عملية نقل البيت حدثت بين العامين 2014 و2015.

تحت تصنيف "أبرز معالم زيارتك"، يقدم متحف الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني الواقع في السامرية، 20 كليو مترًا غرب العاصمة القطرية الدوحة، فرصة لزواره للتجول داخل بيت سوري تقليدي أعيد تجميعه في الموقع، وفقًا لبيانات المتحف.

وبحسب المعلومات المتوفرة على الموقع الإلكتروني للمتحف، فإن "البيت المكون من فناء وغرفتي معيشة، ويحتوي على أعمال جميلة من البلاط والنقش الشبكي (..) نُقِل من دمشق وأعيد إنشاؤه"، دون أن تتضمن البيانات آليه نقل البيت أو تاريخها.

الترويج الذي يبدو جاذبًا للسياح، كان "مستفزًا" على نحو كبير للكثير من السوريين، لاسيما خبراء الآثار، الذين انبروا للدفاع عن الآثار السورية في وجه عمليات والنهب والتهريب "الممنهجة"، كما يصف بعضهم في حديثهم لـ "ارفع صوتك". والذين يتهمون النظام بالتورط فيها عبّر المؤسسات المعنية بحماية الآثار أو المليشيات المسلحة.

الترويج لزيارة البيت الدمشقي كما يظهر على الصفحة الرسمية للمتحف.

وفيما تباينت آراء الخبراء حول هوية صاحب البيت، والتي تقول بيانات المتحف إنه يعود لأول رئيس للوزراء في عهد الجمهورية السورية، حقي العظم، اتفقوا على أن البيت نُقِل من مدينة دمشق القديمة، المسجلة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، والمدرجة حاليًا على قائمة التراث المهدّد بالخطر.

 

فيديو "تيك توك".. قضية رأي عام

 

يرجح خبراء الآثار أن عملية نقل البيت حدثت بين العامين 2014 و2015، إلّا أن الجدل حوله جاء بعد ظهوره في مقطع مصور شاركه أحد زوار المتحف عبر تطبيق " تيك توك"، معبرًا عن افتتانه بالمنزل الذي يعود تاريخه إلى 240 عامًا، والجهود التي بذلت في عملية نقله.

الصحافي نضال معلوف، مؤسس موقع "سيريا نيوز"، التقط الفيديو، وجعل من قضية البيت قضية رأي عام.

معلوف وصف عملية نقل البيت بـ"المؤلمة". وقال في فيديو على قناته في موقع "يوتيوب" إن ما يحدث بحق الآثار السورية "عملية تدمير ممنهجة"، داعيًا خبراء الآثار السوريين للعمل على شرح "الجريمة الكبيرة التي حدثت بحق التراث السوري والتراث الدمشقي (..) على أمل إعادة البيت والحفاظ على ما تبقى من بيوت".

في فيديو زائر المتحف، لوحة تعريفية، تنسب البيت لأول رئيس للوزراء في عهد الجمهورية السورية (1932-1934)، حقي العظم، وحاكم دولة دمشق (1920-1922) في عهد الاستعمار الفرنسي.

وعلّق معلوف على ذلك بالقول: "إضافة إلى أنه بيت عريق عمره 240 سنه، يمثل البيت الدمشقي، أيضًا هو بيتٌ لسياسي يشكل نوع من تاريخ سوريا، دولة سوريا منذ بداية تأسيسها".

 

خلاف حول صاحب البيت.. اتفاق على أهميته

 

الباحث في الآثار السورية، سعد فنصة، شكك بأن يكون البيت موضع الجدل، هو بيت حقي العظم فعلا.

واستند، في حديث لـ"ارفع صوتك"، إلى الوثائق التي ترجح وجود بيت حقي في منطقة المهاجرين، حيث يختلف الطراز المعماري عن البيت الذي ظهر في المتحف القطري.

يضيف فنصة، الذي عمل سابقًا مديرًا للتوثيق الأثري في متحف دمشق، والمتخصص في البيوت الدمشقية، أن "المرجح أن البيت ليس لحقي العظم، ربما كان لولده أو جده، وحقي العظم أحد الورثة".

ويشرح فنصة: "يؤسس الطراز المعماري للبيت إلى أنه يعود للبرجوازية التي عاشت في سوريا أواخر الحكم العثماني"، ويتابع: "حجارة البيت لم تنقل. النقل طال الزوايا الأثرية المزخرفة، والواجهات المعمارية".

