بعض أفراد طاقم تصوير الفيلم الصيني في دمشق- فرانس برس
بعض أفراد طاقم تصوير الفيلم الصيني في دمشق- فرانس برس

أثار انطلاق تصوير فيلم "Home Operation" في منطقة الحجر الأسود التابعة لمحافظة دمشق، الذي تنفذه شركة "Art Maker Production" الصينية الإماراتية، جدلاً واسعاً بين السوريين في مواقع التواصل.

والفليم من إنتاج الممثل العالمي جاكي شان، تدور قصته قصته حول إجلاء الحكومة الصينية 600 شخص من رعايا و200 من رعايا دول أخرى، من اليمن أثناء اندلاع حرب أهلية في تلك البلاد، وإيصالهم إلى بر الأمان. 

وفي حديث نقلته صحيفة "الوطن المحلية"، قال مخرج الفيلم Yinxi Song، إنه "شعر بصدمة كبيرة عند رؤية الأبنية المحطمة وكم الدمار الذي حلّ بسوريا".  

وأضاف أن "الفيلم سيحتوي على القليل من مشاهد الحرب، وهو للحب والسلام، وتدور قصته حول قدرة الدولة الشيوعية الصينية على إخراج جميع الصينيين دون خسائر أو أضرار".

"وأنها في الحقيقة ساعدت عشرات الدول على تحرير مواطنيها، كما يظهر فخر الصينيين بوطنهم والجهود المبذولة في زمن الحرب من أجل العودة إلى عالم يسوده السلام"، تابع المخرج الصيني. 

ولن يقتصر تصوير الفيلم الذي حضر افتتاح تصويره سفير جمهورية الصين، على منطقة الحجر الأسود، بل سيشمل مناطق أخرى شهدت معارك مدمّرة بينها داريا ودوما قرب دمشق، ومدينة حمص وسط البلاد، حسب وكالة فرانس برس.   

بعض أفراد طاقم تصوير الفيلم الصيني في دمشق- فرانس برس

الصين وسوريا.. أوجه الشبه

وأثار اختيار موقع التصوير، انقساماً بين المؤيدين والمعارضين السوريين، إذ اعتبر المؤيدون أن هذا الفيلم "يبشر" بعودة الأنشطة الثقافية والفنية إلى سوريا، مع احتمال دخولها في الصناعة السينمائية العالمية، بينما رأى المعارضون في ذلك "استهانة" بأرواح الضحايا ورموز الثورة المكانية والزمانية.

يقول المخرج السوري محمود الجبلي المقيم في تركيا: "لا يمكننا فصل الفن عن أي ميدان، إذ يرتبط ارتباطا وثيقا بكل جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والعاطفية، فالفن مرآة تعكس الواقع وتطرح قضاياه المختلفة، بالتالي يؤثر بشكل كبير على قرارات الفرد لاحقاً لحمله رسائل عديدة مغلفة بقوالب مختلفة، تستهدف مشاعر المتلقي بالدرجة الأولى".  

"وكل حكومات العالم والكيانات العديدة تعي تماماً أهمية ذلك، بالتالي تسوق لنفسها من خلال الفن الذي يواجهه الفرد كل لحظة، وأكثر الفنون التي لها تأثير كبير هي السينما والأفلام، لأنها تحمل أكثر ما يثير فضول المشاهد ويمزجه مع أبطال الفيلم وهي القصة، فطبيعة البشر تحب سماع القصص"، يضيف الجبلي لـ"ارفع صوتك". 

ويتابع: "كلنا نعلم تأثير الكثير من الأفلام على الجماهير الكبيرة والصغيرة، وعلينا أن نعي تماماً أن التاريخ يكتبه صناع الأفلام داخل الأعمال التي ينتجونها. في السابق كنا نعود إلى الكتب والمؤرخين لنعلم ما جرى، أما اليوم فنشاهد فيلماً عن هذا وذاك وتحكمنا أفكار المخرج ومن معه، وهذه هي الحقيقة". 

وعن استفادة النظام السوري من هذا الفيلم تحديدا، يقول الجبلي إن "لكل ديكتاتورية مبررات تخلقها، وتريد من خلالها إقناع من حولها أنها صاحبة الحق وبطلة المواقف، وتحمل هذه الروايات الكاذبة لإيصالها إلى الدائرة المحلية التي هي بالأساس مضطرة لتصديق أي شيء، وإلى ما بعد المحلية".

ويبيّن: "لكن كيف تصل إلى الشرائح الأوسع وتعبر القارات؟ يمكنهم من خلال فيلم سينمائي وضع ما يريدون فيه، وبث أفكارهم بطريقة غير مباشرة محببة، يشاهدها الناس في أوقات سمرهم، ليعلم العالم أنهم كانوا على حق بحسب روايتهم الكاذبة والخادعة، فلا هم من شرد ولا من قتل".

