انفجارات في سوريا.. أرشيفية
انفجارات في سوريا.. أرشيفية

لم يعد النشاط الإيراني في سوريا، وفق الرواية الإسرائيلية، مقتصرا على توريد الأسلحة ونقلها إلى مواقع متفرقة في البلاد، سواء عبر البر أو البحر أو الجو، بل تحول إلى مراحل "متطورة"، ما يثير تساؤلا بات "يراود الكثيرين" من جهة، وآخر "أكبر"، حسب ما يشير إليه مراقبون من مختلف الأطراف. 

وقبل أيام، قدم وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس خرائط في مؤتمر بنيويورك قال إنها تظهر مواقع عسكرية لمركز الدراسات والبحوث العلمية(CERS)، وهو وكالة حكومية سورية، تشارك في تصنيع الصواريخ والأسلحة لإيران.  

وهذا النوع من المراكز له فروع، يتصدرها الموجود في مصياف بريف حماة، الذي تلقى الكثير من الضربات الإسرائيلية على مدى الأعوام الماضية، إضافة إلى ثانٍ في محيط العاصمة دمشق. 

وأضاف غانتس أن "إيران استخدمت أكثر من 10 منشآت عسكرية في سوريا لإنتاج صواريخ وأسلحة متطورة لوكلائها"، وأن هذه المنشآت باتت "جبهة إيرانية أخرى"، حسب تعبيره، مضيفا: "مراكز البحوث العلمية أصبحت مرافق إنتاج للصواريخ والأسلحة الدقيقة متوسطة وطويلة المدى، والمقدمة إلى حزب الله والوكلاء الإيرانيين". 

ورغم أن الاتهامات الإسرائيلية والتحذيرات المتعلقة بالنشاط الإيراني في سوريا ليست جديدة، إلا أن نشر الخرائط والتركيز على عدد المنشآت بالتحديد بدا لافتا، لاسيما أنه جاء في سياق "التصعيد" الذي فرضته إسرائيل في سوريا، قبل أيام، مستهدفة مطار حلب الدولي لمرتين خلال أسبوع واحد. وقبل ذلك مواقع في مصياف، وفي محيط مطار دمشق. 

ودائما ما تنفي إيران الاتهامات الإسرائيلية، فيما تؤكد أن نشاطها في سوريا يقتصر على "المستشارين العسكريين" فقط.  

لكن هذه الرواية، التي تكررها طهران باستمرار، لطالما كان في مقابلها رواية معاكسة، من جانب الولايات المتحدة الأميركية وتقارير لمراكز أبحاث سورية وناشطون على الأرض، فضلا عن تقارير وصور أقمار اصطناعية نشرتها شركات استخبارات غربية وإسرائيلية. 

"سؤال يراود الكثيرين" 

وعلى مدى الأعوام الماضية، استهدفت الضربات الإسرائيلية مرارا منطقة مصياف، وهي منطقة تقع غربي حماة، حيث قال غانتس إن فيها منشأة لإنتاج الأسلحة تحت الأرض "تهدد إسرائيل والمنطقة". 

ووفق الوزير الإسرائيلي، فإن "مصياف، على وجه التحديد، تستخدم لإنتاج صواريخ متطورة". 

لكن، وبينما تم استهداف المنشأة لأكثر من مرة قبل سنوات، كان آخرها في شهر أغسطس الماضي، إلا أن النشاط الإيراني لم يتوقف فيها، وكذلك الأمر بالنسبة للمطارات السورية، التي تعرضت باستمرار لقصف جوي وصاروخي. ورغم ذلك بقي النشاط الذي ينسب لإيران فيها قائما. 

وقد أفضت هذه المعادلة إلى سؤال يرى مراقبون أنه "يراود الكثيرين"، فلماذا تصر إيران على تركيز النشاط في الموقع الذي تستهدفه إسرائيل باستمرار؟ وما الأسباب التي تدفعها للمخاطرة في كل مرة، وما إذا كان ذلك يشي بانعدام الخيارات، أم يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. 

