صورة أرشيفية لجندي سوري- فرانس برس
صورة أرشيفية لجندي سوري- فرانس برس

يحلم أحمد (25 عاما) اللاجئ السوري المقيم في إسطنبول بالعودة إلى سوريا لزيارة منزله ورؤية والدته وجدته المريضة، لكن شبح التجنيد الإجباري يلاحقه ويمنعه من العودة إلى البلاد.  

يقول أحمد لـ"ارفع صوتك"، إنه لم يشارك في أية أعمال قتالية، إذ خرج من سوريا عام 2015 بعد إتمامه عامه الثامن عشر، تجنباً لسوقه إلى التجنيد الإجباري. 

ويوضح: "لم أكن أستطيع التسجيل للدراسة، وكنت أعمل لمساعدة عائلتي، وبعد بلوغي سن التكليف، تدبرت أمر خروجي من البلاد كي لا أساق إلى جبهات القتال".  

ويؤكد أحمد أن العديد من أصدقائه اختاروا "خدمة العلم" بعد انتهائهم من مرحلة البكالوريا (الثانوية العامة)، وانضموا قبل دخولهم الجامعة إلى شعب التجنيد الإجباري، على أن يتم تسريحهم بعد سنتين ليستكملوا دراستهم الجامعية ويبدأوا بالعمل.

ولكن تم تسريحهم بعد أكثر من خمس سنوات، وهناك من لم يتم تسريحه حتى اليوم، بسبب الحرب في سوريا، حسب أحمد.

ويتابع "لقد قضي على مستقبلهم وطموحهم بإكمال الدراسة وتدمرت حياتهم بالفعل". 

وتفرض الحكومة السورية على الشباب الذكور البالغين 18عاماً وما فوق في مناطق سيطرتها، خدمة عسكرية إلزامية تسميها خدمة العلم، تبلغ مدتها الاعتيادية عاماً ونصف العام، لكنها قد تستمر لأجل غير معلوم. 

ويعتبر التهرّب من التجنيد الإلزاميِ أحد الأسباب الرئيسة لفرار الشباب الذين يزيد سنهم عن 18 عاماً من سوريا، وأيضاً أحد الأسباب الرئيسة لعدم تمكّنهم من العودة دون دفع غرامة مالية تعرف بـ"بدل إعفاء".

يقول أحمد: "أعمل براتب قدره 600 دولار شهريا، أرسل 200 دولار منها لأمي وجدّتي، وما تبقى لمصاريفي وإيجار المنزل والفواتير، لذا من الصعب عليّ تأمين بدل الإعفاء وقدرخ 8000 دولار".

وبالنسبة له، فإن هذه الغرامات بمثابة "نهب" للسوريين المقيمين في الخارج، بهدف "رفد خزينة الدولة بالعملة الصعبة".

ووفق المرسوم التشريعي الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد عام 2020، وحدد أحكام ومبالغ البدل النقدي للمكلفين بالخدمة الإلزامية، داخل البلاد وخارجها، أصبح يحق للمكلف المقيم خارج سوريا دفع بدل نقدي يقدر بـ7000 دولار أميركي لمن كانت إقامته لا تقل عن أربع سنوات قبل أو بعد دخوله سن التكليف، داخل بلد الاغتراب.

ويدفع 8000 دولار من كان مقيماً مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولم يتم أربع سنوات، قبل أو بعد دخوله سن التكليف. 

أما من كان مقيماً مدة لا تقل عن سنتين ولم يتم ثلاث سنوات قبل أو بعد دخوله سن التكليف، يجب أن يدفع 9000 دولار، بينما يدفع 10 آلاف دولار من كان مقيماً مدة لا تقل عن سنة واحدة، ولم يتم سنتين قبل أو بعد دخوله سن التكليف. 

 

"مغامرة مخيفة"

يدفع الشبان السوريين ممن هم في سن التكليف أو من اقترب من سن التكليف أموالا باهظة لشبكات التهريب لتأمين خروجهم من سوريا، ويقوم الكثير منهم بالعمل لجمع المبلغ المطلوب للحصول على الإعفاء من التجنيد حتى يتمكنوا من العودة. 

يقول يوسف شندي لـ"ارفع صوتك"، إنه دفع ألفي دولار لشبكة تهريب من أجل تأمين خروجه من سوريا إلى ليبيا ومنها إلى مصر، هرباً من التجنيد.

"قمت بالتأجيل لاستكمال الدراسة، وعند تخرجي، لم أكن أخرج من المنزل إلا نادرا، خشية إلقاء القبض علي، أو الإبلاغ عني لشعبة التجنيد. كنت أختبئ عند رؤيتي شرطياً، ولم أخرج من الحي الذي أقطن فيه طوال ستة أشهر، حتى حان موعد هروبي"، يبيّن يوسف. 

ويصف عملية هروبه بـ"المغامرة المخيفة"، إذ تنتشر نقاط التفتيش في جميع أنحاء المدينة، وتقوم الشرطة بفحص هويات الشبان للتحقق من أنهم غير مطلوبين للخدمة العسكرية.

كما يتم تعميم أسماء المتخلفين عن التجنيد على أجهزة الشرطة، ويتم اقتياد من يلقى القبض عليه إلى مركز التجمع المعتمد في المدينة، حتى يُفرزوا لاحقاً في النقاط العسكرية.  

يقول يوسف: "الخدمة الإجبارية مأساة حقيقية بالنسبة للشباب السوريين، فلا قوانين أو إجراءات تحدد مدتها، التي لا يتم الالتزام بها غالباً".

ويضرب مثلاً خاله، الذي استدعي للخدمة الإلزامية عام 2011، ولم يسرّح حتى الآن، كما أمضى صديقه سبع سنوات فيها قبل أن يتم تسريحه.

وحسب تقرير نشره موقع "المونيتور"، بعنوان "السوريون يتفادون التجنيد"، بات التهرب من الخدمة الإلزامية منتشرا على نطاق واسع، حتى بين داعمي  الحكومة السورية. 

وأفاد أن السوريين يفرون من الخدمة لتأمين مستقبلهم ولتأمين الغرامة الحكومية.

وفي تقرير آخر لصحيفة الغارديان البريطانية نشر في سبتمبر 2021، ورد أن خُمس سكان سوريا البالغ عددهم 17 مليون نسمة، من الرجال في سن الخدمة العسكرية، وتتراوح أعمارهم بين 18 و42 عاما، وفقا لبيانات البنك الدولي.

وأضاف أن الحكومة السورية استفادت من قلق وخوف المواطنين لزيادة إيراداتها بالعملة الصعبة التي جمعتها من حوالي مليون سوري استقروا في أوروبا، للمساعدة في دعم ميزانيتها المتعثرة. 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".