ويرى الجبلي أن هذا نفسه "ما تفعله الصين التي قمعت الحراك في بلادها، ودعمها في قمع المتظاهرين ممثل أفلام القفز جاكي شان الذي ينتج هذا الفيلم، والذي يلمّع صورة الصين، التي دعمت أيضا الديكتاتوريين في سوريا الذين قتلوا مئات الآلاف وشردوا الملايين". 

بالتالي هناك "قواسم مشتركة بين حكومة النظام السوري وحكومة الصين" حسب الجبلي، مردفاً  "الرواية واحدة والتسويق ذاته والملعب واحد".

ويقول بحسرة "مع الأسف ربما الأجيال القادمة ستصدق هذه الروايات في حال لم يكن هناك إعلام وأفلام وفن حقيقي مضاد".  

وعن تحويل مناطق الحرب في سوريا إلى "استوديو سينمائي جاهز وبأقل التكلفة" وفق ما ورد على لسان أحد أعضاء فريق التصوير، يقول الجبلي: "سمعت هذه العبارة في مقابلة، وأثرت في قلبي قبل عقلي، تذكرت والدي الذي مات بقصف عنقودي، وتذكرت غرفتي التي اخترقها صاروخ، وتذكرت ارتباطي بكثير من الأماكن التي تحولت إلى تراب". 

ويتساءل المخرج "كيف لعاقل أن ينظر مرة أخرى إلى هذه الأماكن على أنها صفقة فنية ناجحة؟ عار على كل شخص ينطق بهذه الأفكار، ليته يعلم أن الحجارة التي يجلسون عليها ربما قد سقطت فوق رأس طفلة وحطمته، فالفن هو الإنسان أولاً وأولاً الإنسان". 

 

في مواقع التواصل

الإعلامي السوري أيمن عبد النور عضو مجلس إدارة المؤتمر المسيحي العربي، كتب في تغريدة على تويتر، أن "تصوير فيلم صيني فوق دمار حي في دمشق يثير استياء المحرومين من العودة". 

وقال أبو النور العفرا في صفحته على فيسبوك: "أصبحت المناطق المدمرة استثمارا سينمائيا يبحث عنه المخرجون، بعد أن كانت سوريا تجذب السياح من كل العالم لرؤية الحضارة الأولى التي بنت أول مدينة في العالم، وكان الجميع مندهشا من عظمة تلك الآثار، واليوم تجذب المخرجين من كل العالم ليروا آثار تلك الحرب". 

وعبر راشد عيسى في منشور على صفحته في فيسبوك عن ألمه للتصوير فوق حطام المدن والأحياء وعلى أنقاض حي الحجر الأسود، قائلاً "أحد أبرز نقاط التظاهر في بداية الثورة السورية، وواحد من الأحياء التي حوصرت وجوّعت وقصفت بلا رحمة إلى أن هجّر جميع من فيها، وباتت مجرد هياكل خربة". 

وأضاف "صور الفيلم الصيني القادمة من الحجر الأسود في اليومين الأخيرين استفزّت الكثيرين، هناك عوامل للغضب لعلها فوق كل الأسباب، شيء من قبيل الإحساس بأنهم يصورون فوق مقبرة تضم قبور أحبابك، يدبكون فوقها، ويتقافزون، ويضحكون ويشوون اللحم". 

وقال وائل العبلة في منشوره: "عالم عم تبكي ع بيوتا يلي تدمرت بسبب الظلم والهمجية واللا إنسانية، والدولة عم تقبض مصاري على تأجير البيوت المدمرة للتمثيل".  

وقالت خلود العبيسات في تغريدة  على تويتر، "إنهم يستخدمون البيوت المُهجرة والأراضي التي دفن تحتها أهلنا". 

ونشر الكاتب والشاعر السوري أنس الدغيم تغريدة على تويتر قال فيها "ببركةِ بشّار الأسد وجيشه المجرم أصبحت المُدُن السوريّة قِبلة مخرجي الأفلام الذين لم يجدوا أماكن مدمَّرة تلبّي متطلّباتهم إلّا في سوريا". 

فيما كتب حذيفة الشامي على فيسبوك ردا على تصريح المخرج السوري رواد شاهين، حول انخفاض تكلفة الأماكن المدمرة: "بمنتهى الوقاحة يتفاخر هذا المخرج بإنجازات بشار الأسد الذي جعل من سوريا استوديوهات تصوير منخفضة التكاليف، فأصبح يجذب منتجي الأفلام السنيمائية لاستخدام مآسي السوريين المهجرين". 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".