"واحد بين كل ثلاثة أطفال دون سن الخامسة يعاني من التقزم"- الصورة من تقرير اليونيسف
"واحد بين كل ثلاثة أطفال دون سن الخامسة يعاني من التقزم"- الصورة من تقرير اليونيسف

يعاني الطفل السوري أمجد (9 أعوام) من نقص حاد في النمو. وكانت أمه نزحت من ريف حلب إلى مدينة معرة مصرين في ريف إدلب، هرباً من القصف والقتال.

تقول الأم العشرينية التي تحفظت على ذكر اسمها، إن ظروف حملها بأمجد "كانت صعبة جداً"، وكان عمرها حينذاك 16 عاماً، وسبب مرضه "تردي صحتها وعدم تلقيها العناية الكافية والمغذيات الضرورية".

وبعد ولادة أمجد بعام، كان الابن الثاني أكرم، ويعاني هو الآخر من نقض التغذية الحاد والتقزم. 

في حديثها لـ"ارفع صوتك" تصف أم أمجد معاناتها المستمرة، بداية مع إهمال تغذيتها كحامل بسبب صغر سنها وجهلها بضرورة الحصول على المغذيات والفيتامينات، إضافة إلى ظروف الحرب والنزوح والفقر التي عاشتها، وعدم تمكنها من تأمين الغذاء لطفليها وهما رضيعان.

كما لا يمكنها علاجهما حالياً، بسبب "صعوبة إيجاد العلاج ونقص الدواء وكلفتة المرتفعة أساساً، حتى أن المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري لا تستطيع تأمينه" كما تقول أم أمجد.

 

"ليست أولويات" 

تواصلت أم أمجد مع العديد من الجمعيات الإغاثية لتأمين المغذيات والأدوية والإبر التي يحتاجها طفلاها دون جدوى.

تبيّن لـ"ارفع صوتك": "المنظمات لديها أولوية في تقديم العلاج، إذ تركز على اللقاحات والأمراض المعدية والمهددة للحياة، بينما يندر أن تقدم مساعدات تتعلق بالتغذية وإبر نقص النمو التي يحتاجها ابنيّ حتى بلوغهما سن الرشد، كما قال لي الطبيب". 

وتضيف أم أمجد أن طفليها يحتاجان إبراً تفوق تكلفتها 250 دولار شهرياً، بالإضافة لدواء أتروبين وهو غير متوفر.

وتتابع: "أطفالي دائماً مرضى ومناعتهم ضعيفة ويحتاجون المغذيات الضرورية، والطعام الصحي، وإلى إبر بشكل شهري وأدوية مكلفة، وكل ذلك لا نقدر عليه إطلاقا".

وتلفت إلى أن "عظام ابنها أمجد، حسب تشخيص الطبيب، كعظام طفل بعُمر خمس سنوات، بينما عمر عظام أكرم أربع سنوات".

ولهذا الأمر تداعيات على طفولتهما، إذ لا يمكنهما اللعب مع أترابهما، كما يتعرضان للتنمر في المدرسة أو من الجيران.

المعاناة ذاتها يكابدها السوري يوسف وهو أب لطفل مصاب بالتقزم عمره 11 عاما، ويقيم في مدينة سرمدا.

يقول لـ"ارفع صوتك"، إن "من ينظر لولده يظنه بعمر خمس سنوات بسبب هزاله وقصر قامته". 

وعن العلاج، يوضح يوسف أن العلاج "مكلف وطويل ولا تتبناه أي منظمة إغاثية لهذه الأسباب"، مؤكدا أنه طرق جميع الأبواب دون جدوى، ولكنهم أمنوا له سلات غذائية وفيتامينات.

أما الحقن وهي الأعلى ثمنا ويحتاجها ابنه كل 15 يوما، ولفترة تمتد على سبعة أعوام فهي غير متوفرة. 

وحسب منظمة الصحة العالمية، هناك أربعة أشكال فرعية عامة لنقص التغذية، وهي: الهزال والتقزم ونقص الوزن وعوز الفيتامينات والمعادن، ويؤدي نقص التغذية إلى سرعة التأثر بالمرض والتعرض للوفاة، لاسيما الأطفال. 

ويُعرف قصر القامة بالنسبة إلى العمر بالتقزم، وينجم عن نقص التغذية المزمن أو المتكرر، وعادة ما يرتبط بتردي الظروف الاجتماعية الاقتصادية، وتردي صحة الأمهات وتغذيتهن، والاعتلال المتكرر، أو عدم تغذية الرضع وصغار الأطفال ورعايتهم على النحو الملائم في مراحل الحياة المبكرة، ويحول التقزم دون تحقيق الأطفال لإمكاناتهم الجسمانية والإدراكية.  

