من موسم حصاد القمح في سوريا في شهر (20-5-2022)/ فرانس برس
من موسم حصاد القمح في سوريا في شهر (20-5-2022)، فرانس برس

يشتد التنافس على الفوز بمحصول القمح هذا العام، بين النظام السوري والإدارة الذاتية العاملة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرقي سوريا.

ويقوم كلا الطرفين بتقديم عروض للمزارعين، إلا أنه ليس لصالح المزارعين كما يبدو الأمر، إذ يصل حد التهديد بوقف الدعم عنهم أو إجبارهم على توقيع تعهد ببيع محاصيلهم من القمح والشعير مقابل الحصول على مادة المازوت لتشغيل آبارهم للري. 

وتعاني سوريا من نقص كبير في إنتاج القمح نتيجة الجفاف، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية، ودمار البنية التحتية، وتلف الأراضي الزراعية بعد عقد من الصراع. 

كما أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى رفع أسعار القمح عالمياً بما يفوق نسبة 70%، وتوقف العديد من البلدان عن تصدير القمح.

هذه كلها، عوامل زادت من حاجة سوريا إلى القمح وتصاعد الصراع بين الإدارتين الحاكمتين في سوريا.

 

عروض "غير مغرية"

يقول روبار وهو مزارع خمسيني يقيم في الحسكة، لـ"ارفع صوتك"، إن عروضا عديدة قدمت للمزارعين لشراء القمح، إذ رفع السلطات التابعة للنظام سعر الكيلو إلى 1700 ليرة مع مكافأة قدرها 300 ليرة للكيلو في حال بيعه له، أي بمجمل 2000 ليرة، وهو يزيد بـ 500 ليرة عن عرض العام الفائت.

وهذا دفع الإدارة الذاتية إلى رفع عرضها لشراء الكيلو بـ 2200 ليرة. ونشرت  الأسبوع الماضي في صفحتها على فيسبوك، تسعيرة شراء القمح والشعير هذا العام، لتبلغ 2200 ليرة للقمح و1600 ليرة للشعير.

كما أفادت صفحة الاتحاد العام للفلاحين أن النظام رفع سعر الكيلو من 1500 إلى 1700 مع مكافأة قدرها 300 ليرة عن كل كيلو يتم تسليمه من الفلاحين في المناطق الآمنة، و400 ليرة لكل كيلو من القمح الوارد من الفلاحين في المناطق غير الآمنة. 

يقول روبار إن "العرضين غير مغريين له، ويجب أن يكون السعر أعلى من ذلك، وألا يقل عن ثلاثة آلاف ليرة لتغطية التكاليف".

"إذ ينفق المزارع كثيرا من المال على الري والسماد ورش المبيدات، إضافة إلى أجور الفلاحة والحصاد والنقل، كذلك كلفة المازوت المستخدمة لسحب المياه من الآبار"، يوضح روبار.

ويتابع: "مع ذلك، سأسلم جزءاً من المحصول للإدارة الذاتية، كي لا يتم حرماني من مخصصات المازوت، لأنني وقعتُ على تعهد بالتسليم، كما أن السعر المقدم أفضل".

أما المتبقي سيبيعه روبار لأحد التجار المتنفذين في الشمال السوري، ليقوم بتصريفه لمن يدفع السعر الأعلى دون أن يهتم إن كان تابعا للنظام أو غيره. 

من جهته، يقول خليل وهو مزارع في ريف الحسكة، إن محصوله "سيذهب إلى الإدارة الذاتية، بسبب الحاجة الكبيرة لمادة المازوت التي تمنحها لجان المحروقات في المنطقة مقابل توقيع تعهد بتسليم المحصول، ومن دونها لم يكن ليتمكن من تشغيل البئر لري المحاصيل". 

ويبيّن لـ"ارفع صوتك": "بعد توقيعي التعهد استلمت مخصصاتي.. الأزمة عالمية، وإنتاج القمح لا يكفي مناطق الإدارة الذاتية، فمن الطبيعي أن تحتفظ بالقمح وتمنع بيعه للنظام، كي لا تضطر للشراء بأسعار مرتفعة وبجودة أدنى".
 

"أما السعر المطروح فهو غير عادل، لذا أتفهم امتناع بعض المزارعين عن بيع محاصيلهم للنظام أو الإدارة الذاتية"، يضيف خليل.

ويؤكد "لا يهم من يشتري المحصول. المهم ألا نبيع بخسارة". 

وقرر خليل ألا يزرع أرضه قمحاً العام المقبل "إلا في حال تأمين حوافز ودعم للمزارعين لخفض التكاليف". 

 

"طوق نجاة" 

في نفس السياق، يقول الخبير الاقتصادي يونس كريم لـ"ارفع صوتك"، إن قمح الإدارة الذاتية "مهم للنظام السوري، إذ يُعتبر بمثابة طوق نجاة له، يمكّنه من المناورة ريثما يحصل على كميات القمح من دول العالم". 

ويعزو ذلك لأسباب عديدة، منها "عدم قدرة النظام على دفع ثمن القمح، نتيجة ارتفاع سعره بسبب الحرب في أوكرانيا، ونتيجة العقوبات الدولية المفروضة عليه، كما أن الحرب الأوكرانية الروسية حرمت العالم من مصادر القمح الرخيصة، وأصبح هناك تشديد دولي بما يخص تصدير القمح، إضافة إلى عدم رغبة أي دولة بالتعامل مع النظام السوري". 

ويؤكد كريم "صعوبة حصول التجار على القمح من البلدان المجاورة التي تعاني من نقص في المحصول أيضا" وهو ما جعل القمح في مناطق الجزيرة السورية "مهماً جداً بالنسبة للنظام خاصة أنه رخيص، مقارنة بالقمح المستورد". 

ويتابع قوله: "هناك حرب حول القمح اليوم، فالإدارة الذاتية عمدت إلى منح المازوت للفلاحين مقابل تقديم تعهد خطي ببيع القمح لها، وهذا حرم النظام من المحصول، كما هددت الإدارة الفلاحين الذين سيبيعون القمح للنظام وفعل النظام الشيء نفسه".

"ونتيجة لذلك، عمد الفلاحون لبيع قمحهم إلى أمراء حرب يشترونه ويبيعونه لمن يدفع السعر الأعلى سواء كان للنظام أو للإدارة الذاتية"، وفق كريم.  

ويتوقع أن "تمنح الإدارة الذاتية، حكومة النظام جزءاً من محصول القمح، نتيجة لبعض التوافقات السياسية بين الطرفين، مقابل الحصول على تنازلات سياسية من النظام". 

أما روسيا فلن تمنح القمح للنظام لأنها مشغولة بحربها في أوكرانيا، وهي بحاجة للأموال، كما يقول كريم.

وعن شحنة القمح المسروق من أوكرانيا، يوضح كريم، أنها "شحنة بسيطة وقديمة، ولا يمكنها تغطية احتياجات البلاد، كونها قرابة ثلاثين ألف طن فقط، ولا تكفي شيئا من احتياجات سوريا، ولكن مجرد الحديث عنها كان لتسليط الضوء على أن الروس بدأوا بسرقة محاصيل القمح لا أكثر". 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".