"أعمل على أنسنة الموقع الأثري وتحويله من معلم جامد مؤلف من كتل حجرية متناثرة، ثم إلى شخصية تحمل في تفاصيل ملامحها انفعالات قريبة مناّ وشبيهة بنا نحن البشر"، يصف الصحافي السوري أغيد شيخو مشروعه الفني، الهادف لإحياء المدن التراثية والتاريخية في سوريا.
وقوام مشروعه 15 لوحة فنية لمواقع أثرية، تتخذ فيها صورة الموقع الأثري شكل إنسان أو طائر، كما يمكن تأويلها لأشكال أخرى، حسب نظرة المتلقي.
يقول شيخو لـ"ارفع صوتك": "كان لابد من تحرّك يجدد التأكيد على القيمة الحضارية لهذه المناطق، دون الدخول في سرد تاريخي قد يجده البعض رتيباً لا يختلف عن منهاج دراسي لا يستسيغه".
ويضيف أنه "ليس واثقاً إن كان بالإمكان تسمية ما يعمل عليه مشروعاً أم لا" لكنه يراه "امتداداً من نوع آخر مختلف، لاهتمام موجود مسبقاً بالتاريخ والعصور التي سبقته في مجمل مناطق سوريا الحالية، والشمال السوري على وجه الخصوص"، وفق تعبيره.
"تلك المناطق التي يعتبر نسياننا لها، رغم ما قدمته للعالم من حضارة، أقل أشكال الاعتراف بفضلها وتميّزها إذا ما قارناه بالمخاطر الحقيقة التي تهدد وجودها الفيزيائي بالكامل، نتيجة حركة النزوح والحركة العمرانية التي بالإمكان ملاحظتها أحيانا وسط تلك المستوطنات"، يتابع شيخو.
ويوضح أن السبب في ذلك "عدم إدراك أهميتها وقيمتها التاريخية، أو اضطرارا لما فرضته الحرب على العائلات النازحة، فأحدث ذلك تغييرا واضحا في ملامح المدن الأثرية، ابتداء من إزاحة الأحجار الأثرية داخل أبنيتها، وليس انتهاء بطلاء إسمنتي للجدران، كحال مناطق البارةوسرجيلا في محافظة إدلب".
ويسعى مشروع شيخو كما يقول، إلى "تسليط الضوء على المناطق التي لم تنل حقّها من الترويج الإعلامي، بالرغم من أهميتها، وهو ما يؤكد لنا وجود الكثير من المواقع الأثرية والقصص المرتبطة بها، التي لا نعلم عنها سوى القليل".
ويؤكد "لا بدّ من التذكير بأننا في سوريا نملك إلى جانب أوغاريت وماري وأرواد، برجكه وبعودا وشنان، ولا يمكن أن يتشكّل تاريخنا إلاّ باجتماعها معاً، على المستوى ذاته من القيمة والأهمية والجهد في البحث والتقصي".
ويركز شيخو خلال عمله على جميع المواقع الأثرية في سوريا، دون استثناء، ويرى أنه بالإمكان العمل عليها ومحاولة إعادة طرحها بالشكل الذي تراه العين فيها، أي لا يوجد تركيز عن مناطق دون أخرى في سوريا.
ويلفت إلى أنه "يضطر أحيانا للاكتفاء بما يجده من صور عبر الإنترنت أو من خلال المراسلات الشخصية مع بعض المصورين ممن لا يزالون مقيمين قريبا من المدن الأثرية، وبمجرد الحصول على صورة بدقة كافية، تبدأ عملية أنسنة الموقع وتحويله من معلم جامد مؤلف من كتل حجرية متناثرة، إلى شخصية تحمل في تفاصيل ملامحها انفعالات قريبة منها وشبيهة بالبشر".
ويبيّن شيخو "أقول شبيهة لأنها قد تحمل ملامح أي كائن حيّ آخر كقط أو طائر أو حتى سمكة، أمّا عن سبب هذا التشبيه، فيأتي من أن الحالة العاطفية والشعورية التي نملكها كبشر تتفاعل وتتأثر بدرجة أكبر مع من يماثلها أو يشابهها في التكوين والشكل، رغم اختلاف درجات ذلك التأثر، فنحن نتعاطف مع طفل بشري أكثر من تعاطفنا مع جدار لا يشبهنا في بنيته مهما كانت القيمة التاريخية أو الفنية له، لذلك، ارتأيت أنه، ربّما، بالإمكان رفع مستوى التعاطف مع تلك المواقع إن استطعنا أن نراها ككائن يشبهنا في التفكير والمشاعر".
ويعمل شيخو من خلال صوره على سرد القصص، لأن "أي عمل فني، مهما كان شخصيّا وفرديّا، هو نتاج جماعي، لا يمكن للفنان أن يقدّم عملاً فنياً بمعزل عن محيطه، ويأخذ هذا التعاون، فيما يقدمه من لوحات شكلاً واضحاً أكثر".
يقول "لا يمكن العمل على صورة ما دون الاعتماد على عدسة المصور وما صوّره، أي أنّ المادة الخام التي أعمل عليها هي نتاج عمل شخص آخر في الأساس، وكذلك الأمر بالنسبة للقصة أو المعلومات المرفقة مع الصورة، التي هي نتاج عمل رحالة أو صحافي أو باحث محليّ أو أجنبي، فتكون القصّة أحياناً معبرة عن حكاية الشخصية التي تم اختلاقها، أو قد تكون سيرة ذاتية مختصرة لها".
بعض لوحات المشروع الفني للصحافي أغيد شيخو- فيسبوك