ويشرح الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل أن السبب الرئيسي لعدم قيام الإيرانيين بنقل قواعدهم بالكامل هو أن "إعادة التوطين لن تحل المشكلة الأساسية للغارات الجوية الإسرائيلية". 

ويقول بوهل لموقع "الحرة": "لدى الإسرائيليين القدرة على إصابة أي هدف في سوريا، باستثناء تلك الأماكن التي ترغب موسكو في الدفاع عنها بدفاعاتها الجوية". 

ولذلك، وبالنسبة للإيرانيين الذين سينتقلون "سيكون لهذه القواعد تكلفة كبيرة، دون الكثير من المكاسب"، وفق الباحث الأميركي. 

وقد تكون الرواية المذكورة واقعية إلى حد قريب، كما يقول ضياء قدور، الكاتب والباحث السوري المختص في الشأن الإيراني، لكنه يرى أن الإجابة عن التساؤل له مسارات أخرى أيضا، تتعلق أكثر بالأرض.

ومن أهم هذه المسارات أن إيران تواصل النشاط في مواقع بعينها كمنشآة مصياف، في محاولة منها لاستغلال "الدفاعات الحصينة داخل الجبال، والاستفادة من الدفاعات السلبية التي تؤمنها هذه المواقع، التي تحميها من الغارات"، إلى حد ما. 

ويقول قدور لموقع "الحرة": "لدينا أكثر من نصف عقد من استهدافات طالت منشآة مصياف. تكرار الاستهدافات بشكل مستمر دليل على أن التهديد مازال قائما". 

لكن في المقابل يدل أيضا أن "إيران تستفيد وتستغل الدفاعات الحصينة التي تؤمنها الجبال الشاهقة في مصياف أو تحصينات البحوث العلمية، في خطوة للاستمرار بمشروعها الصاروخي". 

وكما "تغوص إيران ببرنامجها النووي تحت الأرض" في أراضيها، تعمل أيضا على "الغوص ببرنامجها الصاروخي في الدفاعات الحصينة داخل مصياف، وفي المناطق الأخرى المحصنة مثل جمرايا في محيط العاصمة دمشق"، حسب ضياء قدور. 

"سؤال أكبر" 

ولم تعلق إيران أو النظام السوري على حديث غانتس حتى الآن، لكن سبق أن أحجمت دمشق عن التعليق على مثل هذه الاتهامات، في وقت نفت فيه طهران تأسيسها قدرات إنتاجية للأسلحة في مناطق بالشرق الأوسط. 

ولا يعلق الجيش الإسرائيلي عادة على ضربات محددة في سوريا، لكنه اعترف بإجراء مئات الطلعات الجوية ضد الجماعات المدعومة من إيران، التي تحاول الحصول على موطئ قدم في البلاد. وذكر أيضا أنه يستهدف شحنات أسلحة يعتقد أنها متجهة إلى تلك الجماعات، وعلى رأسها "حزب الله" اللبناني. 

ويعتقد الصحفي الإسرائيلي، روعي كايس، أن "النشاط الإسرائيلي يخفف عمليات إعادة التموضع الإيرانية ونقل الأسلحة إلى سوريا". لكنه يقول: "لا يوجد شيء 100 في المئة". 

ويضيف كايس، وهو مراسل الشؤون العربية في قناة "كان" الإسرائيلية، لموقع "الحرة": "النشاط الإسرائيلي يفرض صعوبات كبيرة على الإيرانيين. عند المقارنة بما خططوا وما لديهم اليوم نرى الفرق". 

وتصر إيران، حتى الآن، على "التمدد في سوريا"، وهو ما يطرح "تساؤلا كبيرا" حسب ما يصفه كايس، مشيرا: "إلى متى؟ وكيف يمكن أن نفكر بذلك على المدى الأبعد". 

