صورة أرشيفية لإحدى الصيدليات في العاصمة السورية دمشق عام 2013- تعبيرية
إحدى الصيدليات في العاصمة السورية دمشق عام 2013- تعبيرية

دفعت الأوضاع الاقتصادية المتردية السوريين للجوء إلى وسائل تأقلم سلبية متعددة، في مختلف جوانب حياتهم، من بينها لجوء عدد كبير منهم إلى الصيدليات بدلاً عن الأطباء لمعاينة الحالات المرضية.

ويعود ذلك للهجرة الكبيرة التي شهدها القطاع الطبي من جهة، وعدم قدرة السوريين على دفع تكاليف المراجعات الطبية من جهة أخرى، نظراً لتدهور الأوضاع الاقتصادية تباعاً، على مرّ السنوات الفائتة.

ورغم تحذير الأطباء من ذلك، إلا أن المواطنين، خصوصاً ذوي الدخل المحدود، لا يزالون يعتمدون على الصيادلة بديلاً عنهم، لتشخيص حالتهم المرضية والحصول على دواء.

أم أحمد يبرودي، امرأة ستينية من مدينة جوبر في ريف دمشق، فقدت ولدها وزوجها إثر القصف على مدينتها، وأصبحت تعيش على المعونات التي تقدمها لها المنظمات الإغاثية.

ونتيجة لذلك، أصبحت تذهب للصيدلية كلما شعرت بالألم، وتطلب المعاينة من الصيدلاني الموجود فيها.

تقول أم أحمد لـ"ارفع صوتك": "في حال مرضت أنا أو ابنتي، نلجأ للصيدلي بجانب بيتنا، ويشرح لنا حالتنا المرضية، ويعطينا العلاج المناسب".

"نحن نعلم أن ذلك خاطئ، ولكن ما باليد حيلة، ابنتي تحصل على راتب لا يكفينا سوى عشرة أيام في بداية كل شهر"، تضيف أم أحمد.

ومن مدينة إدلب، يقول أبو بلال الرويشد، إنه يقصد الصيدليات فقط في حالات نزلات البرد له ولأولاده، أو في حال ارتفاع الحرارة، لكنه يضطر للذهاب إلى الطبيب في الحالات الأخرى.

ويضيف لـ"ارفع صوتك" أن  "عدداً كبيراً من أهالي إدلب يلجؤون للصيادلة، أو لخبراء الطب العربي، فلا يمكن للجميع العلاج عند الطبيب"، موضحاً "الرواتب لا تكفينا أسبوعين فقط لفواتير الكهرباء وأجرة المنزل وغيرها من التكاليف العادية، ولولا إبني المقيم في ألمانيا، لما استطعت أنا أيضا الذهاب إلى الطبيب عندما أحتاجه".

مديحة العوامة، من أهالي مدينة دوما في ريف دمشق، تقيم الآن في العاصمة دمشق، تؤكد أنها "تعتمد اعتمادا شبه كلي على الصيدلية الموجودة حيّها، إذ لا يكفي راتب زوجها لسد الاحتياجات الطبية للعائلة" ذلك أنهم يحتاجون لعلاجات ومراجعات شهرية، لها وزوجها، وطفليها.

موقف الصيادلة

حاول "ارفع صوتك" التواصل مع صيادلة يُعرف أنهم يصفون علاجات للمرضى الذين يقصدونهم، لكن أياً منهم لم يقبل الحديث في هذا الشأن.

من جهته، يؤكد الصيدلاني غسان الصفدي، من مدينة إدلب، أنه يمتنع عن التشخيص أو وصف العلاج للمرضى، مشيراً إلى وجود عدد "كبير" من زملائه "يعطون الأدوية دون أي وصفة طبية".

ويتابع لـ"ارفع صوتك: "يأتيني العشرات يومياً يطلبون وصفة أو تشخيصاً، لكني أرفض، فلا يمكنني تحمّل مسؤولية حدوث أي مضاعفات أو آثار جانبية غير محسوبة للمريض".

"أنا أقدر الوضع العام للمرضى بسبب الظروف الاقتصادية السيئة، لكنني لا أستطيع خيانة مهنتي والتعدّي على مهنة غيري، ومن الممكن أن يودي ذلك بحياة شخص ما" يقول الصفدي.

 

رأي الأطباء

يقول الطبيب أحمد السواس من مدينة دمشق، إن الأوضاع الاقتصادية دفعت عددا كبيراً من الأطباء للهجرة، مما أدى لفقدان تخصصات كاملة في عدد كبير من المدن الرئيسة، وهذا أيضاً دفع الناس للبحث عن بدائل، وللأسف كانت سلبية".

ويشرح لـ"ارفع صوتك": "هناك مشاف خالية من بعض التخصصات مثل التخدير وغيره، وهناك نقص كبير في الكوادر الطبية. هذا أدى أيضاً لحدوث أخطاء طبية عديدة، بسبب عمل بعض الأطباء بأكثر من تخصص وفق الاجتهاد الشخصي، ما زعزع ثقة المواطنين بالأطباء".

ويشير السواس، إلى "غياب الرقابة الكافية" من قبل الجهات الرسمية، مردفاً "البلد تسير بشكل عشوائي وغير منتظم في كافة المجالات، وبسبب ذلك تحدث مشاكل عديدة صحية وأخطاء تشخيصية من الصيادلة، يمكن أن تؤدي لموت المواطنين أحياناً".

وبحسب الإحصائيات الرسمية، هاجر 1960 طبيباً سوريا خلال عام 2021، ليصبح مجمل عدد الأطباء الذين هاجروا منذ بداية الأزمة عام 2011، حوالي 25 ألف طبيب، وفق تصريح الدكتور ماهر الزعبي، وهو مسؤول التواصل في مشفى الجيزة في درعا.

وحسب تقرير لليونيسيف صدر مايو الماضي، بعنوان "كل يوم يحتسب"، بقي في سوريا 20 ألف طبيب فقط، من أصل 80 ألف طبيب سوري عامل فيها قبل الأزمة،

بدورها، ومحاولة لتخفيف الأزمة على المواطنين، حدّدت نقابة أطباء إدلب، في وقت سابق، قيمة الحدّ الأعلى للكشف الطبي في العيادات الخاصة، وهي 4 دولارات للطبيب العام، و5 دولارات للطبيب العام الذي تزيد خبرته عن عشر سنوات، و6 دولارات للطبيب المختص، و7 دولارات للطبيب المختص الذي تزيد خبرته عن عشر سنوات.

لكن هذه الأسعار لم تكن جيدة للمواطن السوري الذي لا يستطيع تأمين أكثر من دولار ونصف يومياً في عمله.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".