مزارعون سوريون أثناء إعداد "الفريكة".. ارفع صوتك
مزارعون سوريون أثناء إعداد "الفريكة".. ارفع صوتك

كل عام في موسم حصاد القمح،  يقوم المزارعون في إدلب شمال سوريا، بحرق جزء من محصولهم، كخطوة أولى في تحضير "الفريكة".

يقول إياد أبو الجود، وهو من أهالي مدينة إدلب، إن "الفريكة" بالنسبة لأهالي منطقته "مهمة باعتبارها موروثاً تاريخياً وشعبياً، تتوارثه الأجيال".

ويشرح عنها لـ"ارفع صوتك": "الفريكة عبارة عن حنطة يتم حرقها وهي خضراء، بعد ذلك تتعرض للشمس حتى تيبس، ويتم جرشها سواء بالجاروش اليدوي أو الآلي".

"الفريكة" أيضاً تُطلق على الوجبة المعدّة منها، سواء كانت على شكل حساء أو كبديل للأرز.

يقول إياد إنها "هي وجبة رئيسة، خاصة في الولائم والدعوات والمطاعم،  تتميز عن الأرز والبرغل بنكهتها، وسعرها أعلى من كليهما".

ويشير إلى أن المزارع سابقاً كان يترك نصف دونم من القمح ليحضّر منه "الفريكة" مؤونة لعام كامل.

وكغيرها من الإنتاجات المحلية، تأثرت بحالة الحرب والنزوح، خصوصاً بعد اشتداد أزمة القمح، يضرب إياد مثلاً "أي مطعم نقوم بتوصيته على منسف، يسألنا إذا كنا نريد الفريكة أو الأرز أو البرغل، والفريكة تساوي ضعف سعر الأرز".

 

مصدر رزق

ولا يقتصر استثمار "الفريكة" على الاستخدام المنزلي والتموين، إذ يقوم بعض المزارعين بإعدادها لبيعها في الأسواق المحلية أو تصديرها للخارج، بأسعار جيدة جدا بالنسبة لهم.

كما يستفيد منها العاملون في ماكينة الجرش التي تقوم بتنظيف محصول القمح الأخضر بعد حرقه، وتفرزه عن باقي المحصول، ليتم بيعه نظيفاً.

وينتظر الكثير من الأهالي موسم حصاد القمح، من أجل العمل في إنتاج "الفريكة" الذي يستمر قرابة شهر، ويشارك فيه الشباب والنساء والأطفال.

أحمد، العامل في ماكينة الجرش، يوضح لـ"ارفع صوتك": "لم أعد أعتمد على هذه المهنة كمصدر رزق رئيس، نتيجة الظروف الاقتصادية التي تعاني منها سوريا بشكل عام، ونتيجة انخفاض رواتب العاملين في هذا النوع من المهن".

ويقول "أنا أتعب كثيرا في العمل، مقابل أجرة سيئة جداً، إذ لا تكفيني أكثر من شهرين أو ثلاثة، أما في السابق، كنا ننتظر هذا الموسم باليوم، وكانت الأجرة تكفيني للعيش أكثر من نصف عام".

"كما كانت كميات القمح التي أقوم بجرشها أكبر بكثير من الآن" يتابع أحمد.

وتعاني سوريا من نقص كبير في إنتاج القمح نتيجة الجفاف، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية، ودمار البنية التحتية، وتلف الأراضي الزراعية بعد عقد من الحرب. 

 

الصراع على القمح

وفي هذا العام، يشهد محصول القمح صراعاً اقتصادياً بين النظام السوري وقوات الإدارة الذاتية.

ويقوم الطرفان بتقديم عروض للمزارعين، إلا أنه ليس لصالح المزارعين كما يبدو الأمر، إذ يصل حد التهديد بوقف الدعم عنهم أو إجبارهم على توقيع تعهد ببيع محاصيلهم من القمح والشعير مقابل الحصول على مادة المازوت لتشغيل آبارهم للري. 

ونتيجة لهذا الصراع، انخفضت نسب محاصيل القمح التي كانت تصل لمدينة إدلب وريفها عن كل عام بشكل كبير، ما جعل الأهالي يترددون في الاستثمار في محاصيل أخرى يتم استخراجها من القمح، كـ"الفريكة" والبرغل وغيرها، وأصبح القمح في بعض الأماكن يستخدم فقط لإنتاج الخبز.

وحسب تقريرللأمم المتحدة صدر في فبراير الماضي، احتلت سوريا المرتبة الأولى من بين الدول العشر الأكثر انعداماً للأمن الغذائي على مستوى العالم لعام 2022.

 

صور خاصة بـ"ارفع صوتك" من إدلب:

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".