ويُعرف الأطفال منخفضو الوزن بالنسبة لأعمارهم، بأنهم ناقصو الوزن، والطفل الناقص الوزن قد يكون مصاباً بالتقزم أو الهزال أو كليهما. 

 

ماذا تقدم المنظمات؟

في نفس السياق، يقول الناشط الإغاثي علي الخلف، المقيم في مخيم أطمه، إنه لاحظ وجود حالات تقزم كثيرة خلال عمله الإغاثي أو التطوعي بين المخيمات، أو خلال عمله السابق ضمن برنامج حماية الطفل التابع لمنظمة غير حكومية. 

يوضح لـ"ارفع صوتك": "أكثر ما يطلب مني كناشط إغاثي أن أنشر حالات لعائلات محتاجة لدواء اسمه أتروبين، وهذا الدواء عبارة عن حقن وثمنه مرتفع، ويحتاجه الطفل المصاب بالتقزم على شكل حقنة كل 15 يوماً، والناس غير قادرة على تأمين ثمنه، ولا يوجد أي منظمة تقدمه مجاناً". 

ويتابع الخلف: "كان الأهالي يتواصلون معنا كي نقوم بتأمين أدوية خاصة لأطفالهم، وهي أدوية غنية بمادة الزنك والمعادن والفيتامينات وسواها". 

ويؤكد أن "النازحين والمهجرين وجميع سكان إدلب وريف حلب الشمالي لا يستطيعون تأمين الدواء، بسبب الفقر الشديد وانتشار البطالة وارتفاع تكاليف العيش".

ويشير الخلف إلى أن الدواء الخاص بحالات التقزم ونقص النمو  "متوفر" لكنه ليس بمتناول الناس بسبب أسعاره المرتفعة.

ويقول إن "الكثير من المنظمات لديها قسم رعاية الأم والطفل، تابع لقسم الحماية، ويتم من خلاله تقديم النصائح الطبية والمواد العينية التي تساعد الأم خلال فترة الحمل، وأحيانا حليب للأطفال في فترة الرضاعة، بالإضافة لتوعية الأم بضرورة الرضاعة الطبيعية، من قبل خبيرات للتغذية وقابلات قانونيات، وأحيانا  أطباء أطفال".   

كما يقدم برنامج الأغذية العالمية كمية من المكملات الغذائية مع السلة الغذائية للعائلات التي لديها أطفال تحت سن ثلاث سنوات، حسب الخلف. 

ويلفت إلى "وجود فرق تطوعية ومنظمات مجتمع مدني تعمل أحيانا على تقديم الأدوية اللازمة للتقزم وسوء التغذية"، مستدركاً "لكن المنظمات الإغاثية تواجه صعوبات وتحديات عدة، فعدد المخيمات المنظمة 1293، وفق إحصاء منسقي الاستجابة في سوريا، وهناك مخيمات غير منظمة (عشوائية) على أطراف القرى والمدن".  

 

تقرير اليونيسف

في تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) خلال مايو الماضي، بعنوان "كل يوم يحتسب"، قالت إن سوء التغذية المزمن لدى أطفال سوريا يزداد سوءاً بشكل لا يمكن تجاهله. 

وأضافت أن "واحداً بين كل ثلاثة أطفال دون سن الخامسة يعاني من التقزم، وواحد من كل خمسة يعاني زيادة الوزن، كما يعاني ثلث الأطفال دون سن الخامسة من فقر الدم".    

ويشير التقرير أن التقزم والهزال ونقص المغذيات الدقيقة وزيادة الوزن في سوريا تؤثر على 3.77 مليون طفل في سوري نصفهم في شمال شرق وشمال غرب سوريا. 

كما أورد تقرير برنامج الأغذية العالمي الصادر في التاسع من مايو الماضي، استنادا إلى بيانات عام 2021، أن واحدا بين كل ثمانية أطفال في سوريا يعاني من التقزم، بينما تظهر الأمهات الحوامل والمرضعات مستويات قياسية من الهزال الحاد. 

"وتشير كلتا الحقيقتين إلى عواقب صحية مدمرة بالنسبة للأجيال القادمة، ويواجه حوالي 12 مليون شخص في سوريا أي أكثر من نصف السكان، انعداما حادا في الأمن الغذائي" حسب التقرير. 

والعام الماضي 2021، أفاد تقرير آخر لليونيسف،  أن أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخمس سنوات في سوريا يعانون من التقزم نتيجة سوء التغذية المزمن.  

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".