كميات من مخدر الكيبتاغون صادرتها حكومة النظام السوري- صورة أرشيفية
كميات من مخدر الكيبتاغون صادرتها حكومة النظام السوري- صورة أرشيفية

ارتفعت نسبة تعاطي المخدرات بين المراهقين والأطفال في المناطق التابعة للنظام في سوريا، وظهرت أصناف جديدة لم تكن متداولة من قَبل، إلى جانب الأصناف التقليدية المعروفة كالحشيش و"الشابو"، حسب تصريح رسمي لمشفى "ابن رشد" للأمراض العقلية في دمشق. 

ويستهدف تجار المخدرات الأطفال والمراهقين، ويقومون باستغلالهم لتعاطيها والترويج لها. وتشهد الأماكن التي يكثر تواجد الأطفال والمراهقين فيها، كبعض المدارس والنوادي والجامعات، انتشارا للموزعين الذين يستهدفون هذه الفئة. 

 

عقاقير للتصنيع  

يشكو الصيدلي يوسف، من دمشق، كثرة ارتياد شبان لصيدليته وسؤالهم عن عقار الميثامفيتامين، وهو نوع من العقاقير التي تدخل ضمن إنتاج المخدرات، ويوصف عادة لعلاج اضطرابات نقص الانتباه وفرط النشاط ولزيادة اليقظة والتركيز، ولا يُباع دون وصفة طبية. 

يقول لـ"ارفع صوتك"، إنه "يرفض بيعه دون وصفة طبية، حتى لو تسبب الأمر بتعرضه للتهديد والإهانة".

"هذا العقار يدخل في تصنيع مخدر الكريستال ميث، المنتشر حالياً بين الشباب، ويتم تعاطيه بطرق مختلفة إما بالشم أو المضغ أو عن طريق الدخان والنرجيلة"، يضيف يوسف. 

ويلفت إلى أن تصنيعه "بمتناول يد الكثير من الشباب"، مؤكداً "خطورة هذا المخدر".

ويحذّر يوسف من "سرعة الإدمان على المخدر، وصعوبة علاج مدمنيه، لأنه يتلف الأعصاب بسرعة، كما يتسبب باختلال في التوازن، وضعف في إدراك الأحجام والزمن، ويتسبب بهلوسات بصرية وسمعية، ويرفع ضغط الدم في الشرايين ويدمر الجهاز المناعي". 

 

في المدارس وحولها 

المعلمة ديما، العاملة في مدرسة بمنطقة جرمانا في ريف دمشق، لاحظت هذا الأمر أيضاً. تقول لـ"ارفع صوتك": "المخدرات منتشرة بشكل واضح على مقربة من المدرسة حيث أعمل. ويعمد المروجون إلى التواجد بجانب المدرسة واستدراج الطلاب، كما يعملون تحت أنظار الأمن كأن هناك تنسيقاً أو تغطية أو رشاوى".

وعن دور المدرسة، تقول المعلمّة إنها "لا تتدخل،  لأن ما يحصل يكون خارج أسوارها، بالتالي لا علاقة لها به".

"بعض الطلاب كان من الواضح أنهم يتعاطون المخدرات، إذ اختلف حالهم بشكل كبير، وظهرت على بعضهم علامات الشحوب والتعب الشديد، بالإضافة إلى التقلبات المزاجية الحادة والوهن، وكان البعض يعمد إلى السرقة، إضافة إلى اللامبالاة في الدراسة وكثرة التغيّب عن المدرسة"، تتابع ديما. 

لذلك، توجّه المعلّمة نداءً لأهالي الطلبة، قائلة "يجب توعية الأبناء بعمر صغير حول مخاطر المخدرات، وإبعادهم عن رفاق السوء، والتنبه لأي تغيير سلوكي وصحي، لإنقاذهم من الوقوع في فخ الإدمان". 

 

إدمان الأطفال 

وكان مدير مشفى "ابن رشد" للأمراض العقلية في دمشق، غاندي فرح، كشف مؤخراً عن ارتفاع نسبة تعاطي المخدرات في مناطق سيطرة النظام السوري، مشيراً إلى أن أطفالاً في سن 14 عاماً "باتوا مدمنين عليها".

وقال فرح في حديثه لإذاعة "ميلودي إف إم" الموالية للنظام، إن "تعاطي المواد المخدرة يزداد انتشارا ويتوسع أفقياً وعمودياً. وهناك أنواع جديدة منها، إذ لم تعد محصورة ببعض المواد كما في السابق". 

"وظهرت أصناف جديدة خلال السنوات القليلة الماضية مثل كريستال ميث، والسيلفيا، عدا عن الأصناف الدوائية التي يُساء استخدامها بصورة أكثر من قبل"، تابع فرح. 

وقال إن سبب انتشار المخدرات بين الأطفال والمراهقين "الأفكار التي يتم ترويجها حول هذا الموضوع، فضلاً عن المشكلات النفسية والعائلية والاجتماعية، ووجود جيل لا يتلقى ثقافة مناسبة ما يسهّل دخوله هذا الجو". 

وحول عدد الحالات، أكد فرح أنه "لا يوجد رقم واضح، بسبب غياب الإحصائيات"، لافتاً إلى أن "نسبة نجاح العلاج من الإدمان تتعلق بعوامل المتابعة والتعاون مع الأسباب التي دفعت" لحصول ذلك.

في نفس السياق،  نشرت وزارة الداخلية السورية عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، قصصا لقاصرسن "يتم استغلالهم في قضايا المخدرات والدعارة، بينها قصة الطفلة منى (12 عاما)، التي عثر عليها في منزل شخص متوار يدير شبكة دعارة ومخدرات، كما عثر في منزله على 2000 حبة مخدرة من أنواع (كبتاغون، زولام، بالتان)، واعترفت زوجته (هناء. ك) بإيوائها للطفلة القاصر وتسهيل الدعارة السرية لها". 

ومؤخرا كشفت شرطة جرمانا عن "شبكة تسهيل دعارة وتعاطي مخدرات، تضم فتيات قاصرات"، وألقت القبض عليهم وصادرت مواد مخدرة كانت لديهم، وفق بيانها.

وفي التفاصيل التي نشرتها صفحة وزارة الداخلية السورية أيضا، أن فتاة تدعى "س.ع قالت إنها استُدرجت من قبل صديقتها (لجين. هـ) إلى منزل أحد أصدقائها في حي الجناين للاحتفال بعيد ميلادها، وهناك تعرضت للاعتداء الجنسي من قبل شخص أجبرها على تعاطي المواد المخدرة". 

وبعد التحري والمراقبة "ألقت شرطة جرمانا القبض على المدعوة (لجين. هـ) والمدعو (أحمد. خ) والقاصر (شادي. ر)، وقامت بتفتيش المنزل، لتعثر فيه على مادة الكريستال المخدرة والأدوات المستخدمة بالتعاطي".

"وبالتحقيق معهم اعترفوا بممارستهم الدعارة السرية وتعاطيهم للمواد المخدرة بتسهيل من قبل شخص متوارٍ" قالت الشرطة. 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".