لقطة من فيلم "خيمة 56" تظهر فيها الفنانة صفاء سلطان- موقع يوتيوب
لقطة من فيلم "خيمة 56" تظهر فيها الفنانة صفاء سلطان- موقع يوتيوب

في فيديو تم تداوله عبر صفحات سورية بمواقع التواصل الاجتماعي، قدم الفنان السوري علاء الزعبي اعتذاره لأهل بلده، مؤكداً أن العمل يجري على حذف فيلم "خيمة 56" من جميع منصات نشره في مواقع التواصل.

ويأتي ذلك بعد ضجة كبيرة، أحدثتها مقاطع متداولة من الفيلم، خلال اليومين الماضيين، على الرغم من مضيّ نحو أربعة أعوام على إنتاجه.

ورأى المعارضون للفيلم، الذين طالبوا بحذفه، أنه يحكي قصة خارج السياق السوري ويسيء لصورة اللاجئين والنازحين السوريين، متجاهلاً معاناتهم الحقيقية، إذ يركز على العلاقات الجنسية داخل المخيمات،  حسب ما تم تداوله.

وضمن قالب كوميدي، تدور أحداث الفيلم في مخيم دون ذكر اسمه أو مكانه أو زمان القصة، لكن شخوصه يتحدثون باللهجة الحورانية، وهي لهجة أهالي مدينة درعا ومناطق في الأردن.

وأدانت قبيلة آل الزعبي التي ينحدر منها أحد الممثلين الرئيسيين في الفيلم (علاء الزعبي)، في بيان، كل من شارك بإنتاج هذا العمل، ووصفته "بالرديء والمتعدي على الحرائر".

كما أعلنت تبرؤها من الممثل علاء الزعبي المشارك في الفيلم بدور أبو سعيد، لما "اقترفه من اعتداء سافر وآثم على حرائرنا"، وفق صيغة البيان.

وقال الزعبي في فيديو: "أود التوجه برسالة من القلب للقلب، إلى أبناء عشيرتي في حوران، أنا واحد منكم، ما يزعجكم يزعجني"، نافياً أنه "تقصّد" الإساءة لسكان المخيمات من النازحين واللاجئين.

وأضاف أن مشاركته في الفيلم نتيجة "سوء تقدير منه" مردفاً "جلّ من لا يخطئ. وأنا أقدم اعتذاري لكل شخص شعر بالإساءة من موضوع الفيلم أو طريقة الطرح أو حتى من بعض الكلمات غير المناسبة".

نماذج من مواقع التواصل الاجتماعي حول الآراء التي هاجمت الفيلم:

 

قصة الفليم

في فيلم "خيمة 56"، يبحث جميع من في المخيم عن الخصوصية لممارسة الجنس مع زوجاتهم إن كانوا رجالاً ومع الأزواج إن كنّ نساء، فحلم الجميع وأكثر ما يشغلهم، هو إيجاد مكان بعيد عن الخيمة التي ينام فيها الأبناء بجانب والديهم، والحصول على بعض الخصوصية في مكان غير الإسطبل الذي يقصدونه لممارسة الجنس.

في خضم ذلك، تطرح صبا، التي تقوم بدورها الممثلة نوار يوسف فكرة تثير حماس الجميع رجالا ونساء، خاصة أم رجب التي تلعب دورها الممثلة صفاء سلطان، وهو إقامة خيمة رقمها 56، تكون خاصة بالجنس، يتناوب عليها الأزواج بشكل دوري، كل يوم لزوجين.

وفكرة الفيلم، كما عرفَ عنه صنّاعه، عبر موقع يوتيوب، تدور حول "احترام المرأة لكيانها كإنسانة، ومن حقها الحصول على الخصوصية في علاقتها الحميمة مع زوجها بعيداً عن أعين المحيطين بها، خاصة الأطفال، في بيئة يبدو ذاك الطلب شبه مستحيل، لأن أحداث الفيلم تدور في مخيمات اللجوء، والبيت هو خيمة لا توفر أي خصوصية، ومع ذلك تعمل بطلة الفيلم صبا على إيجاد مكان يوفر الخصوصية لها ولجميع الأزواج". 

ويندرج "خيمة 56" تحت فئة الأفلام القصيرة، وتم إعداده للمشاركة في مهرجان الإسكندرية، وهو من إخراج سيف الشيخ نجيب، وتأليف سندس برهوم.

 

"جريمة بحق الإنسانية" 

تعليقاً على الجدل الدائر، يقول المخرج السوري بادي خليف، لـ"ارفع صوتك"، إن الفيلم "عبارة عن رسالة استخباراتية من النظام السوري مضمونها، انظروا إلى ما حدث معهم لأنهم ثاروا ضدي".

ووصف "خيمة 56" بأنه "جريمة بحق الإنسانية، إذا ما قورن بمسلسل التغريبة الفلسطينية، الذي يحكي واقع لجوء وهجرة الفلسطينيين".

"فالتطرق لمشاكل الناس يجب ألا يكون بهذه الطريقة.. هذا الشيء المسمى فيلم، ليس سوى رقص على الجثث، وأي عمل فني يخرج من الدراما السورية، هو عمل استخباراتي ولا يتم إنتاجه من دون موافقة أمنية، وهذه هي سياسة النظام السوري، التطرق لمعاناة الشعب السوري وإظهارها كنوع من التشفي بآلام الناس، وبنفس الوقت تحذير واضح، العصا لمن عصى"، يتابع خليف.

الممثل السوري عبد الحكيم قطيفان، كتب في منشور له على فيسبوك: "التفاصيل والحيثيات واللهجة بمعظمها تُظهر لنا أنها تتناول بيئة أهل حوران في مخيمات لجوئهم القسري، وجاء استخدام أغنية تراثية معروفة جدا في خلفية الحدث لتؤكد خصوصية البيئة المستهدفة في هذا العمل!" 

وأضاف "على مدى 20 دقيقة، كل الحوار والأحاديث والاهتمام والهواجس تتركز وبالمطلق على وضع جدول لدور الثنائيات العائلية في هذه الخيمة (الفردوس) التي تحققت واقعيا بفعل إصرار الزوجات الأقرب للوقاحة!". 

ورأى قطيفان، أن "الشجاعة في الطرح هي أن تتناول مواضيع تؤلم السفاح قاتل أطفال سوريا، وتفضح التواطؤ الدولي والإقليمي معه لا أن تحققوا له أجندته، حتى وإن لم تكن بإشراف مباشر منه". 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".