وبعيدًا عن الخلاف حول صاحب البيت، يقول فصنة إن "تفكيك البيت ونقله خارج سوريا جريمة تضاف إلى سلسلة طويلة من الجرائم التي يمارسها النظام ضد الآثار والتراث السوري، سواء من خلال البيع أو التدمير".

ويضيف: "نزيف بيوت دمشق القديمة عمره سنوات طويلة"، مؤكدًا أنه كان شاهدًا على عشرات عمليات التدمير والتهريب التي تعرضت لها بيوت دمشق خلال فترة عمله في توثيق الآثار، محملاً النظام عبّر وزارة الآثار ومديرياتها المسؤولية المباشرة عن ذلك.

 

طريقان للتهريب، لا ثالث لهما

 

الصحافي المتخصص في الآثار السورية، عمر البنية، يتهم بدوره النظام السوري بالتورط في عملية تهريب البيت إلى قطر. يقول: "البيت يقع في مدينة دمشق القديمة التي لم تخرج طول السنوات الماضية عن سيطرة النظام، وبالتالي لا يمكن أن تخرج قطعة من البيت دون معرفة المديرية العامة للآثار والمتاحف".

ويرجح، في حديثة لـ"ارفع صوتك"، أن تكون المليشيات الإيرانية واللبنانية، المسيطرة على مدينة دمشق القديمة متورطة في عملية تهريب البيت".

ويقول الصحافي السوري إن "هناك طريقين لتهريب الآثار السورية"، هما:

الورش الأثرية الفاسدة التي تعمل في ترميم المواقع الأثرية، حيث يقوم العاملون باستبدال القطع الأصلية بقطع مزورة، ومن ثم يقومون بتهريب الأصلية إلى الخارج.

أما الطريقة الثانية، فهي سرقة الآثار من قبل المليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني، وتهريبها إلى الخارج من خلال المعابر غير الشرعية التي يسيطرون عليها على طريق بيروت-دمشق.

وفيما يتعلق بموضوع البيت، وفرص استرجاعه، يدعو بنية منظمة اليونسكو إلى التحقيق في القضية كون دمشق القديمة مسجلة على قائمة التراث العالمي.

 

مواضيع ذات صلة:

عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان يصل لنحو 795 ألفا
عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان يصل لنحو 795 ألفا

وسعت السلطات اللبنانية حملتها ضد اللاجئين السوريين لتطال أطفالهم، فوفقا لتقرير صدر قبل أيام عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، جاء فيه أن "السلطات المحلية والسياسيون في لبنان يحاولون فرض قيود تمييزية من شأنها أن تؤدي إلى حرمان عشرات آلاف الأطفال اللاجئين السوريين من حقهم في التعليم"، وتتضمن هذه القيود اشتراط حيازة إقامة صالحة كشرط للتسجيل في المدرسة.

وأشار تقرير المنظمة الدولية، الذي يحمل عنوان "أوقفوا تسييس تعليم الأطفال اللاجئين في لبنان"، إلى تغريدة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عبر صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "إكس" في يوليو الماضي، والتي طلب من خلالها من وزير التربية عباس الحلبي، أن يصدر تعميماً "للمدارس كلها على اختلافها، بعدم قبول أي طالب أجنبي سوري أو سواه ليس بحوزته إقامة صالحة وصادرة عن الأمن العام اللبناني".

ومن بين البلديات التي اتخذت هذا الإجراء، بلدية القاع، التي أصدرت في 22 يوليو تعميماً دعت فيه مديري المدارس الرسمية والخاصة والجمعيات التعليمية إلى عدم تسجيل أي تلميذ سوري دون التأكد من حيازته وأهله على إقامة شرعية صادرة عن الأمن العام اللبناني ومسجل في البلدية.

بررت البلدية تعميمها، بأنه يستند إلى "قرارات الحكومة اللبنانية وتوصيات مجلس النواب، إضافة إلى رغبة المجتمع المحلي والأحزاب المؤثرة في القاع"، وادعت أن هذه الإجراءات تهدف إلى "الحد من أعباء وجود النازحين السوريين غير الشرعيين وترحيلهم إلى بلدهم".

 

وسبقت بلدية سن الفيل بلدية القاع في إصدار تعميم مشابه، طالبت فيه المدارس الرسمية والخاصة ضمن نطاقها بعدم تسجيل أي تلميذ سوري لا يحمل إقامة شرعية، تحت ذريعة "الحفاظ على حقوق المواطن اللبناني".

