رغم رسائل التطمين التي تضمنها حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب ترأسه اجتماع الحكومة في المجمع الرئاسي بأنقرة مؤخراً، لا يزال القلق والخوف يسيطران على اللاجئين السوريين من احتمال ترحيلهم تحت بند "العودة الطوعية".
ويدعو أردوغان لإعادة مليون سوري إلى "المنطقة الآمنة" في الشمال السوري، حسبما ورد في خطته المطروحة أوائل الشهر الجاري.
وقال أردوغان في كلمته إن عودة السوريين "ستكون طوعية، ولن يُجبر أحد على العودة، ولن نلقي أحدا منهم بيد من هجرهم وقتلهم".
وأكد أن العمل جارٍ على إنشاء 200 ألف وحدة سكنية في 13 منطقة شمال سوريا بتمويل من المنظمات الإغاثية الدولية في مشروع سكني وخدمي كامل، وسيوفر كل الاحتياجات اللازمة للعيش الكريم.
ومن المناطق المشمولة في الخطة: إعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين.
مخاوف اللاجئين
من جهته، يقول محمود، وهو لاجئ سوري من مدينة حمص يقيم في إسطنبول، إن الأوضاع في تركيا "أصبحت سيئة من الناحية الاقتصادية، فالرواتب قليلة والإيجارات عالية والمعيشة صعبة والتعامل من بعض الأتراك العنصريين مع السوريين أصبح سيئا".
"بالتالي أنا مع العودة إذا كانت وفق حوافز وتشجيع وتأمين عمل، أو مقابل مادي لتأسيس عمل خاص، مع وجود منازل مخدمة"، يؤكد محمود لـ"ارفع صوتك".
ويرى أن عودة مليون لاجئ إلى الشمال السوري تحت قيادة تركية "خطوة مقبولة وتبقى أفضل من العيش تحت الحكم الإيراني والروسي والنظام والجولاني"، حسب تعبيره.
ويتابع: "الناس تعبت من حياة اللجوء، وإن عدنا إلى بلادنا أفضل ألف مرة من التعرض للإهانة والتهديد بالطرد كل يوم".
وإزاء ذلك، يتساءل أيمن "من يضمن أمن هؤلاء (العائدين) ومن يضمن عدم قصفهم أو التعرض لهم".
وأيمن الذي تهجر من ريف دمشق ويعيش في إسطنبول أيضاً، يخاف من تكرار سيناريو البوسنة في سوريا.
يوضح لـ"ارفع صوتك": "في الماضي أعلنت الأمم المتحدة عدة مناطق آمنة في البوسنة، ووضعت كتيبة هولندية لحمايتها، فهاجم الصرب المدينة، وارتكبوا مذبحة راح ضحيتها حوالي 8000 شخص من دون أن تتدخل الكتيبة الهولندية".
ويرى أيمن أن السوريين "تعبوا نفسيا بسبب هذا الخطاب والغالبية غير مستعدة للعودة، ومخاوفها مبررة".
"العصا والجزرة"
يحيى الخلف، لاجئ من دير الزور ويقيم في غازي عنتاب، هو أيضا "قلق وغير مطمئن" لخطة أردوغان.
يقول لـ"ارفع صوتك": "الحكومة والمعارضة تستعملان سياسة العصا والجزرة مع اللاجئ السوري، إذ تضغط المعارضة بينما تقدم الحكومة الحوافز والتشجيع، كذلك تضغط إدارة الهجرة عبر التدقيق على العناوين وعدم تجديد الإقامات والتهديد بالترحيل، إضافة إلى صعوبة تأمين المسكن ورفع الإيجارات".
"وهذا كله يسبب لنا دمارا نفسيا، بالتالي لا يجد اللاجئ أمامه إلا القبول بالعودة المسماة طوعية"، يضيف أيمن.
تتفق معه أم يوسف بقولها "تعبنا نفسيا ونعيش على أعصابنا".
وتوضح أم يوسف التي تدير مطعما صغيرا في غازي عنتاب: "لا نرغب بالتهجير مرة جديدة، ونتمنى أن تكون العودة لبيوتنا وأرضنا، فنحن عانينا كثيرا حتى استقرينا هنا، وأسسنا عملا ومورد رزق، فهل سنعود إلى منطقة جديدة ليست منطقتنا وبيتا ليس بيتنا الحقيقي لنبدأ من الصفر".
وتؤكد وصول رسالة إلى هاتفها تتضمن الدعوة إلى مراجعة إدارة الهجرة تمهيدا للعودة، مضيفةً "لم أنم الليل من خوفي حتى تبيّن لي في اليوم التالي أنها مزيفة".
وكانت رسالة تم تداولها على نطاق واسع بين السوريين في تركيا، تطلب منهم مراجعة إدارة الهجرة لتسوية الأوضاع قبل الترحيل إلى الشمال السوري، نفت صحتها لاحقا إدارة الهجرة التركية.
مواقع التواصل
وفي مواقع التواصل، تم تداول الأخبار بين السوريين بشيء من الرفض والخوف.
ومن بين المعلقين، الكاتب والصحافي محي الدين اللاذقاني، الذي قال في منشور على فيسبوك، إن "ترحيل السوريون أصبح خطابا علنيا للمعارضة وخفيا للحكومة بسبب الانتخابات".
وفي تغريدته على تويتر، كتب الصحافي ماجد شمعة "الجميع يريد العودة الطوعية، ولكن إلى بيته وبلدته وحارته، فالحدود التركية ليست أرضه والبيت مسبق الصنع ليس بيته".
فيما أثنى المحامي ضرار خلاف على تصريح الرئيس التركي مبينا أن العودة ستكون "بحوافز تشجيعية".
واعتبرت الصحافية يمان عموري، أن الغاية من تصريحات المسؤولين "تهديد السوريين بالعودة الطوعية ولتمرير فكرة للعالم بخروج أزمة اللاجئين السوريين عن السيطرة".