الطبيب نصر الخلف أبو الحسن أثناء عمله في إحدى مشافي شمال سوريا
الطبيب نصر الخلف أبو الحسن أثناء عمله في إحدى مشافي شمال سوريا

تسببت الهجرة الكبيرة للأطباء السوريين بنقص شديد في تخصصات طبية هامة، وفقدان بعضها في جميع مناطق سوريا، سواء التابعة للنظام السوري، أو المعارضة السورية أو الإدارة الذاتية.

ومن أكثر الأسباب التي دعت الأطباء للهجرة، انعدام الأمان الاقتصادي والأمني، إذ يصل راتب الطبيب السوري في مناطق النظام السوري حالياً إلى 50 دولارا، في حين يتراوح بدل المعاينة بين نصف دولار إلى أربع دولارات.

ويتوجه الأطباء السوريون بشكل كبير إلى موريتانيا والصومال والسودان واليمن، ويتراوح راتبهم بين 1200- 3000 دولار أميركي، بحسب تصريح نقيب أطباء ريف دمشق خالد قاسم موسى في حديثه لإذاعة ميلودي إف إم الموالية بداية العام الجاري.

 

توجيه إلكتروني

عمد الأطباء السوريون إلى تغطية النقص الشديد في التخصصات إلى اعتماد وسائل تأقلم عديدة، وكان أهمها التوجيه الطبي الإلكتروني، والطبابة عن بعد.

واستقر عدد كبير من الأطباء السوريين الجراحين في أمريكا وألمانيا، وبدأوا العمل بشكل إلكتروني مع الأطباء المتواجدين في الداخل، سواء بتوجيههم ومساعدتهم، أو من خلال القيام بعدد من العمليات إلكترونياً أو تقديم التوصيات بعد وصف الحالات من قبل المقيمين في سوريا.

الدكتور نصر الخلف أبو الحسن، أخصائي عناية أطفال في شمال سوريا، نجح بتأمين استشارات طبية من أطباء مغتربين بتخصصات نادرة وغير موجودة في سوريا.

وكان لهذه الاستشارات مساهمة كبيرة في علاج وتشخيص حالات مرضية كثيرة.

يقول الطبيب نصر لـ"ارفع صوتك"، إن بعض الحالات الطبية الخاصة تحتاج لفريق كامل  من أجل بتشخيصها ومتابعتها، مضيفاً "كانت الفكرة من خلال التواصل الشخصي بيننا والأطباء في الخارج للتنسيق والاستفادة من أصحاب التخصصات غير الموجودة في الداخل".

"ويتم نقاش الحالة بشكل علمي وبين الأطباء الاستشاريين ونرى البروتوكول الأقرب، ثم نقوم بمتابعتها بشكل يومي أو دوري، وبعد ذلك قمنا بإنشاء برنامج كامل لتخصصات معينة يكون فيه إشراف كامل لأطباء من الخارج يتابعون الأطباء في الداخل"، يتابع نصر.

وبدأت التجربة في أكتوبر 2021، من خلال اعتماد تخصص حديثي الولادة بالتنسيق بين الاستشاريين من الخارج، وهيئة التخصصات الطبية السورية.

وتم إطلاق برنامج العناية المشددة لدى حديثي الولادة، للإشراف على خمس مشاف فيها خمسة أطباء يتابعون الحالات إلكترونياً، وتتم الاستشارة لكل حالة على حدة، ويتم عمل جولات أون لاين يومية بالتنسيق مع أطباء الخارج.

يبين نصر: "أتحدث مع الأطباء في الخارج عبر الفيديو، وأعرض عليهم الحالات ونتناقش فيها، ويتم تطبيق التوصيات والاستفادة من خبرة الاستشاريين بحكم خبرتهم الممتازة، والجزء الثاني من المتابعات يتم للحالات الخاصة، إذ يتم التواصل مع الاستشاريين ومناقشة الحالة معهم، ونقوم بعمل CASE PRESENTATION بوجود الاستشاريين والأطباء المختصين، ومن ضمن المتابعات نقوم بتجهيز للبروتوكولات من خلال دراسة الحالات، وتوحيد التشخيص والعلاج وفق منهجية علمية".

"والنقطة الأهم في هذا البرنامج، أننا نحاول التوسع في برامج تعليمية أخرى، وسنقوم بتدريب عدد من الفنيين خلال الفترة القادمة، لتوسيع الإطار التعليمي"، يتابع نصر.

 

بالأرقام

أظهر تقرير لجنة الإنقاذالدولية (IRC) عام 2021، أن نحو 70% من العاملين في القطاع الطبي غادروا سوريا، وباتت النسبة الآن "طبيب واحد لكل 10 آلاف سوري".

وأشارت دراسة تم نشرها في موقع "Biomedcentral"، إلى أن نحو 38% من الأطباء حصلوا على أقل من عامين من التدريب الطبي، و38% من جميع العاملين في مجال الرعاية الصحية لم يتلقوا أي تدريب طبي رسمي على الإطلاق، وهذا النقص في التدريب والخبرة زاد بشكل كبير من الضغط الواقع على عدد قليل من الخبراء المتبقين.

وأفادت الدراسة أن هناك محاولات تبذل لتوفير التدريب والمساعدة للخريجين الذين لم يتلقوا التدريب الكافي، على سبيل المثال من خلال التطبيب عن بعد للعاملين في الرعاية الصحية.

وقال تقرير حديث صادر عن اليونسيف في مايو الماضي، بعنوان "كل يوم يحتسب"، إن 20 ألف طبيب سوري من أصل 70 ألفاً، بقي في سوريا.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".