سوريا

ماذا بعد استثناءات قانون قيصر في سوريا.. ومن المستفيد؟

محمد ناموس
20 مايو 2022

بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتعافي المبكر، أعلنت الحكومة الأميركية خلال مايو الجاري، عن المناطق المستثناة من عقوبات قانون قيصر في شمال شرق وغرب سوريا. 

وجاء ذلك في بيان رسمي صادر عن وزارة الخزانة الأميركية، وأعلنت بموجبه جميع القطاعات التي تم السماح للأجانب بالاستثمار فيها، وأطلقت عليها اسم "الرخصة السورية العامة رقم 22". 

وشملت القطاعات المستثناة 12 قطاعاً، من ضمنها الزراعة والبناء والاتصالات والبنية التحتية والنقل والتخزين والتمويل والتعليم والتصنيع والتجارة، في عدد من المناطق شمال شرق سوريا وغربها، فيما لم تشمل مناطق إدلب وعفرين. 

كما تم السماح بشراء المنتجات النفطية ذات المنشأ السوري، إلا أن الاستثناء لا يزال يحظر استيراد المنتجات النفطية والنفط إلى الولايات المتحدة. 

وأشارت الخزانة إلى أن هذا الترخيص لا يسمح بأي تعاملات تشارك فيها حكومة النظام السوري، أو أي شخص مقرب منها. 

 

"امتياز" للشركات الأجنبية 

تعقيباً على ما سبق، يقول الباحث والمتخصص في الشؤون الاقتصادية يونس كريم، لـ"ارفع صوتك"، إن هذا القرار سيساعد المنظمات الدولية والمحلية والشركات بالتعامل في الشأن السوري.

"إلا أنه سيبقى منوطا بعدة إجراءات وشروط، وهي أن تقبل الدول المجاورة بعمل هذه المؤسسات والمنظمات"، يضيف كريم. 

ويتابع: "على سبيل المثال تركيا تمنع عمل بعض المنظمات في شمال شرق سوريا، وتحدد عمل البعض في شمال غرب سوريا، وكذلك الأمر لبنان والأردن. من ناحية أخرى، ستستفيد تركيا من هذا الاستثناء من خلال تنفيذ مشروعها لإعادة اللاجئين إلى المناطق هذه، رغم تعبيرها عن رفضه، لكنها بالفعل ستستفيد بشكل كبير". 

ويرى كريم أن الشركات الأجنبية "ستقبل للاستفادة من هذا الاستثناء، من أجل تنفيذ عقود قديمة لها في المنطقة، وتحقق امتيازات على المدى الطويل". 

ويبيّن أن قرار الخزانة الأميركية "مرتبط بطبيعة سياسية للمناطق المستثناة، على سبيل المثال في غرب الفرات يَمنع الأتراك تصدير البضاعة والسلع وإقامة المعامل، ومن ناحية أخرى في شمال شرق سوريا أيضا كذلك رغم أنها أكثر المناطق استقرارا، لا يوجد حتى الآن أي حركة رؤوس أموال من دمشق إلى القامشلي". 

في نفس الوقت، يقول كريم إن "هناك الكثير من الشركات العالمية، من دول مثل بلجيكا وألمانيا وفرنسا وإسرائيل، وقعت عقودا مع الإدارة الذاتية وتريد أن تحمي نفسها من أي عقبات، لأنها الآن تريد أن تثبت تواجدها في هذه المنطقة تحسباً لأي حل سياسي أو تصعيد عسكري نتيجة وضع روسيا وإيران". 

"وعلى المستوى الكلي والمستوى الاقتصادي لا أعتقد أن هناك تغيير كبير لأسباب، منها: أولا الفساد السياسي، وثانياً أن مراكز المدن مستثناة من هذا الاستثناء، مثل مركز مدينة القامشلي ودير الزور والحسكة التي يتواجد فيها النظام، وكذلك إدلب وعفرين، وهذه المراكز تضم أكبر تجمعات سكنية"، يوضح كريم.