تأتي هذه التعميم ضمن سلسلة من الإجراءات التمييزية ضد اللاجئين السوريين التي اتخذتها السلطات المحلية اللبنانية، شملت تقييد قدرتهم على استئجار منازل وفتح محلات تجارية، وإجبارهم على تزويدها ببياناتهم الشخصية، وترحيل من لا يملكون أوراق قانونية من نطاقها.

غطاء حكومي بنكهة عنصرية؟

يؤكد رئيس بلدية سن الفيل، نبيل كحالة، أن التعميم الصادر عن بلديته، والذي يحظر تسجيل اللاجئين السوريين في المدارس إلا إذا كانوا يحملون إقامة قانونية، "يأتي تنفيذاً لقرارات وزير الداخلية بسام مولوي ومجلس الوزراء والأمن العام اللبناني".

ويوضح كحالة في حديث لموقع "الحرة" أنه "لا يكفي أن يكون لدى النازح السوري وثيقة تثبت تسجيله لدى الأمم المتحدة، نحن نطلب إقامة صادرة عن الأمن العام اللبناني لكي يتمكن من استئجار منزل والعمل والتحاق أطفاله بالمدارس."

أي مدرسة تخالف هذا القرار "سيتم تبليغ الجهات المعنية عنها"، كما ينبّه كحالة، مشدداً على أن "هذا الإجراء ليس عنصرياً، بل هو تنفيذ للقوانين اللبنانية وليس (لقوانين) الأمم المتحدة".

ويشير إلى أن "العديد من النازحين يحملون بطاقات مصرفية متعددة، ويقوم بعضهم بفتح مشاريع تجارية وتحويل الأموال إلى سوريا، وهو ما لا يتوافق مع الصورة النمطية للنازح الذي يُفترض ألا يعمل وأن يكون معتمداً على مساعدات الأمم المتحدة".

تصرّ السلطات اللبنانية على مطالبة اللاجئين السوريين بالحصول على إقامات قانونية، رغم "العقبات البيروقراطية والمعايير الصارمة المفروضة على تجديدها"، ونتيجة لذلك، أفادت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بأن "20% فقط من اللاجئين السوريين في لبنان يمتلكون وضع إقامة صالح".

وتشير المنظمة الدولية إلى أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين علّقت التسجيل الرسمي للاجئين السوريين منذ عام 2015 استجابة لقرارات الحكومة اللبنانية، وبسبب ذلك، "يواجه 80% من أطفال اللاجئين السوريين في لبنان، الذين لم يسجلوا رسمياً ويفتقرون إلى الأوراق الثبوتية، خطر فقدان إمكانية الالتحاق بالمدارس".

"جريمة ضد الإنسانية"

يصف المدافع عن حقوق الإنسان، المحامي محمد صبلوح، قرار منع أطفال اللاجئين السوريين غير الحائزين على إقامة قانونية من التسجيل في المدارس بأنه "جريمة ضد الإنسانية"، مشيراً إلى أن "هذا الإجراء لم يسبق له مثيل في أي دولة في العالم، وهو وصمة عار على جبين لبنان، حيث يُمنع الأطفال من حقهم الأساسي في التعليم المكفول بموجب القانون الدولي واتفاقية حقوق الطفل."

على مدى سنوات، واجه اللاجئون السوريون في لبنان، "الذين يقدّر عددهم بنحو 1.5 مليون شخص، خطاباً معادياً يحمّلهم مسؤولية الأزمات المتعاقبة على البلاد"، وفقاً لما ذكرته منظمة "هيومن رايتس ووتش"، "ما أدى إلى تعرّضهم للتمييز والعنف والترحيل الجماعي".

أما الآن، تستهدف السياسات المعادية للاجئين كما تشير المنظمة الدولية "إحدى أبسط الاحتياجات الأساسية لأطفالهم، ألا وهي التعليم".

أظهرت إحصاءات عام 2023 أن "37% من الأطفال اللاجئين في لبنان على مستوى التعليم الأساسي لا يرتادون المدارس"، وفق ما تقوله المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، "وتعود هذه النسبة المرتفعة إلى عدم قدرة الأسر على تحمل تكاليف النقل والمواد التعليمية، مما يحرم العديد من الأطفال من حقهم في التعليم".

وتشدد المفوضية في حديث لموقع "الحرة" على أن "التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان وضروري لتنمية الأفراد والمجتمعات"، وفي ظل الوضع الصعب الذي يعيشه اللاجئون السوريون في لبنان، توضح المفوضية أن "تسعة من كل عشرة لاجئين يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، مما يدفع العديد من الأطفال لترك مقاعد الدراسة من أجل العمل لإعالة أسرهم".

