سائحان محليّان يلتقطان صورة سيلفي بجانب قلعة جبر في سوريا- تعبيرية
سائحان محليّان يلتقطان صورة سيلفي بجانب قلعة جبر في سوريا- تعبيرية

نقلا عن موقع الحرة

بعد أكثر من عقد من الصراع، يعود السياح إلى سوريا، فقد لاحظ السكان المحليون ومنظمو الرحلات زيادة في عدد الزوار من الدول الغربية، كما استأنف النظام إصدار التأشيرات للأجانب الفضوليين؛ ليروا بأنفسهم البلد الذي سيطر صراعه على شاشات التلفزيون وغمر أوروبا باللاجئين، بحسب تقرير صحيفة "واشنطن بوست".

لكن المراقبين والمنظمات الحقوقية يطالبون السياح بالتفكير في هذه الخطوة، وكيف أنها تدعم النظام الذي لازال يقتل شعبه بوحشية، وخاصة في ظل استمرار القتال في بعض المناطق في الغرب.

وتصاعدت الانتقادات لمثل هذه الرحلات لا سيما في عام 2019 بعد انتعاش قصير للسياحة الغربية وما أعقب ذلك من تدفق لمقاطع الفيديو والمدونات من قبل المؤثرين في مجال السفر. 

كما اندلع الغضب بين السوريين المقيمين في الخارج، وكثير منهم نزحوا بسبب الحرب ولا يمكنهم العودة إلى ديارهم.

وكان النظام استأنف منح التأشيرات السياحية في 2018 على أمل الحصول على بعض الإيرادات التي تشتد الحاجة إليها، قبل أن يضع الوباء حداً لذلك.

وقال المركز السوري للعدالة والمساءلة، وهو منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، في الصيف الماضي، إنه بينما يمكن للسياحة أن تساعد السكان المحليين في سوريا، فإنها "تروج بشكل قاتل للنظام، وتضر بالناس الذين يعيشون تحت حكمه".

يقف نيك وايت عالياً على أسوار قلعة حلب التاريخية، وقد صُدم من الدمار الذي لحق بالمدينة. واستطاع السائح البريطاني البالغ من العمر، 63 عامًا، أن يرى كيف تم تدمير أجزاء كبيرة بالأرض بسبب الحرب الأهلية الرهيبة في سوريا.

ويعرف وايت، مثل العديد من رفاقه المسافرين، النقد الذي يتعرضون له بسبب هذه الرحلات. لكنه قال "لكن لا، نحن لا ندعم الاقتصاد السوري. نحن ندعم الناس في الشارع، ونحاول إدخال بعض الأموال في الاقتصاد".

تكلف الجولات عادة حوالي 1700 دولار للشخص الواحد لرحلة مدتها أسبوع تشمل التوقف في دمشق وحلب وتدمر مع أطلالها التي لا مثيل لها من العصر الروماني والقلعة الصليبية في كراك ديس شوفالييه - التي تعتبر واحدة من أفضل الأمثلة على العمارة العسكرية في العصور الوسطى في المنطقة.

وفي الغالب، لا يذهب السياح إلى الجزء الشمال الغربي من البلاد، بسبب الصراع بين الجماعات المسلحة المعارضة والحديث عن عملية عسكرية تركية جديدة. 

ويتعين على جميع وكالات السياحة الخارجية العمل مع الشركات المحلية المسجلة في وزارة السياحة في النظام السوري، والمسؤولة عن التعامل مع طلبات التأشيرات وتنسيق التصاريح الأمنية والإقامة والمواصلات.

بينما يُرفض حاملو جوازات السفر الأميركية دائمًا تقريبًا، يُسمح بشكل متزايد بدخول حاملي جوازات السفر الأوروبية. ويفيد المقيمون في دمشق ومدن أخرى أنهم رأوا أعدادًا أكبر بكثير من السياح تختلف عن الحجاج الإيرانيين والمرتزقة الروس والزوار الصينيين المعتادين.

وقال جميع مرشدي الرحلات، الذين قابلتهم الصحيفة، إنهم غير مصحوبين بمرافقي الحكومة، الذين يتم تكليفهم عادةً بالإشراف على حركة الزوار الأجانب وتقييدها.

لكن في الغالب يرافق السياح عضو غير مسلح من جيش النظام السوري عند الذهاب إلى تدمر، المدينة الصحراوية للملكة الأسطورية زنوبيا التي استولت على الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث، والتي احتلتها داعش في 2015، ودمرت الكثير من آثارها التاريخية. 

قال وايت: "نسمع حقًا التاريخ الحديث، مع داعش والأشياء التي نهضوا عليها، ورؤية الآثار في تدمر التي نسفوها وأسقطوها، وسمعوا أنهم أعدموا أشخاصًا على خشبة المسرح في الصالة. كنا نجلس، لقد كان الأمر حقًا "مؤثرًا".

وقال جيمس ويلكوكس، مؤسس وكالة السفر Untamed Borders" ومقرها بريطانيا، إن استئناف السياح لزياراتهم إلى البلاد يمنح السوريين إحساسًا بأن بعض الأشياء، على الأقل، تعود ببطء إلى طبيعتها.

وأضاف ويلكوكس: "بعد عقد من الصراع، التطبيع أمر جيد. إنها علامة إيجابية حقًا، إنها أحد رموز الأوقات الأفضل المقبلة."

ويمثل استئناف السياحة الغربية في سوريا شريان حياة للفنادق والمطاعم وأصحاب الأعمال الصغيرة، لا سيما في المدن القديمة وما حولها في دمشق وحلب الذين كانوا على مدى أجيال يقدمون الطعام للأجانب المغامرين.

لكنهم ليسوا الوحيدين الذين يكسبون مالياً، فمن الطبيعي أن يستفيد الأفراد والجماعات المقربة من الحكومة أيضًا. ووفقًا لتقارير محلية، فإن مجموعة قاطرجي، والتي يديرها شقيقان جمعا ثروتهما على خلفية الحرب، لديها بالفعل خطط جارية لتحويل مستشفى حلب العسكري القديم إلى مجمع فندقي من فئة الخمس نجوم.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".