على مدى السنوات الماضية تعرض الجيش السوري لسلسلة خسائر على كافة الأصعدة
على مدى السنوات الماضية تعرض الجيش السوري لسلسلة خسائر على كافة الأصعدة

بينما تغيب "أجواء المعارك" في الميدان السوري، وتعيش الجبهات الفاصلة بين أطراف الصراع "حالة من الجمود النسبي" يعمل النظام السوري، منذ أشهر، وبرعاية روسية على "محاكمةٍ من نوع آخر"، معلنا وبشكل متواتر عن "مشاريع تكتيكية عملياتية" تخضع إليها قواته، في مناطق متفرقة من البلاد. 

وكانت آخر هذه المشاريع التي تتمثل بـ"تدريبات بالذخيرة الحية"، قبل يومين في إحدى المناطق الشاسعة بريف محافظة دمشق، ووفق وكالة الأنباء السورية (سانا) فقد حضرها العماد أول أليكساندر تشايكو قائد القوات الروسية، فيما كان إلى جانبه حسب تسجيلات مصورة نشرتها "وزارة الدفاع" ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري. 

ورغم أن هذه الخطوة باتت "لافتة" على نحو كبير، وخاصة منذ بداية العام الحالي، إلا أن محور الاهتمام الذي ساد بين أوساط السوريين المعارضين والموالين هو صورة "ماهر"، الشخصية العسكرية التي نادرا ما تظهر على المشهد، مع أنه قائد "الفرقة الرابعة" كبرى تشكيلات "الجيش السوري"، وترتبط باسمه الكثير من الانتهاكات و"جرائم الحرب وضد الإنسانية". 

وكانت هذه التدريبات قد جاءت عقب "مشروعين تكتيكيين" في ريف حلب وبمحيط محافظة إدلب، إذ جرى الأول في السادس والعشرين من شهر يوليو عبر عمليات "الإنزال المظلي" والثاني بعده بأربعة أيام، وتضمن قفزا مظليا ومناورات "برمائية". وفي كلا الحدثين كان الضباط الروس "على الخط". 

وقبل ذلك، حصلت ذات المشاريع في منطقة البادية السورية، بينما كان محور تدريباتها "قوات النمر" التي يقودها الضابط في قوات النظام، سهيل الحسن، والمعروف بأنه يتلقى دعما روسيا خالصا من موسكو، منذ سنوات. 

وتعتبر الرواية الرسمية للنظام السوري أن الهدف من هذه التدريبات من أجل "صقل خبرات الجيش السوري لتنفيذ المهمة المقدسة"، بينما يرى مراقبون سوريون وروس أن تتعلق بمحاولة لـ"منع الترهل" من جهة، وتقف وراءها "رسائل" من جهة أخرى. 

ماذا وراءها؟ 

وبعد العمليات العسكرية الأخيرة التي حصلت في محيط إدلب السورية، عام 2020، لم يدخل "الجيش السوري" بأي معارك كبيرة كما تلك التي قادتها أولا. وفي الوقت الحالي لا توجد مؤشرات إلى أي تغيّر قد يطرأ على الجبهات الفاصلة بين أطراف الصراع. 

وفي حين أن "غياب مؤشرات تجدد المعارك" يراها مراقبون تحدثوا لموقع "الحرة" أمرا سائدا بالفعل في الوقت الحالي، إلا أن الأمر يطرح تساؤلات عن الهدف من هذه "المشاريع"، والتي يرعاها بالتحديد الجانب الروسي، وتكون بشراكته. 

الباحث المساعد في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية" والزميل في معهد "التحرير لسياسات الشرق الأوسط"، محسن المصطفى يرى أن "المشاريع التكتيكية العملياتية" التي بات يعلن عنها النظام السوري بصورة متواترة تأتي بهدف "الحفاظ على الجاهزية القتالية، خصوصا أن العمليات العسكرية انخفضت، بالتالي العساكر الجدد يجب أن يدخلوا في جو المعركة". 

ويقول مصطفى لموقع "الحرة": "لم يكن الجنود السوريون في بداية الثورة يمسكون بالسلاح دائما. لكن في الوقت الحالي الوضع اختلف".  

ورغم أن "روسيا تراقب بشكل مستمر وموجودة"، إلا أن قرار إجراء هذه المناورات تأتي من "قيادة النظام السوري، بينما يقتصر دور الجانب الروسي على مراقبة الأداء". 

