لقطة عامة للعاصمة السورية دمشق
لقطة عامة للعاصمة السورية دمشق

بات على المواطن السوري، الذي يحمل الجنسية التركية بعد عام 2011، مراجعة "فرع فلسطين" الأمني في العاصمة دمشق، في حال رغبته بزيارة البلد، حسب تعميم لـ"إدارة الهجرة والجوازات" التابعة للنظام السوري، تداوله مستخدمون الأسبوع الماضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتأكد موقع "الحرة" من صحته من محامين سوريين. 

وجاء في نص التعميم: "بناء على كتاب شعبة المخابرات (الفرع 294) رقم 100864 يطلب إليكم تعديل مضمون تعميم رقم 208844-294 لعام 2018، المتضمن تكليف المواطنين السوريين الحاصلين على الجنسية التركية لعام 2017، بوجوب مراجعة الفرع 235". 

وتابع النص أنه أصبح على المواطنين السوريين الحاصلين على الجنسية التركية منذ عام 2011، بموجب التعديل الجديد مراجعة الفرع 235 (فرع فلسطين)، بعد أن كان قرار المراجعة سابقا يشمل الحاصلين على الجنسية التركية، منذ عام 2017 فقط. 

وأثار هذا القرار جدلا بين أوساط السوريين، خلال الأيام الماضية، وخاصة أولئك الذين حصلوا على الجنسية التركية، في أوقات متفرقة منذ بداية وصولهم إلى بلد اللجوء. 

ويزيد عدد السوريين الأتراك، عن 200 ألف شخص، حسب إحصائيات حديثة كان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو قد أعلن عنها، الشهر الماضي. 

وفي وقت لم يصدر فيه أي تأكيد أو نفي رسمي من جانب النظام السوري بشأن "التعميم الجديد"، يقول المحامي السوري المقيم في دمشق، عارف الشعال إنه "ومن حيث المبدأ لا يوجد مشكلة بطلب المراجعة، لكي تدقق الدولة بالوضع القانوني لجنسية مواطنيها". 

ويضيف الشعال لموقع "الحرة": "لكن ما يثير الانتباه أن الجهة التي تدقق هي جهة أمنية تتبع للجيش وليست وزارة الداخلية، عبر أحد أقسام الشرطة التابعة لها". 

ومع ذلك و"في جميع الأحوال"، اعتبر المحامي السوري أن "الجهة الأمنية تعتبر دائرة رسمية في النهاية، ولا مانع قانوني من مراجعتها". 

لماذا الآن؟ 

حسب قانون الجنسية السوري، فإنه يمكن للحكومة تجريد المواطن من جنسيته السورية في حالتين. 

الحالة الأولى تكون بحكم قضائي، إذا ثبت اكتسابه إياها بناء على بيان كاذب أو بطريقة التدليس، ويشمل التجريد من اكتسبها بالتبعية. 

أما الحالة الثانية فتشمل عدة شروط، منها "إذا دخل باختياره في الخدمة العسكرية لدى دولة أجنبية دون ترخيص سابق يصدر عن وزير الدفاع"، و"إذا استخدم لدى دولة أجنبية بأي صفة كانت، سواء داخل القطر أو خارجه، ولم يلب طلب الوزير بترك هذه الخدمة ضمن مدة معينة". 

وأيضا "إذا أبدى نشاطا أو عملا لصالح بلد هو في حالة حرب مع القطر، أو إذا ثبتت مغادرته الأراضي العربية السورية بصورة غير مشروعة إلى بلد هو في حالة حرب مع القطر". 

وكانت "لجنة حقوق الإنسان والحريات" في مجلس الشعب السوري، اعتبرت في يوليو 2016 أنه "لا يحق لأي مواطن سوري الحصول على جنسية أخرى، من دولة معادية أثناء الحرب إلى جانب الجنسية السورية". 

بعد ذلك بعام (في 2017) أعلن نقيب المحامين السوريين، ورئيس "لجنة حقوق الإنسان والحريات" في مجلس الشعب، نزار علي السكيف، إعداد مذكرة بشأن تجنيس السوريين في تركيا. 

وقال السكيف لصحيفة "الوطن" شبه الرسمية، حينها، إن اللجنة تعد مذكرة لعرضها تحت قبة المجلس توضح خطورة تجنيس السوريين. 

