سوريا

بعد قمة طهران.. ما مصير الهجوم التركي على الأكراد في سوريا؟

فرانس برس
21 يوليو 2022

يرى محللون أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد يكون انتزع من نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي خلال قمة طهران غطاء لتنفيذ عملية محدودة في شمال سوريا، لكنه لم يحصل على "ضوء أخضر" كان يسعى إليه لشن هجوم واسع يهدّد به منذ أسابيع ضد المقاتلين الأكراد.

وأكد إردوغان خلال القمة التي انعقدت الثلاثاء عزم بلاده مواصلة "القتال قريباً ضد المنظمات الإرهابية"، في إشارة إلى المقاتلين الأكراد في سوريا. فما هو حجم العملية الممكنة؟ 

وهل سيغير التحرك التركي، إن حصل، الوضع على الأرض في منطقة أعلن فيها الأكراد منذ سنوات إدارة ذاتية، وتتداخل فيها مصالح النظام السوري وروسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة?

 

ضوء أخضر؟

انتهت قمة طهران بتأكيد الدول الثلاث تصميمها على "مواصلة تعاونها القائم للقضاء في نهاية المطاف على الأفراد والمجموعات الإرهابية" في سوريا.

وبرغم تأكيد البيان الختامي "رفض كل المحاولات لخلق وقائع جديدة على الأرض تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بما يشمل مبادرات الحكم الذاتي غير القانونية"، في إشارة الى الإدارة الذاتية الكردية، لم تحظ تركيا على الأرجح بتفويض لشن هجوم واسع، وفق محللين.

وسبق لموسكو وطهران وواشنطن أن حذّرت تركيا من مغبّة شنّ هجوم جديد.

وأكد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي خلال استقباله إردوغان أن عملية عسكرية تركية "ستعود بالضرر" على سوريا وتركيا والمنطقة.

وتعتبر أنقرة المقاتلين الأكراد "إرهابيين"، وتبرّر إيران وروسيا تدخلهما لصالح النظام في سوريا بمواجهة مجموعات "إرهابية"، هي، بالنسبة اليها، فصائل المعارضة والمجموعات الجهادية.

وقال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في طهران التي زارها غداة القمة، إن إردوغان لم ينجح في "تحقيق الأهداف التي كان يسعى إليها".

وتقول الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية دارين خليفة لوكالة فرانس برس "لم تمنح القمّة إردوغان الضوء الأخضر" للمضي في هجومه. لكنّها تذكّر بأن تركيا "أطلقت مراراً عمليات عسكرية في سوريا من دون ضوء أخضر" ورغم اعتراض قوى رئيسية بينها موسكو وواشنطن.

وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو الخميس إن تركيا "لا تطلب الإذن مطلقا" من أحد قبل شن عملية عسكرية في سوريا، مضيفا "يمكننا تبادل أفكار، لكننا لم ولن نطلب مطلقا إذنا لعملياتنا العسكرية ضد الإرهاب".

وتابع "يمكن أن يحدث ذلك بين عشية وضحاها، بشكل غير متوقع".

وتُرجح منى يعقوبيان من "معهد الولايات المتحدة للسلام" ألا تثني القمة إردوغان الذي يتحضر لانتخابات رئاسية في 2023، "عن القيام بخطوة رمزية تتيح له الإدعاء بأنه قام بتحرك، ولكن من دون شن هجوم عسكري واسع"، خصوصاً أنه يعتقد أن هجوماً في سوريا وربطه بمسعى إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم سيكسبه "تعاطفاً" قبل الاستحقاق.

وشنّت تركيا بين 2016 و2019 ثلاث عمليات عسكرية في سوريا لإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية المدعومة أميركياً، عن حدودها. وتعد أنقرة الوحدات امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها منذ عقود.

وتشكّل تل رفعت ومنبج اللتان تهدد تركيا باستهدافهما جزءاً من "منطقة آمنة" بعرض 30 كيلومتراً تريد إقامتها قرب حدودها الجنوبية.

وتل رفعت في الأساس مدينة ذات غالبية عربية، وبات يقيم فيها عدد كبير من الأكراد الذين دفعهم هجوم تركي في منطقة عفرين للنزوح العام 2018. كما تُعد منبج ذات غالبية عربية، ويتواجد أكراد فيها وفي محيطها بشكل أساسي.

في دمشق، بدا مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بسام أبو عبدالله أكثر تفاؤلاً، إذ يقول لفرانس برس إن "فتيل العملية العسكرية التركية التي كانت ستعقّد الوضع في الشمال، قد نُزع تماماً" على ضوء مقررات قمة طهران.

 

الخيارات والتحديات

وترى يعقوبيان أن إردوغان قد يختار "شنّ توغل محدود جداً من حيث النطاق والمدة" أو "ضربات محدودة من طائرات مسيرة".

ويوضح الباحث في معهد "نيولاينز" نيك هيراس لفرانس برس أن إردوغان "يتمتع بضوء أخضر" لشن ضربات جوية ضد أهداف كردية محددة، على غرار ما يحصل في العراق المجاور حيث تستهدف أنقرة قواعد حزب العمال الكردستاني في مناطق جبلية.

وهناك تواجد عسكري روسي ولمجموعات إيرانية وأخرى تابعة للنظام السوري في المنطقة التي تهدّد تركيا باستهدافها، فيما تتواجد قوات أميركية في شرق وشمال شرق سوريا، ما يضع عراقيل إضافية أمام اي عمل عسكري تركي واسع.

ويقول هيراس "إذا بقيت الولايات المتحدة في سوريا، ليس هناك الكثير الذي يمكن لتركيا وإيران وروسيا فعله لتغيير واقع أن هناك مساحات واسعة ستبقى تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية".

ويُعتبر دعم واشنطن للمقاتلين الأكراد بمثابة صمام أمان لهم، وإن كانت ثقتهم بها اهتزت بعد هجوم تركي في 2019 حصل بعد انسحاب القوات الأميركية من مواقع حدودية.

 

تداعيات عملية محتملة

ستكون لأي تحرّك عسكري تركي في منطقة سكانية مكتظة، وفق خليفة، "عواقب إنسانية وخيمة (...) وسيؤدي تجدد الصراع حتماً إلى نزوح جماعي ومعاناة".

وإثر اتفاق روسي مع الأكراد، تُعزز قوات النظام منذ أيام انتشارها في مناطق حدودية، خصوصاً قرب منبج، في سيناريو شبيه بما قامت به خلال هجوم 2019، للحؤول دون توسع تركي، وإن كانت السيطرة الفعلية على الأرض بقيت في يد قوات سوريا الديموقراطية.

ويرى أبو عبدالله أن "ما من خيار أمام قوات سوريا الديموقراطية سوى التفاهم مع الدولة السورية".

واصطدمت محادثات أجراها الأكراد سابقاً مع دمشق بحائط مسدود، مع إصرارهم على الحفاظ على مكتسبات إدارتهم الذاتية، الأمر الذي ترفضه دمشق.

وتقول خليفة "من المحتمل أن يؤدي أي هجوم تركي إلى مزيد من الترتيبات الدفاعية بين قوات سوريا الديموقراطية ودمشق، لكن ذلك قد لا يُترجم باتفاق/تسوية أوسع بين الطرفين إزاء مستقبل شمال شرق (البلاد). على الأقل لم يحدث ذلك في الماضي".

فرانس برس

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.