وعلى اعتبار أن ظهور ماهر الأسد شقيق بشار كان الأول بـ"البدلة العسكرية" وبالتدريبات، إلا أنه وفق الباحث: "قائد فرقة، ووجوده اعتيادي. يجب أن لا نضعه في قصر عاجي"، حسب تعبيره. 

من جهته اعتبر الباحث السوري، ضياء قدور أن "المناورات العسكرية المتواترة لا قيمة لها ولا جودة عسكرية". 

ويوضح ذلك بالقول لموقع "الحرة" إن "الوسائط القتالية المستخدمة في المناورة هي مترهة ومتقادمة، ولا تملك أي جدوة في الحروب الحديثة."

"كان يمكن أن تستخدم في الحروب الكلاسيكية، لكن في الوقت الحالي لا قيمة عسكرية عالية لها"، ويضيف قدور: "الصواريخ المستخدمة ليست ذات إصابة مباشرة، وكذلك المدفعية، كلها لا تنفع في المعارك الحديثة". 

وفي المشروع "العملياتي" الأخير في ريف دمشق ذكرت وكالة "سانا" أنه بدأ "بالتأثير الناري المركب بصبيب ناري منتشر من قوات المدفعية وراجمات الصواريخ والهاونات على القوى الحية والوسائط النارية المعادية". 

وتلا ذلك "تمهيد ناري كثيف وضربات صاروخية عملياتية أرض ـ أرض، وضربات جوية شارك فيها الطيران الحربي وحوامات الدعم الناري ورمايات تركيز بمختلف الوسائط النارية". 

وأظهر تسجيل مصور نشرته "وزارة الدفاع السورية" أجواء التدريبات، وبدا الجنود فيها وكأنهم في "ساحة معركة حقيقية"، بينما كان ماهر الأسد وضباط كبار آخرين وقائد القوات الروسية ينظرون إلى مجرياتها عن بعد. 

لكن الباحث السوري، ضياء قدور يشير إلى أنه "لم يظهر أي سلاح حديث في المناورات يمكن أن يعول عليه في الحروب الحديثة". 

ويقول: "مازال النظام يعتمد على الأسلوب الروسي وهو سياسة الأرض المحروقة، وهو ما بدا من كمية النيران والقصف الجوي على منطقة معينة مركزة. النظام السوري يعتمد العقلية الروسية في المعارك والتي تسير بسياسة الأرض المحروقة. قد تنفع في جبهات ضيقة لكن بالواسعة أثبتت فشلها"، وهو ما يحصل الآن في أوكرانيا. 

"نظام روسي" 

وعلى مدى السنوات الماضية منذ بدء الثورة السورية وتحولها إلى حراك مسلح دخلت فيه العديد من الأطراف، تعرض "الجيش السوري" لسلسلة خسائر على كافة الأصعدة، بينما دخل على هيكلية بالصورة العامة ميليشيات محلية، وأخرى ساهمت موسكو في تشكيلها ودعمها. 

ولا توجد إحصائيات دقيقة عن حجم الخسائر في "الجيش السوري"، بينما تختلف القراءات بشأن التوقعات المرتبطة بمستقبله، وعما إذا كان قادرا على العودة "إلى ما قبل الحرب" أم لا. 

وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أكد في يونيو 2017، أن "أولويات روسيا ومهمتها على المدى القريب، تكمن في زيادة مستوى الجيش السوري وقدراته القتالية". 

ويأتي الهدف من هذه الأولوية "لكي تتمكن بعد ذلك موسكو من الانسحاب بهدوء إلى مراكز المرابطة في حميميم وفي قاعدة طرطوس، ولتتيح للقوات السورية فرصة العمل بفعالية وتحقيق أهدافها المرجوة". 

ورأى بوتين أن "الخبرة التي اكتسبتها القوات المسلحة الروسية في ظروف القتال بالخارج، واستخدامها أحدث أنواع الأسلحة الروسية،" يعد "أمرا لا يقدر بثمن". وتابع: "اكتسبت قواتنا المسلحة نوعية جديدة فعلا". 

ويوضح الباحث الروسي في معهد الشرق الأوسط، أنطون مارداسوف أن تفعيل التدريبات لـ"الجيش السوري" في سوريا بدأ في الأول من ديسمبر 2021، أي قبل غزو القوات الروسية لأوكرانيا.  