واعتبر نقيب المحامين أن "التجنيس محاولة لتغيير معادلات ديموغرافية وجيوغرافية"، مشيرا إلى إمكانية تعديل قانون الجنسية في سوريا، "خاصة الحاصل على جنسية لها أبعاد سياسية مثل التركية". 

و"من المستبعد كثيرا أن يتخذ إجراء احترازي بحق المراجع (لفرع فلسطين) يتعلق بحجز الحرية أو التوقيف، لعدم وجود جرم معاقب عليه بالقانون"، حسب ما يوضح المحامي السوري، عارف الشعال. 

لكنه يشير إلى أنه "من غير المعروف ما هي الآثار المترتبة على هذه المراجعة". 

ويتابع الشعال: "لأن هناك بقانون الجنسية آثار تترتب على اكتساب جنسية أخرى كالتجريد من الجنسية السورية حسب قانون الجنسية النافذ، أو تجميد أملاكه في سوريا عملا بالأنظمة التي تحكم تملك الأتراك في سوريا". 

من جانبه يرى المحامي السوري، غزوان قرنفل، أن "التعميم الذي صدر من النظام ليس دعوة بريئة بطبيعة الحال"، وفق تعبيره. 

ويقول قرنفل لموقع "الحرة": "النظام السوري له إجراءات ومترتبات في هذا الأمر. أقلها إرسال رسالة للمواطن السوري حتى الذي يقيم خارج حدود البلاد أنك حتى ولو حصلت على جنسية أخرى فأنت تحت سطوتنا وستبقى تحتها طالما تفكر بالدخول إلى البلد". 

ومن جانب آخر لـ"للنظام أهداف أخرى من هذه المراجعة،ـ ليس فقط الحصول على معلومات تفصيلية عن آلية الحصول على الجنسية وكيف تجنست الناس". 

ويضيف المحامي السوري: "هو يريد معلومات بشأن أوضاع تركيا بشكل عام منذ لحظة وصول الشخص وحتى الآن على مختلف المستويات. ربما يمتلك هذه المعلومات، لكن يريد إرسال رسالة للأشخاص المجنسين أنكم بشكل أو بآخر ستكونوا مصدرا للمعلومات". 

"همهمات لم تخرج عاليا" 

ومنذ بداية الحرب في سوريا توزع ملايين السوريين في دول أوروبية ومجاورة لسوريا، على رأسها تركيا والأردن، فضلا عن دول أوروبية مثل ألمانيا والسويد وهولندا وغيرها.  

ولم تقتصر عمليات التجنيس على تركيا فقط، بل حصل الآلاف من السوريين في ألمانيا والدول الأوروبية على الجنسية أيضا. واللافت أن هؤلاء لم يشملهم نص التعميم الجديد.  

وكان عضو مجلس الشعب السوري، محمد خير العكام قال أواخر عام 2016، بعدما تصاعد الحديث الذي أثارته "لجنة حقوق الإنسان والحريات" إن "قانون الجنسية السوري لا يحظر على أي شخص الحصول على جنسية أخرى باعتبارها حرية شخصية". 

وعن وجود قانون ينص على عدم جواز الحصول على جنسية من دولة "معادية"، أكد العكام، في ذلك الوقت أن "الدولة السورية لم تعلن الحرب على تركيا من الناحية القانونية، وبالتالي لا مانع من الحصول على الجنسية". 

لكن المحامي السوري، غزوان قرنفل تحدث عما وصفه بـ"الهمهمات التي لم تخرج عاليا داخل مجلس الشعب، وتطالب باستهداف الذين حصلوا على الجنسية التركية دون موافقة الدولة السورية، بالاستناد إلى المادة 21 من قانون الجنسية". 

وتعطي هذه المادة "الحق للسلطة بتجريد السوري من الجنسية السورية في حال حصل على جنسية دولة معادية أو انخرط في صفوف الجيش في دولة معادية". 

ويضيف قرنفل: "بالتالي يمكن أن يوظف النظام السوري هذا النص فيما يتعلق بإمكانية تجريد كثير من السوريين، الذين يراهم معارضين لنهجه وسياساته". 

وتبعا لعملية "التجريد من الجنسية"، أشار قرنفل إلى أن الأمر "سيشمل مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة، لأن نص المادة 21 في قانون الجنسيات يعطيه الحق في ذلك"، مؤكدا على فكرته بأن "الهدف من التعميم ليس مجرد إجراء روتيني أو بريء". 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".