وقد قال وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، في معرض حديثه في نيويورك قبل أيام: "إذا لم يتم وقف هذا الاتجاه، في غضون عقد من الزمن، ستكون هناك صناعات إيرانية متقدمة في جميع أنحاء المنطقة، تنتج الأسلحة وتنشر الإرهاب". 

وكان يقصد في تلك الكلمات المرحلة التي وصل إليها النشاط الإيراني في عمليات تصنيع الصواريخ الدقيقة في 10 منشآت سورية. 

حميد رضا عزيزي، وهو باحث إيراني في السياسة الخارجية الإيرانية والأمن في الشرق الأوسط يوضح أن "اكتساب السيطرة على الممرات الاستراتيجية لسوريا والحفاظ عليها له أهمية استراتيجية بالنسبة لإيران. وهذا يشمل كلا من الممرات البرية والجوية". 

ولهذا السبب، تحاول إيران "جاهدة للحفاظ على مواقعها في معبر القائم/البوكمال على الرغم من الضربات الإسرائيلية"، ويضيف الباحث لموقع "الحرة": "وهذا هو السبب أيضا في أن إيران لن تتخلى عن موقعها في مطاري حلب ودمشق". 

وزاد: "هذه الأمور مهمة لإيران لإرسال دعم لوجستي للميليشيات التابعة لها في سوريا، وكذلك لحلفائها (حزب الله) في لبنان". 

ومع ذلك، ورغم هذه الاستراتيجية التي تسير بموجبها إيران، إلا أنها "تواجه الآن التحدي المتمثل في أن إسرائيل تعمل على ما يبدو على زيادة وتيرة الهجمات"، وفق الباحث الأميركي راين بوهل.  

ومن المحتمل أن يرتبط بعض ذلك (تصاعد الهجمات) بقلق إسرائيل من صفقة نووية جديدة يعتقدون أنها ستقوي إيران إقليميا. 

كما قد يكون مرتبطا أيضا بالحرب الروسية في أوكرانيا، حسب ما يضيف بوهل وأنه و"كما رأينا روسيا تسحب بعض دفاعاتها الجوية من سوريا وتعيد نشرها في أوكرانيا". 

وكانت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" قد ذكرت أنه يعتقد أن الأسلحة الكبيرة نسبيا يتم تهريبها عبر سوريا على متن شركات الشحن الإيرانية التي كثيرا ما تهبط في مطار دمشق الدولي، ومطار حلب الدولي، وقاعدة تياس الجوية (T-4) خارج مدينة تدمر في وسط سوريا. 

ويشير الباحث السوري، ضياء قدور إلى أن النشاط الإيراني في سوريا "لا يقتصر على استغلال الدفاعات السلبية والمواقع الحصينة، بل على استغلال المنشآت المدنية لأغراض عسكرية، أيضا". 

ويعتبر ما حصل في مطار حلب مؤخرا، وقبله مطار دمشق، أبرز مثال على ذلك. 

ويقول قدور: "شهدنا منذ 3 سنوات معامل ومصانع ذات طابع مدني. هذه المنشآت المدنية تستخدم لأغراض عسكرية من جانب الإيرانيين".

ويضيف: "مشروع الصواريخ الدقيقة أكبر وأكثر ما يقلق إسرائيل. من خلاله تسعى إيران لتحويل سوريا إلى منبع هذه الصواريخ التي ترسل إلى وكلائها في لبنان". 

وأثبتت الغارات الإسرائيلية على أنها قادرة على منع الإيرانيين، ولو جزئيا من إعادة التموضع في سوريا، لكن "إيران تحاول تغيير التكتيك بين الفترة والأخرى، مع ثبات الاستراتيجية". 

ويوضح الباحث: "هي تواصل المضي بمشروعها، مع إجراء تغيرات في التكتيك، بما يتناسب مع سلوك الغارات الإسرائيلية". 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".