طبيب سوري أثناء فحص مختبري يتعلق بفيروس كورونا في إدلب- صورة تعبيرية
طبيب سوري أثناء فحص مختبري يتعلق بفيروس كورونا في إدلب- صورة تعبيرية

بعد ممارستهم لمهنة الطب بأربع سنوات، كشف نقيب أطباء ريف دمشق خالد موسى، عن ضبط عدة حالات لأشخاص يعملون في مهنة الطب دون شهادة، وتم تحويلهم إلى القضاء.

وأوضح موسى في حديثه مع إذاعة "شام إف إم" المحلية، أن "الحالات التي تم ضبطها ثلاث، إحداها لشخص عراقي في منطقة جرمانا، وآخر على طريق المطار، والثالثة في مدينة قطنا لفيزيائي يمارس المعالجة دون شهادة.

وذكر  أن عدد الأطباء المسجلين في ريف دمشق 2568 طبيباً، 50% منهم طبيب عام، مشيراً إلى النقص الشديد بالأطباء المتخصصين، وخاصة جراحة الأوعية والكلى والقلب.

ولفت موسى إلى أن هجرة الأطباء مستمرة، ولكن لا توجد إحصائية دقيقة حول ذلك، علماً أن التسهيلات الأخيرة بتحديد سنوات الخدمة الإلزامية ساهمت بالتحاق عدد كبير من الأطباء الخريجين بالخدمة.

تعليقاً على ذلك، يقول الطبيب السوري الجراح أحمد الخلف، المقيم في تركيا، إن هناك عدداً كبيراً من السوريين امتهنوا الطب أثناء حصار بعض المدن، لندرة الأطباء وللحاجة الماسة للعلاج بسبب إغلاق جميع الطرق.

"كما أن هناك أشخاصاً كانوا أتموا عدة سنوات في جامعتهم، لكنهم لم يستطيعوا استكمال دراستهم في الطب لهذا تحتّم عليهم العمل بالمهنة، والبعض الآخر تدرّب على يد أطباء موجودين في المدن المحاصرة آنذاك"، يتابع الخلف.

ويشير  إلى أن الوضع اختلف الآن بشكل كلي، وأن من يزاولون المهنة الآن ليس لديهم أي مبرر للعمل بها، خاصة من لم يدرسوا سابقاً أبداً في الجامعات.

ويتساءل الخلف: "هناك أشخاص معهم شهادة ثانوية فقط، كيف يسمح لهم ضميرهم بذلك؟!".

ويلجأ السوريون إلى الأطباء في ريف دمشق كونهم يطلبون تسعيرة أقل بكثير من الأطباء في العاصمة دمشق.

وبسبب هجرة الأطباء الكبيرة التي حصلت منذ بداية الحرب في سوريا، عمل عدد كبير من الأشخاص بمزاولة مهنة الطب بعد تعلمها عن طريق أصدقائهم الأطباء، كما عمل آخرون بالطب العربي، ومزاولته كمهنة، وأطلقوا على أنفسهم لقب أطباء.

من جهته، يقول المواطن السوري في ريف دمشق أحمد بارودي، إنه يعلم هو ومعظم الناس في المدينة بوجود هؤلاء الأطباء، لكنهم يضطرون للذهاب إليهم في بعض الأحيان كون تعرفتهم قليلة جدا مقارنة بأطباء دمشق الذين يمكن أن تصل كشفيتهم لـ50 ألف ليرة سورية".

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "ندفع هنا فقط 10 آلاف ليرة، وفي المقابل لا نزور هؤلاء الأطباء في حال كان مرضنا خطيراً جداً، فمعظمهم من أطباء الأسنان والأطفال والداخلية، ومن المؤكد أنه لا يمكن أن يكون هناك شخص امتهن طب التخدير أو الجراحة دون شهادة".

وبشكل عام، تعاني المشافي في سوريا نقصاً في الكوادر الطبية، إذ تناقص عدد الأطباء تدريجياً منذ عام 2011، من 32 ألفاً إلى 20 ألفاً عام 2021.

ومع بداية 2022 شهد مشفى التوليد في دمشق توقفاً عن قبول الحالات المرضية الإسعافية، نتيجة نقص أطباء التخدير.

وأفاد موقع "سماعة حكيم" المحلي، أنه لا يوجد سوى طبيب تخدير وحيد في المشفى، كما لا يوجد أي طالب دراسات عليا متخصص، ويقتصر الأمر على وجود طلاب السنتين الأولى والثانية. 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".