عناصر من الأسايش التابعة لقسد
صورة أرشيفية لعناصر من وحدات الأشايس التابعة لقوات سوريا الديمقراطية

يرى خبراء عسكريون ومحللون سوريون معارضون أن التقرير الأممي الأخير الذي حذر من عودة اندلاع الصراع العسكري واتساع رقعته على الأراضي السورية لا يجافي الحقيقة، ويشير إلى مخاطر واضحة.

ولفتوا في تصريحاتهم إلى موقع "الحرة" إلى أن هناك العديد من الدلائل التي تشير إلى أن اندلاع القتال في عدة جبهات أضحى أمرا واردا أكثر من أي وقت مضى.

وكانت الأمم المتحدة قد حذرت، الأربعاء، في تقرير جديد من خطر تصاعد الصراع الدامي في سوريا بعد اندلاع عدة جبهات قتال في جميع أنحاء البلاد في الأشهر الأخيرة.

وقال رئيس لجنة التحقيق بشأن سوريا التابعة للأمم المتحدة، باولو سيرغيو بينيرو: "لا تستطيع سوريا تحمل العودة إلى القتال على نطاق أوسع لكن هذا هو ما قد تتجه إليه".

وخلص التقرير المؤلف من 50 صفحة إلى أنه على الرغم من الهدوء الذي تشهده العديد من جبهات القتال في السنوات الأخيرة، فقد زادت "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الأساسية والقانون الإنساني" في جميع أنحاء البلاد خلال الأشهر الستة الماضية.

وأشار التقرير إلى اندلاع قتال في شمال شرق سوريا وشمال غربها تسبب في سقوط عشرات القتلى من المدنيين وحد من إمدادات الغذاء والماء.

وقال عضو اللجنة، هاني مجلي، إنهم وثقوا خلال الأشهر الثلاثة الماضية على وجه الخصوص شن المقاتلات الروسية المزيد من الغارات على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

وأضاف بينيرو للصحفيين في جنيف: "كان لدينا اعتقاد في وقت ما أن الحرب انتهت تماما في سوريا، لكن الانتهاكات الموثقة في التقرير تثبت عكس ذلك".

"اشتعال الأرض"

وفي حديثه إلى موقع "الحرة" يرى المحلل والخبير العسكري السوري المعارض، العميد المنشق أحمد رحال، أن كل المؤشرات تفضي إلى "إمكانية اشتعال الأرض السورية مرة أخرى، فالأردن يقول إن حدوده لم تعد آمنة بسبب النفوذ الإيراني في جنوب البلاد وتدفق المخدرات وتهريب السلاح بشكل كبير إلى أراضيها من قبل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، والولايات المتحدة تقول إن مناطق شرق الفرات ليست آمنة بسبب الهجمات الإرهابية ميليشات موالية لإيران تستهدف حقل العمر النفطي في دير الزور وغيرها من المواقع الخاضعة لسيادة قوات سوريا الديمقراطية".

وتابع: "تركيا تهدد منذ 4 شهور بشن عملية عسكرية ضد الوحدات الكردية تحت ذريعة حماية أمنها القومي، وأما بالنسبة أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام المصنفة إرهابية في قوائم الأمم المتحدة، فمن غير المتوقع أن يشن أي حرب ضد النظام السوري ولكنه سوف يواصل سياسة القمع والاضطهاد بحق المدنيين القابعين تحت نيره في مناطق نفوذه بأدلب".

ولفت رحال إلى أن هناك تزايد واضح في قوة تنظيم داعش الإرهابي بالبادية السورية، مردفا: "يبدو أن هناك ولادة ثالثة لهذه الجماعة المتطرفة ويظهر ذلك عبر ارتفاع وتيرة هجماتها التي باتت تستهدف أطرافا عدة على الأرض السورية، وهذا يشي أيضا بمؤشر جديد على قرب اندلاع عمليات قتالية واسعة النطاق".

أما مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، فيؤكد لموقع الحرة أن الحرب في حال اندلاعها سوف تشمل أطراف عدة ولغايات مختلفة راسما سيناريو أسود ينتهي بـ"دمار شامل للدولة السورية" وربما "عدم نهوضها من جديدة مرة أخرى".

وأوضح عبد الرحمن أن قال إن هناك ثلاثة حروب رئيسية سوف تشهد سوريا في حال اندلاع القتال على رقعة واسعة، موضحا: "سوف تكون هناك حرب بين القوات التركية والفصائل الموالية لها من جهة وبين قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية والتي لعبت دورا هاما وباعتراف المجتمع الدولي في دحر تنظيم داعش الإرهابي والقضاء على معاقله الرئيسية".

وزاد: "أما الحرب الثانية سوف تكون بين القوات الكردية المدعومة من الغرب وربما القوات الأميركية معها وبين الميليشيات الإيرانية والعراقية، وبالنسبة للحرب الثالثة فسوف تندلع على الأغلب بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة التي كان قد جرى إبعادها عن المشهد عقب القتال، وبالطبع سوف يشارك في تلك المعارك ميليشيات إيران وحزب الله اللبناني"

وختم القول: " في حال اندلاع تلك الجبهات فإن سوريا كبلد سوف تنتهي".

