ونستمع بفرح. كنا نسكن في نفس الحي مع أعمامي، لذا بعد تناول السحور كنا نذهب جميعاً إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، ونقرأ القرآن أو نستمع إلى علماء الدين وهم يردّون على أسئلة واستفسارات الصائمين الموجودين في المسجد".

 

تعايش بين الطوائف

ريّان من دمشق أيضاً، يعود بذاكرته إلى وقت السحور، موضحاً "كان هناك مدفعان يطلقان قبل السحور بفارق بسيط لضمان استيقاظ الجميع".

ويضيف: "كانت الشوارع والمساجد تتزين مع حلول رمضان، وكانت العائلات تجتمع معاً، كما تبرز مظاهر التعايش بين الطوائف المختلفة، إذ تتقارب ويتشارك أفرادها طعام الإفطار".

"كان لدينا جيران من طوائف مختلفة وكانوا يصومون معنا، أحيانا يوماً أو يومان، وعند وقت الإفطار كنا نتلقى سكبة من تحضيرهم، كما كانوا يرسلون لنا مشروب العرقسوس اللذيذ ويباركون لنا في رمضان ويزوروننا للتهنئة بعيد الفطر، وكنا ندعوهم لمشاركتنا الإفطار لمرة أو مرتين خلال شهر رمضان"، يبيّن ريّان.

 

الأطفال وكسوة العيد

في حديثها معنا، اختارت أم إبراهيم التي لجأت لتركيا بعد الحرب، مشاركتنا أبرز الأمثال الشعبية المرتبطة برمضان، وهو "الثلث الأول من رمضان للمَرَق، والثلث الأوسط للخرق، والثلث الأخير لصر الورق".

ويعني حسب قولها "الناس تهتم بداية رمضان بإعداد أصناف الطعام المختلفة، وفي الثلث الأوسط تهتم بشراء أو خياطة كسوة العيد، وفي الثلث الأخير تنهمك بإعداد حلوى العيد كالمعمول ولفه بالورق".

وفي العشر الأواخر من رمضان، يردّد مثل "رمضان يا أبو الأيام ما ظل فيك غير خمس أيام"، الذي يُقال دلالة على انقضاء الشهر وبقاء خمسة أيام من الثُلث الأخير، حسب أم إبراهيم.

وتزيدنا من الشعر بيتاً في مثل "رمضان يا ابو العيلة ما تم فيك غير هالليلة"، الذي كان يُنطق بفرح على ألسنة الأطفال.

وتوضح: "الليلة الأخيرة الأجمل بالنسبة للأطفال، إذ لا يستطيعون النوم من شدة الحماس بانتظار قدوم العيد، ويضعون الملابس قرب الوسادة جنباً إلى جنب مع الأحذية الجديدة والجوارب وربطات الشعر".

"كنا أحيانا نرتدي ثياب العيد عند الثانية عشرة ليلا، ولا نقوى على الانتظار حتى الصباح، وعندما يحل العيد كانت العائلات تذهب لزيارة أقاربها، ويحمل الأطفال شنطاً (حقائب) صغيرة ليضعوا فيها الحلوى والعيدية (مبلغ مالي يقدم للأطفال يوم العيد)"، تقول أم إبراهيم.

ماذا عن الأكبر سناً؟ تجيب أم إبراهيم: "في اليوم الأول كانوا يقصدون المقابر لزيارة موتاهم وقراءة الفاتحة، ثم تبدأ الزيارات المتبادلة للتهنئة بالعيد. كانت الزيارة دائما تبدأ ببيت الجد وبعدها للعم الأكبر وهكذا، فالأصغر سناً يقوم بزيارة الأكبر وتهنئته".

 

"التكريزة"؟!

هذه كلمة قد يعرفها السوريون فقط، يقول أسعد الشمعة: "كان عندنا عادة اسمها التكريزة، تتم في اليوم السابق لبداية رمضان،، حيث تجتمع العائلات في الحدائق والمنتزهات وتقوم بتحضير وجبات ضخمة وتناولها سويا قبل الصوم".

ويشير إلى عادة دمشقية أخرى، وهي السلال الرمضانية، التي تحوي أنواعا مختلفة من الحبوب والسكر والزيوت والسمنة والمربيات وغيرها، يشتريها الناس للتصدق على العائلات المحتاجة.

ويضيف أسعد أن "الأسواق وخاصة حي الميدان الشهير وسط العاصمة دمشق، كانت تشهد حركة تجارية كبيرة وترتفع مبيعات كل الأصناف سواء غذائية أو ملابس أو حلوى وهدايا وذهب، وتكثر أعمال الخير وصلة الرحم ويتصالح المتخاصمون ويزداد الإحسان للفقراء والمساكين".

ومقارنة مع الحال اليوم، يخبرنا أسعد "اختفت العادات بيننا، وأصبحت للأغنياء حصراً".

وعودةً إلى المسحراتي، يبيّن أسعد أن لكل حارة مسحراتي خاص بها وينادي على الأشخاص بأسمائهم، مثلاً "اصحى يا نايم، اصحى يا عمر، اصحى يا أبو محمد"، ما يجلب البهجة.

وعند انتهاء رمضان كان أهل الحارة يقومون بتقديم مبلغ من المال كإكرامية للمسحراتي كل حسب رغبته واستطاعته، وفق أسعد.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".