الشبّان السوريون الثلاثة الذين أسسوا المطعم في المدينة البريطانية
الشبّان السوريون الثلاثة الذين أسسوا المطعم في المدينة البريطانية

حاز مطعم "كنافتي" القائم في ولاية برادفورد البريطانية، الشهيرة بالمأكولات في بريطانيا على جائزة أفضل مشروع تجاري جديد لعام 2022.

المطعم الذي كان متخصصا فقط في الكنافة والقهوة والشاي، أصبح يقدم وجبات طعام سورية متنوعة لكافة الزبائن، ولفت أنظار العرب والبريطانيين الموجودين في المدينة، معتمداً على جهود شركائه الثلاثة، بالإضافة للمسة الأنثوية من عائلاتهم.

يدير المطعم الشركاء عبد الرحمن مكية وهشام المهايني وأنس الحلبي، وقاموا بافتتاحه منذ عام تقريباً، بعد أن كانت التجربة تقتصر سابقاً على العمل من المنزل باعتبارها هواية فقط، كما يقولون.

لكن الإقبال الكبير على منتج الكنافة المميز الذي قدموه، استوجب إطلاق مشروع تجاري في أحد الأحياء التابعة لمدينة برادفورد.

صورة داخلية لمطعم "كنافتي"
صورة خارجية لمطعم "كنافتي"

القصة منذ البداية

يقول الدكتور عبد الرحمن مكية لـ"ارفع صوتك"، إن  مجموعة من الزبائن لا يعرفونهم رشحوهم لهذه الجائزة، ومن خلال ذلك صعد اسم المطعم لقائمة المتنافسين الأبرز.

"هذا فخر لنا إذ تم ترشيح اسمنا دون التقدم من تلقاء أنفسنا، لم نكن نتخيل أن ننافس الأشخاص الذين يعملون هنا ولديهم خبرة أكثر منا، وقد أثارت الجائزة ضجة كبيرة جدا، لأن السوريين والعرب بحاجة كبيرة للنجاحات، والناس دعمونا وافتخروا بنا كثيرا"، يضيف مكية.

ويتابع: "هذا الشيء له انعكاس طيب جدا علينا، وأعطانا دعماً لأننا مررنا بمراحل صعبة جدا، والناس عادة لا ترى غير النجاح، ولكن وراء هذا النجاح هناك تعب كبير جدا، ومتابعة يومية وتعب أعصاب وضغط مادي وبُعد عن الأهل، ولكن الحمد لله أثمرت الجهود ونحن فخورين جدا، وسنحاول أن نكون قدر الإمكان مثالاً للسوريين بشكل عام في بريطانيا وأوروبا".

وقدم مكية  إلى بريطانيا عام 2011 بغرض الدراسة، وأنهى دراسته في الماجستير والدكتوراة، وبعدها كانت فكرة المشروع، إذ استلهمها من صنع الكنافة المنزلية.

وبما أنه باحث في الصيغ الدوائية، أجرى مكية "بحثا جيدا وتوصّل صيغة لإنتاج صنف ممتاز ومميز وغير موجود في مكان إقامته، إذ كانت المواد الأولية متوفرة، وبدأت بعد ذلك فكرة البيع لمن حولهم، خاصة أثناء انتشار وباء كورونا وإغلاق المطاعم".

يقول: "بدأ المشروع ينشط واخترنا له اسم وبدأنا من صفحة إنستاغرام، من خلال الأدوات المنزلية، وتعاوننا مع بعض المطاعم، وبدأت الفكرة تنضج أكثر، ولم نكن نتخيل أن التحول لمطعم، فالموضوع كان عبارة عن هواية من المنزل، وعندما أصبحت طاقة البيت الاستيعابية لا تتحمل الطلبات، كانت الفكرة للانتقال لمتجر نظامي خارج المنزل".

نماذج من أصناف الحلويات التي يقدمها المطعم
نماذج من أصناف الحلويات التي يقدمها المطعم

ويبين مكية لـ"ارفع صوتك": "أول الفكرة كانت أن نعمل على بيع القهوة والشاي والكنافة فقط، ولكن أثناء بحثي عن مكان، شاءت الأقدار أن ألتقي بشريكي أنس، واجتمعنا لعمل شيء مشترك، ولكن بسبب ظروف كورونا لم نستطع إطلاق المشروع، ومنذ عام تماما بدأنا نشعر أن الوباء بدأ ينحسر  والأسواق تتعافى، فاجتمعنا مع شريكنا الثالث هشام، لنقرر لاحقا العمل رسميا في محلنا الخاص".

"مطعمنا اسمه كنافة تي (كنافة وشاي) باللغة الإنكليزية، وبالعربي كنافتي، يعني الكنافة الخاصة بي، ولم يعد المطعم اليوم يقدم فقط الكنافة والقهوة والشاي، إنما افتتحنا به أقساماً أخرى تحتوي عدداً كبيراً من الوجبات الشامية المعروفة، ونوعنا في أصناف الكنافة بشكل كبير".

وحسب مكية، شهد المطعم" إقبالا كبيرا منذ بدايته، ودعم معارفهم، وكان الناس يصطفون بالدور بانتظار مكان لهم"، مردفاً "كان لدينا تحد بأن نثبت أنفسنا في هذه المدينة التي تعتبر عاصمة الطعام في بريطانيا، خصوصاً أننا جميعاً لاجئون لم نكن نحمل الجنسية البريطانية".

ويعتبر أن "أحد أسباب نجاحهم، أنهم وقبل إدراج أي صنف جديد من المأكولات، يقومون بتجربته عدة مرات، حتى يتأكد الطاقم بأكمله أنه ناتج مميز ومضبوط كما يجب أن يكون، حتى يصلوا للصيغة المثالية".

ويمكن وصف هذا مطعم "كنافتي" بالعائلي فعلياً، لأنه نتاج شراكة ثلاث عائلات، ليس فقط الرجال الثلاثة.

يقول مكية "والدة شريكي أم أيهم الحلبي لها دور كبير في إنتاج الأصناف الشامية الأصيلة، مثل البوظة العربية والكبة المقلية والمشوية، وزوجة شريكي الآخر هشام، قدمت الكثير من خبرتها بالطبخ في المنزل، وكذلك زوجتي استلمت العلاقات العامة ومواقع التواصل الاجتماعي".

ويلفت إلى أنهم ومنذ اليوم الأول لافتتاح مطعمهم، كان لديهم "اهتمام كبير في تقديم صورة نموذجية عن اللاجئ والمواطن العربي والإنسان المسلم في بريطانيا، إذ قاموا في رأس السنة الميلادية بتقديم وجبات لممرضات في المشافي لشكرهن، وفي عيد الأم قدموا وجبات لكبار السن، وعمل نشاط لتعليم الأطفال في المخيمات، وسيشاركون قريبا في إطعام المشردين في المدينة عن طريق التعاون مع إحدى المنظمات المحلية".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".