مقاتلون من مسلحي المعارضة السورية
دخول هيئة "تحرير الشام" على خط المواجهات في عفرين يعد حدثا "لافتا"

تعيش منطقة عفرين والباب في ريف محافظة حلب السورية، منذ ثلاثة أيام "أجواء حرب داخلية" اندلعت بين فصائل عسكرية منخرطة ضمن تحالف "الجيش الوطني السوري". ورغم أنها ليست بجديدة، إلا أن تختلف من زاوية دخول "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة المصنفة إرهابيا) على الخط لتساند طرفا ضد آخر، في "تحوّل" هو الثاني من نوعه، منذ شهر يونيو الماضي. 

وحسب ما قال نشطاء إعلاميون وشهود عيان من المدينتين لموقع "الحرة" فإن المواجهات المسلحة استمرت حتى صباح يوم الخميس، وتستخدم فيها أسلحة خفيفة وثقيلة، وأفضت إلى "دخول قوات تحرير الشام" إلى مركز مدينة عفرين.

وطرفا هذه المواجهات هما "الفيلق الثالث" في "الجيش الوطني"، والذي تحظى "الجبهة الشامية" بالنصيب الأكبر من المقاتلين فيه. أما الآخر فهو فصيلي "فرقة الحمزة" و"فرقة السلطان سليمان شاه" (منخرطان أيضا ضمن الجيش الوطني). وهذان تساندهما "تحرير الشام" في جبهات متفرقة، وخاصة في عفرين.

ويعتبر دخول "تحرير الشام" على خط المواجهات حدثا "لافتا"، كونها تفتقد لأي نفوذ في مناطق ريف حلب الشمالي، بينما يقتصر انتشار مقاتليها في محافظة إدلب، في أقصى شمال غربي البلاد.

وقد أسفرت المواجهات، التي لا توجد مؤشرات حتى صباح الخميس على انتهائها، عن مقتل مدنيين، وإصابة آخرين، بينهم نساء، وهو ما وثقته منظمة "الدفاع المدني السوري".

وحصل موقع "الحرة" على إحصائية من المنظمة ليومي الثلاثاء والأربعاء، وجاء فيها أن المواجهات المسلحة أسفرت عن مقتل امرأة في قرية برج دالو بريف عفرين، بينما أصيب أكثر من مدنيين، بينهم طفل. 

أما في مدينة الباب شرقي حلب، فقد وثّقت المنظمة مقتل مدني وإصابة نساء وأطفال آخرين، إثر الاشتباكات، مشيرة من جانب آخر إلى أن فرقها الإنسانية أجلت 7 عائلات من منطقة سكنية بين مدينة الباب وبلدة بزاعة ونقلتهم لداخل البلدة.

كما أجلت 16 عائلة من منطقة المزارع الواقعة بين مدينة الباب وبلدة بزاعة بريف حلب الشرقي.

كيف بدأت القصة؟

ترتبط الشرارة الأولى لهذه المواجهات بحادثة اغتيال الناشط الإعلامي، محمد عبد اللطيف الملقب بـ"أبو غنوم" مع زوجته الحامل على يد مسلحين من "فرقة الحمزة"، في مدينة الباب شرقي مدينة حلب.

وبعدما ألقت قوات من "الفيلق الثالث" القبض على المسلحين، وبثت اعترافاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت حملة ضد المقرات العسكرية التي تتبع لـ"فرقة الحمزة" في مدينة الباب. وهي مسرح الجريمة التي أشعلت غضب الكثيرين من أبناء المنطقة.

وعلى الرغم أن المواجهات تبعت حادثة الاغتيال والقبض على المنفذين، إلا أن مراقبون يرون أن القصة أبعد من ذلك، وأن ما يحصل الآن تعود أسبابه لخلفيات تتعلق بـ"صراع العروش أو صراع الوجود".

يقول الباحث السوري في "مركز جسور للدراسات"، وائل علوان إن "تسارع الصراع بهذه الطريقة يثبت أن أطرافه كانت تجهّز له من قبل".

