عمل فني يجسد فيه الصحافي السوري قلعة جعبر- من صفحته في فيسبوك
عمل فني يجسد فيه الصحافي السوري قلعة جعبر- من صفحته في فيسبوك

"أعمل على أنسنة الموقع الأثري وتحويله من معلم جامد مؤلف من كتل حجرية متناثرة، ثم إلى شخصية تحمل في تفاصيل ملامحها انفعالات قريبة مناّ وشبيهة بنا نحن البشر"، يصف الصحافي السوري أغيد شيخو مشروعه الفني، الهادف لإحياء المدن التراثية والتاريخية في سوريا.

وقوام مشروعه 15 لوحة فنية لمواقع أثرية، تتخذ فيها صورة الموقع الأثري شكل إنسان أو طائر، كما يمكن تأويلها لأشكال أخرى، حسب نظرة المتلقي.

يقول شيخو لـ"ارفع صوتك": "كان لابد من تحرّك يجدد التأكيد على القيمة الحضارية لهذه المناطق، دون الدخول في سرد تاريخي قد يجده البعض رتيباً لا يختلف عن منهاج دراسي لا يستسيغه". 

ويضيف أنه "ليس واثقاً إن كان بالإمكان تسمية ما يعمل عليه مشروعاً أم لا" لكنه يراه "امتداداً من نوع آخر مختلف، لاهتمام موجود مسبقاً بالتاريخ والعصور التي سبقته في مجمل مناطق سوريا الحالية، والشمال السوري على وجه الخصوص"، وفق تعبيره. 

"تلك المناطق التي يعتبر نسياننا لها، رغم ما قدمته للعالم من حضارة، أقل أشكال الاعتراف بفضلها وتميّزها إذا ما قارناه بالمخاطر الحقيقة التي تهدد وجودها الفيزيائي بالكامل، نتيجة حركة النزوح والحركة العمرانية التي بالإمكان ملاحظتها أحيانا وسط تلك المستوطنات"، يتابع شيخو.

ويوضح أن السبب في ذلك "عدم إدراك أهميتها وقيمتها التاريخية، أو اضطرارا لما فرضته الحرب على العائلات النازحة، فأحدث ذلك تغييرا واضحا في ملامح المدن الأثرية، ابتداء من إزاحة الأحجار الأثرية داخل أبنيتها، وليس انتهاء بطلاء إسمنتي للجدران، كحال مناطق البارةوسرجيلا في محافظة إدلب". 

ويسعى مشروع شيخو كما يقول، إلى "تسليط الضوء على المناطق التي لم تنل حقّها من الترويج الإعلامي، بالرغم من أهميتها، وهو ما يؤكد لنا وجود الكثير من المواقع الأثرية والقصص المرتبطة بها، التي لا نعلم عنها سوى القليل".

ويؤكد "لا بدّ من التذكير بأننا في سوريا نملك إلى جانب أوغاريت وماري وأرواد، برجكه وبعودا وشنان، ولا يمكن أن يتشكّل تاريخنا إلاّ باجتماعها معاً، على المستوى ذاته من القيمة والأهمية والجهد في البحث والتقصي". 

ويركز شيخو خلال عمله على جميع المواقع الأثرية في سوريا، دون استثناء، ويرى أنه بالإمكان العمل عليها ومحاولة إعادة طرحها بالشكل الذي تراه العين فيها، أي لا يوجد تركيز عن مناطق دون أخرى في سوريا.

ويلفت إلى أنه "يضطر أحيانا للاكتفاء بما يجده من صور عبر الإنترنت أو من خلال المراسلات الشخصية مع بعض المصورين ممن لا يزالون مقيمين قريبا من المدن الأثرية، وبمجرد الحصول على صورة بدقة كافية، تبدأ عملية أنسنة الموقع وتحويله من معلم جامد مؤلف من كتل حجرية متناثرة، إلى شخصية تحمل في تفاصيل ملامحها انفعالات قريبة منها وشبيهة بالبشر". 

ويبيّن شيخو "أقول شبيهة لأنها قد تحمل ملامح أي كائن حيّ آخر كقط أو طائر أو حتى سمكة، أمّا عن سبب هذا التشبيه، فيأتي من أن الحالة العاطفية والشعورية التي نملكها كبشر تتفاعل وتتأثر بدرجة أكبر مع من يماثلها أو يشابهها في التكوين والشكل، رغم اختلاف درجات ذلك التأثر، فنحن نتعاطف مع طفل بشري أكثر من تعاطفنا مع جدار لا يشبهنا في بنيته مهما كانت القيمة التاريخية أو الفنية له، لذلك، ارتأيت أنه، ربّما، بالإمكان رفع مستوى التعاطف مع تلك المواقع إن استطعنا أن نراها ككائن يشبهنا في التفكير والمشاعر". 

ويعمل شيخو من خلال صوره على سرد القصص، لأن "أي عمل فني، مهما كان شخصيّا وفرديّا، هو نتاج جماعي، لا يمكن للفنان أن يقدّم عملاً فنياً بمعزل عن محيطه، ويأخذ هذا التعاون، فيما يقدمه من لوحات شكلاً واضحاً أكثر".

يقول "لا يمكن العمل على صورة ما دون الاعتماد على عدسة المصور وما صوّره، أي أنّ المادة الخام التي أعمل عليها هي نتاج عمل شخص آخر في الأساس، وكذلك الأمر بالنسبة للقصة أو المعلومات المرفقة مع الصورة، التي هي نتاج عمل رحالة أو صحافي أو باحث محليّ أو أجنبي، فتكون القصّة أحياناً معبرة عن حكاية الشخصية التي تم اختلاقها، أو قد تكون سيرة ذاتية مختصرة لها". 

 

بعض لوحات المشروع الفني للصحافي أغيد شيخو- فيسبوك

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".