اجتماع لرئيس النظام السوري بشار الأسد مع من الوزراء في حكومته
الشخصيات والشركات التي عاقبها قانون قيصر
فقد شملت العقوبات شقيقة بشار الأسد "بشرى" وكذلك أخيه قائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد وزوجته منال الأسد. بالإضافة لمدير مكتب الفرقة الرابعة غسان بلال، ولواء فاطميون التابع لإيران والمتواجد في سوريا. كما فرضت عقوبات على محافظ مدينة دمشق، عادل العلبي

 

"لا وجود لإدارة مدنية" 

يتابع الباحث الاقتصادي حديثه لـ"ارفع صوتك"، قائلاً "لا وجود لإدارة مدنية حقيقية حتى الآن في الشمال السوري، سواء في غرب الفرات أو شرقه، فالإدارات المدنية الموجودة الآن هي إدارات شكلية، تجمّل الإدارات العسكرية لكسب الود، بالتالي لا يمكن التعويل على الإدارات المدنية لإصدار أية قوانين".

 ويقول كريم إن "الكلام حول مجتمع مدني أو حكومة مدنية في هذه المناطق غير واقعي، فهذه الإدارات تفشل في كثير من القضايا لأنها خاضعة لسيطرة العسكر وعدم وجود قانون يحميها، نتيجة ارتباطها بجهات مختلفة".

"على سبيل المثال رغم دعم تركيا للإدارة المدنية، إلا أن الكلمة الأقوى هي للعسكر، كما أن هذه الإدارات أثبتت فشلها رغم حجم الأموال الكبيرة التي تأتي إليها"، حسب وصف كريم.

وعمّا سيجنيه رجال الأعمال في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، من استثناء الخزانة الأميركية، يقول كريم إنهم "لن يستطيعوا استغلاله لصالحهم".

ويؤكد: "لا أعتقد أن رجال الأعمال الموجودين في مناطق النظام سيستفيدون عبر نقل أعمالهم إلى المناطق المستثناة، لأن نقل بنية الأعمال يحتاج إلى توفر بنية تحتية وكم كبير من الأموال".

"وكذلك لا يوجد معامل في هذه المناطق جاهزة لاستقبال أعمالهم، أضف إلى ذلك الموارد البشرية، وكذلك أيضا هناك بعض التحالفات بين قوات الإدارة الذاتية والنظام السوري، وفي حال حدوث أي عملية نقل للأنشطة لرجال الأعمال الموجودين في مناطق النظام سيتسبب بإثارة غضب دمشق، بالتالي قد يتطور الأمر إلى مشاكل أكبر بين الطرفين"، يتابع كريم.

الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء
قانون قيصر يدخل حيز التنفيذ.. وهذه تفاصيله
الهدف إجبار الأسد على الموافقة على القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن عام 2015 والذي يدعو إلى وقف إطلاق النار وإجراء انتخابات وتحقيق انتقال سياسي في سوريا، وجاءت تصريحات بومبيو في إطار إعلانه دخول "قانون قيصر" الذي يفرض عقوبات على أي شركات تتعامل مع الأسد، حيّز التنفيذ

 

دعم جهود الاستقرار 

وفي إحاطة خاصة جرت في 13 مايو الجاري، مع نائب مساعد وزير الخارجية لسوريا إيثان غولدريتش، أشار إلى أن الاستثناء أتى "بغية تحسين الظروف الاقتصادية في المناطق الغير خاضعة لسيطرة النظام السوري".

وأكد أن هذه الاستثناءات "لن تلغي العقوبات المفروضة على نظام الأسد، ولن تسمح بأي تعاملات معه". 

وقال غولدريتش، إن الاستثناء "عبارة عن ترخيص عام للشركات المهتمة بالاستثمار في المناطق وقطاعات الاقتصاد التي حددها الترخيص". 

وكانت الولايات المتحدة الأميركية أقرت قانون قيصر عام 2019، ودخل حيز التنفيذ في حزيران 2020.

وشمل قانون العقوبات عددا كبيرا من الكيانات والأشخاص الداعمين لنظام الأسد وروسيا وإيران، وتضمن عقوبات على المؤسسات والكيانات التي تسهّل العمليات والتحويلات المالية للمؤسسات المدرجة في قائمة العقوبات. 

كما شمل عقوبات على الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء الأسد. 

محمد ناموس

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.