كذلك يؤكد مكتب منظمة اليونيسف في لبنان لموقع "الحرة" على أن "كل طفل يتمتع بحق أساسي في التعليم، بغض النظر عن جنسيته أو وضعه القانوني"، لافتاً إلى أنه "يوجد في لبنان أكثر من 700 ألف طفل خارج المدارس ولا يتلقون التعليم، وهو رقم لا تستطيع البلاد أن تتحمل ارتفاعه أكثر من ذلك".

تداعيات خطيرة

الإجراءات التي اتخذتها بعض البلديات بحق أطفال اللاجئين السوريين تمثل وفق ما يقوله صبلوح "دعوة غير مباشرة لدفعهم إلى الشوارع وتهديد مستقبل جيل كامل، كما قد تؤدي هذه السياسات إلى تعميق الأزمة الإنسانية في لبنان، وزيادة معدلات الجريمة والعنف، وتدهور الأوضاع الأمنية."

أما مفوضية شؤون اللاجئين فتشير إلى أن "الأطفال الذين لا يستطيعون الالتحاق بالمدارس يواجهون مخاطر متزايدة بالانخراط في عمالة الأطفال والتعرض لانتهاكات أخرى"، مؤكدة أنه "رغم التحديات الاقتصادية والمالية، تبذل الأمم المتحدة وشركاؤها قصارى جهدهم لضمان التحاق جميع الأطفال بالمدارس".

كذلك يؤكد مكتب منظمة اليونيسف في لبنان على أن "عواقب عدم التحاق الأطفال بالمدرسة وخيمة. فعندما يُحرمون من التعليم، يصبحون أكثر عرضة للمخاطر مثل الزواج المبكر والاستغلال الجنسي والإساءة وعمل الأطفال".

ويشدد المكتب على التزام المنظمة الكامل إلى جانب شركائها بدعم الخطة الخمسية للتعليم العام في لبنان (2021-2025)، التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم العالي في يناير 2022، "هذه الجهود تهدف إلى ضمان التعليم الإلزامي من الصف الأول حتى التاسع لجميع الأطفال في لبنان، دون تمييز".

ويوضح أن "اليونيسف تتفهم التحديات الاقتصادية الكبيرة والضغوط المالية التي يواجهها لبنان" مؤكداً على أهمية التعاون المستمر مع وزارة التربية والشركاء الآخرين لضمان استمرار التعليم لجميع الأطفال في البلاد.

وكان وزير التربية والتعليم اللبناني، عباس الحلبي، أعلن خلال مقابلة مع صحيفة "لوريان لوجور" في 13 أغسطس 2024، أن الوزارة ملتزمة بالمبدأ الأساسي لـ "اتفاقية حقوق الطفل"، مؤكداً أن جميع الأطفال سيتم تسجيلهم في المدارس اللبنانية، بصرف النظر عن جنسيتهم أو وضعهم القانوني، كما أوردت "هيومن رايتس ووتش".

ومع بدء العام الدراسي الجديد، دعت المنظمة الدولية الجهات المانحة الأجنبية، التي قدمت تمويلاً كبيراً للتعليم في لبنان، إلى الضغط على الحكومة اللبنانية للالتزام بتصريحات الحلبي.

كذلك يشير صبلوح إلى أن "لبنان يتلقى مساعدات دولية باسم اللاجئين السوريين وتعليمهم، وبالتالي لا يحق له منع أي طالب من التعليم بحجة تسوية الإقامة".

ويؤكد على ضرورة مساءلة من أصدر هذه التعاميم أمام القضاء اللبناني والمجتمع الدولي، معرباً عن دعمه الكامل لتقرير "هيومن رايتس ووتش" الذي انتقد هذه السياسات، داعياً إلى التوقف الفوري عن هذه الإجراءات، التي وصفها بالعنصرية وغير الإنسانية.

ويشدد على أن "معالجة ملف اللاجئين يجب أن تتم بطرق تحترم كرامة الإنسان وتلتزم بأبسط حقوقه وفق الاتفاقيات الدولية التي وقّع عليها لبنان"، مشيراً إلى أن "الهدف من فرض قيود تعجيزية على اللاجئين هو دفعهم إلى المخاطرة بحياتهم من خلال الهجرة غير الشرعية عبر قوارب الموت بحثاً عن مستقبل أفضل".