وفي الأول من ديسمبر، بدأت السنة الدراسية الجديدة في روسيا وبدأت فترة الشتاء للتدريب القتالي للقوات، وبالمقابل، بدأت فترة التدريب الصيفي في الأول من يونيو. 

ويقول الباحث الروسي لموقع "الحرة": "يبدو أن التدريبات القتالية للجيش السوري في سوريا تحولت مؤخرا إلى النظام الروسي"، ولذلك فإن "الأمر بسيط"، مضيفا: "تُظهر روسيا أن الحرب في أوكرانيا لا تؤثر على خططها في سوريا، لذا فهي تتمسك بدورات التدريب القتالية العادية للقوات". 

من جانب آخر، يشير مارداسوف إلى أن "روسيا قد أولت اهتماما أكبر في الأشهر الأخيرة لتدريب وحدات الفرقة 25 من القوات الخاصة، إذ يعد التدريب على مناورات المجموعات الصغيرة والهبوط من طائرات الهليكوبتر عنصرا ضروريا من حيث مواجهة إرهابيي داعش في الصحراء السورية". 

ويعتقد الباحث أن "الطريقة الأكثر ملاءمة لروسيا لإظهار نشاطها على خلفية الانحرافات في أوكرانيا، هي العمل مع القوات الأكثر استعدادا للقتال". 

"لمنع الترهل" 

في غضون ذلك وبينما يؤكد الباحث، محسن مصطفى على فكرة أن "المشاريع العملياتية التكتيكية تأتي بهدف الترهل العسكري"، لا أكثر، تحدث نظيره السوري، ضياء قدور أن للأمر ناحية إعلامية أيضا.  

ويوضح قدور: "يوجد استفادة من هذه التدريبات إعلاميا، ولإرسال رسالة لتركيا وبجزء ما إلى إسرائيل. مفادها أن الجيش السوري يستعيد عافيته، وأنه يعود إلى وضع ما قبل الحرب". 

أما الباحث الروسي، أنطون مارداسوف يشير إلى أنه ومنذ وقت ليس ببعيد تغيّر قائد مجموعة القوات الروسية في سوريا مرة أخرى، إذ عاد الجنرال تشايكو، الذي أرسل على ما يبدو إلى سوريا لإخفاقاته في أوكرانيا.  

ولذلك يقول الباحث: "يبدو أنه (تشايكو) يُظهر نشاطه وحاجته للجيش"، بينما يرى أنه تواجده بجانب ماهر الأسد "ليس عرضيا"، مضيفا: "بهذه الطريقة، تدحض القيادة الروسية شائعات الخلافات مع شقيق الأسد، رغم أن المحللين في رأيي أسيء فهمهم في البداية وبالغوا في تضخيم الأمر". 

وكانت ورقة بحثية نشرت على "مركز كارنيغي للشرق الأوسط"، في مارس 2020 قد أشارت إلى أنه "وعلى الرغم من أن الحرب الأهلية السورية لم تنته بعد، يمكن للمستشارين الروس استخدام خبرتهم في تحديث القوات السورية، للتحضير لهيكل قوة فعال بعد الحرب". 

وجاء في الورقة: "حتى لو كان النظام يسيطر بشكل كامل على الأراضي السورية، فستكون هناك فترة طويلة من عدم الاستقرار الداخلي مع خطر اندلاع انتفاضة أخرى وانفصالية إقليمية. لذلك، يبقى تطوير الجيش أولوية قصوى للحكومة السورية وحلفائها". 

"إن الحالة السيئة الحالية للقوات المسلحة في البلاد ناتجة عن خطوات متسرعة ومخصصة خلال الحرب من أجل البقاء، لكن توقف الأعمال العدائية يجعل من الممكن تنظيم وإصلاح القوات المسلحة". 

وخلصت الورقة إلى أن "القيادة الروسية جرّبت بالفعل إصلاح الجيش السوري، وتشكيل وحدات جديدة واسعة النطاق وشبه نظامية ودمج مجموعات غير نظامية وجماعات متمردة مختلفة في هذه الوحدات"، وأنه "من الصعب توقع عودة جيش ما قبل الحرب، الذي كان موجها نحو حرب تقليدية واسعة النطاق مع خصوم خارجيين".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".