دفعت الأوضاع الاقتصادية المتردية السوريين للجوء إلى وسائل تأقلم سلبية متعددة، في مختلف جوانب حياتهم، من بينها لجوء عدد كبير منهم إلى الصيدليات بدلاً عن الأطباء لمعاينة الحالات المرضية.
ويعود ذلك للهجرة الكبيرة التي شهدها القطاع الطبي من جهة، وعدم قدرة السوريين على دفع تكاليف المراجعات الطبية من جهة أخرى، نظراً لتدهور الأوضاع الاقتصادية تباعاً، على مرّ السنوات الفائتة.
ورغم تحذير الأطباء من ذلك، إلا أن المواطنين، خصوصاً ذوي الدخل المحدود، لا يزالون يعتمدون على الصيادلة بديلاً عنهم، لتشخيص حالتهم المرضية والحصول على دواء.
أم أحمد يبرودي، امرأة ستينية من مدينة جوبر في ريف دمشق، فقدت ولدها وزوجها إثر القصف على مدينتها، وأصبحت تعيش على المعونات التي تقدمها لها المنظمات الإغاثية.
ونتيجة لذلك، أصبحت تذهب للصيدلية كلما شعرت بالألم، وتطلب المعاينة من الصيدلاني الموجود فيها.
تقول أم أحمد لـ"ارفع صوتك": "في حال مرضت أنا أو ابنتي، نلجأ للصيدلي بجانب بيتنا، ويشرح لنا حالتنا المرضية، ويعطينا العلاج المناسب".
"نحن نعلم أن ذلك خاطئ، ولكن ما باليد حيلة، ابنتي تحصل على راتب لا يكفينا سوى عشرة أيام في بداية كل شهر"، تضيف أم أحمد.
ومن مدينة إدلب، يقول أبو بلال الرويشد، إنه يقصد الصيدليات فقط في حالات نزلات البرد له ولأولاده، أو في حال ارتفاع الحرارة، لكنه يضطر للذهاب إلى الطبيب في الحالات الأخرى.
ويضيف لـ"ارفع صوتك" أن "عدداً كبيراً من أهالي إدلب يلجؤون للصيادلة، أو لخبراء الطب العربي، فلا يمكن للجميع العلاج عند الطبيب"، موضحاً "الرواتب لا تكفينا أسبوعين فقط لفواتير الكهرباء وأجرة المنزل وغيرها من التكاليف العادية، ولولا إبني المقيم في ألمانيا، لما استطعت أنا أيضا الذهاب إلى الطبيب عندما أحتاجه".
مديحة العوامة، من أهالي مدينة دوما في ريف دمشق، تقيم الآن في العاصمة دمشق، تؤكد أنها "تعتمد اعتمادا شبه كلي على الصيدلية الموجودة حيّها، إذ لا يكفي راتب زوجها لسد الاحتياجات الطبية للعائلة" ذلك أنهم يحتاجون لعلاجات ومراجعات شهرية، لها وزوجها، وطفليها.
موقف الصيادلة
حاول "ارفع صوتك" التواصل مع صيادلة يُعرف أنهم يصفون علاجات للمرضى الذين يقصدونهم، لكن أياً منهم لم يقبل الحديث في هذا الشأن.
من جهته، يؤكد الصيدلاني غسان الصفدي، من مدينة إدلب، أنه يمتنع عن التشخيص أو وصف العلاج للمرضى، مشيراً إلى وجود عدد "كبير" من زملائه "يعطون الأدوية دون أي وصفة طبية".
ويتابع لـ"ارفع صوتك: "يأتيني العشرات يومياً يطلبون وصفة أو تشخيصاً، لكني أرفض، فلا يمكنني تحمّل مسؤولية حدوث أي مضاعفات أو آثار جانبية غير محسوبة للمريض".
"أنا أقدر الوضع العام للمرضى بسبب الظروف الاقتصادية السيئة، لكنني لا أستطيع خيانة مهنتي والتعدّي على مهنة غيري، ومن الممكن أن يودي ذلك بحياة شخص ما" يقول الصفدي.
رأي الأطباء
يقول الطبيب أحمد السواس من مدينة دمشق، إن الأوضاع الاقتصادية دفعت عددا كبيراً من الأطباء للهجرة، مما أدى لفقدان تخصصات كاملة في عدد كبير من المدن الرئيسة، وهذا أيضاً دفع الناس للبحث عن بدائل، وللأسف كانت سلبية".
ويشرح لـ"ارفع صوتك": "هناك مشاف خالية من بعض التخصصات مثل التخدير وغيره، وهناك نقص كبير في الكوادر الطبية. هذا أدى أيضاً لحدوث أخطاء طبية عديدة، بسبب عمل بعض الأطباء بأكثر من تخصص وفق الاجتهاد الشخصي، ما زعزع ثقة المواطنين بالأطباء".
ويشير السواس، إلى "غياب الرقابة الكافية" من قبل الجهات الرسمية، مردفاً "البلد تسير بشكل عشوائي وغير منتظم في كافة المجالات، وبسبب ذلك تحدث مشاكل عديدة صحية وأخطاء تشخيصية من الصيادلة، يمكن أن تؤدي لموت المواطنين أحياناً".
وبحسب الإحصائيات الرسمية، هاجر 1960 طبيباً سوريا خلال عام 2021، ليصبح مجمل عدد الأطباء الذين هاجروا منذ بداية الأزمة عام 2011، حوالي 25 ألف طبيب، وفق تصريح الدكتور ماهر الزعبي، وهو مسؤول التواصل في مشفى الجيزة في درعا.
وحسب تقرير لليونيسيف صدر مايو الماضي، بعنوان "كل يوم يحتسب"، بقي في سوريا 20 ألف طبيب فقط، من أصل 80 ألف طبيب سوري عامل فيها قبل الأزمة،
بدورها، ومحاولة لتخفيف الأزمة على المواطنين، حدّدت نقابة أطباء إدلب، في وقت سابق، قيمة الحدّ الأعلى للكشف الطبي في العيادات الخاصة، وهي 4 دولارات للطبيب العام، و5 دولارات للطبيب العام الذي تزيد خبرته عن عشر سنوات، و6 دولارات للطبيب المختص، و7 دولارات للطبيب المختص الذي تزيد خبرته عن عشر سنوات.
لكن هذه الأسعار لم تكن جيدة للمواطن السوري الذي لا يستطيع تأمين أكثر من دولار ونصف يومياً في عمله.