"ثورة جياع"

من جهته، يرى المحلل العسكري السوري المعارض، العميد إسماعيل أيوب، في حديثه إلى موقع الحرة أن "سوريا أصبحت برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة مع وجود مناطق نفوذ مختلفة لقوى ذات مصالح متضاربة بالإضافة إلى إسرائيل التي تشعر بخطر وجودي جراء ازدياد سيطرة إيران على مقاليد الأمور في سوريا".

ولفت أيوب إلى أن الخطر الأكبر قد ينجم بالأساس عن قيام "ثورة جياع" في البلاد، وذلك مع تدهور الأحوال المعيشية في كافة سوريا وبالأخص مناطق النظام،

وأردف: "في حال قيام مثل تلك الثورة فإن الأوراق سوف تختلط من جديد وسوف تتجه الأمور إلى المجهول، إلا إذا استطاعت وروسيا والولايات المتحدة التوصل إلى اتفاق يفضي إلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي في مضمونها تدعو إلى حل سياسي مستدام يحفظ للشعب السوري حقوقه في ظل مجتمع ديمراطي عادل".

وشهدت سوريا منذ العام 2011 نزاعا داميا تقول الأمم المتحدة أنه تسبب بمقتل نحو نصف مليون شخص، بينما تؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومعها الكثير من المعارضين أن عدد الضحايا يزيد عن مليون شخص.

وقد ألحقت الحرب التي شهدت تدخلا روسيا في العام 2015 لصالح نظام بشار الأسد دمارا هائلا بالبنى التحتية والقطاعات المنتجة وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.

ومع احتمال عودة الحرب من جديد بحسب التقرير الأممي، فإن العميد أحمد رحال لا يعتقد أنه بالإمكان إعادة تفعيل غرفة عمليات عسكرية لدعم فصائل المعارضة كما كان الحال عندما تشكلت "غرفة الموك" في الأردن للإشراف على فصائل المعارضة في الجنوب ومنع سيطرة الجماعات المتشددة عليها.

وأوضح رحال: " لا أظن أن الغرب يفكر في دعم وتسليح المجتمع المدني في سوريا، وبالتالي لا أعتقد بإمكانية عودة غرفة الموك لوجود غرف عمليات مثل غرفة عمليات التحالف الدولي التي تعمل بالتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية، ووجود جيش مغاوير الثورة المدعوم من قاعدة التنف والذي يساهم في محاربة تنظيم داعش في البادية السورية".

وتابع: "بالنسبة لمناطق النفوذ التركي فلا يمكن إقامة غرف عمليات مدعومة من الغرب وكذلك الأمر في منطقة أدلب التي تسيطر عليها جماعة هيئة تحرير الشام الإرهابية وهنا أود أن أعرب عن استغرابي من عدم استهداف الجولاني باعتباره من أبرز قادة الجماعات الإرهابية في المنطقة ولديها سلوك قمعي لا يختلف عن أساليب نظام بشار الأسد".

وأما العميد إسماعيل أيوب، فيرى أنه وبعيدا عن نشوء غرف عمليات لدعم فصائل المعارضة السورية فإن "ما يحدث في سوريا بات يسبب الكثير من المشاكل سواء لدول الجوار مثل الأردن والعراق بالإضافة إلى ارتداداتها المتوقعة على الصعيد العالمي إذ أن الحروب القادمة وثورة الجياع سوف ينجم عنها موجات هجرة كبيرة إلى أوروبا وقد تتحول البلاد إلى ملاذ جديد لجلب لاستقطاب المزيد من الجماعات المتطرفة، وكل ذلك بسبب التعنت الروسي في دعم نظام الأسد وعدم الرغبة في التوصل إلى حل سياسي".

وأكد أيوب أنه لا يوجد حتى الآن قرار دولي بشأن إنهاء الأزمة في سوريا، مشددا على أنها لن تنتهي في المستقبل القريب إلا بحدوث اتفاق بين روسيا والغرب بما يضمن حقوق الشعب السوري ومصالح القوى العظمى في المنطقة.

وفي المقابل، يشدد رحال على أن الروس "يعانون من إحباط بعد تورطهم في المستنقع الأوكراني وتراجع دورهم في الجغرافية السورية لصالح النفوذ الإيراني، فمطار تدمر ومدينة السخنة وغيرها من المواقع التي كانت تحرمها موسكو على طهران أصبحت بقبضة الحرس الثوري الإيراني، ومحافظة دير الزور ومنطقة القلمون وتسعين بالمئة من دمشق ومحيطها أمست خاضعة للنفوذ الإيراني".

وتابع: "كل الحدود السورية الأردنية أيضا باتت تحت رحمة حزب الله والميليشيات الموالية لإيران والتي أيضا تهدد أمن إسرائيل إذ أنها بعض مواقعها لا تبعد سوى 300 متر عن خط وقف إطلاق النار مع الجولان المحتل".

وختم رحال بالقول: "أتمنى فقط على الغرب وحتى الدول العربية أن يدركوا أنه لا يمكن فصل بشار الأسد ونظامه عن المشروع الإيراني في سوريا والمنطقة، وكل ما يحصل في سوريا من تغول لميلشيات طهران مثل (فاطميون) و(زينبيون) يجري برضا النظام السوري، وبالتالي محاولات التطبيع مع الأسد لن تجدي في جعله يتخلى عن طهران لأنه ببساطة بشار وشقيقه ماهر الأسد قد أصبحوا مجرد أدوات بيد نظام ولاية الفقيه".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".