ويضيف لموقع "الحرة": "قصة مقتل الناشط أبو غنوم وسرعة الكشف بموضوع التحقيقات والجناة هو عمليا الشرارة، التي أدت إلى بدئه. لكن التحضير يعود لأشهر، من كلا الطرفين".

وبينما تستمر المواجهات على أوجها في عفرين، بالتحديد نشرت الصفحات الرسمية للفصائل المتصارعة سلسلة بيانات تبادلت من خلالها الاتهامات أو ما يصفونه بـ"البغي".

وحاول موقع "الحرة" الحصول على تعليق من جانب "الجيش الوطني" وناطقه الرسمي، إلا أنه فضّل عدم إبداء أي موقف. 

بدوره يرى الكاتب والناشط السياسي، حسن النيفي أن "هذه النتيجة هي ربما تداعيات طبيعية لمشكلة جذرية".

وبعيدا عن أي تفاصيل "يمكن القول إن أي كيان عسكري - ليس في سوريا فقط بل في العالم - تغيب عنه المأسسة وتنعدم مرجعياته القانونية والمؤسساتية يتحول إلى لصوص وقطاع طرق".

ويقول الكاتب لموقع "الحرة": "صحيح أن هناك جيش وطني وحكومة ووزارة دفاع وأشكال عدة للحوكمة في الشمال السوري كالقضاء والشرطة العسكرية والمدنية، لكن المؤكد أن كل هذه الأشكال لا تقوى على مجابهة النزعة الفصائلية، التي باتت متجذرة في الشمال السوري".

"من يحكم هم قادة الفصائل والفصيل الأقوى هو الذي يسيطر على الفصيل الآخر. إنه قانون القوة وقانون الغاب"، وفق تعبير النيفي.

"جذور للصراع"

وفي شهر يونيو الماضي حصلت مثل هذه المواجهات، لكن أطرافها كانت بين "الفيلق الثالث" من جهة وفصيل "حركة أحرار الشام"، فيما دخلت "تحرير الشام" أيضا على الخط لأول مرة، في مشهد اعتبرت سياقاته على أنه لدعم الأخيرة.

وفي تلك الفترة نشر موقع "الحرة" تقريرا (بعنوان اقتتال الجيش الواحد يفتح شهية النصرة) تحدث فيه مع مراقبين ومحللين عسكريين من أبناء المنطقة، إذ أشاروا إلى أن "انخراط جبهة النصرة يعطي رسالة لفصائل الجيش الوطني بأنها موجودة في ريف حلب، وبفارق زمني بسيط يمكنها الانتشار والتوسع".

وفي حين انتشرت "تحرير الشام" بالفعل في بعض المناطق بعفرين قبل أربعة أشهر لمساندة "أحرار الشام"، إلا أنها لم تدخل المدينة، على عكس ما حصل صباح يوم الخميس.

وتحدث الباحث وائل علوان أن المواجهات الحالية تعطي "صورة واضحة" لصراع بين "مشروعين"، الأول هو "الفيلق الثالث" والثاني هو "هيئة تحرير الشام"، والتي يوجد لها "حلفاء داخل تحالف الجيش الوطني".

واعتبر علوان أن "السبب الحقيقي هو صراع وجود وليس لامتداد النفوذ. الجولاني (قائد النصرة) يريد أن يحوّل شركائه المحليين إلى تجمع قوي يدعمه ويحميه بشكل كامل، وليكون موازيا من حيث القوة للفيلق الثالث".

"هناك مكاسب اقتصادية وتوجه واضح للمعابر. الجولاني يريد خلق معادلة جديدة في مناطق ريف حلب".

ويضيف علوان: "قد تنسحب قواته في الأيام المقبلة، لكنه بانخراطه الحالي يعمل على تثبيت شراكته مع حليفيه. هذه الشراكة تقوم على تبادل المصالح الأمنية والاقتصادية في آن معا".

من جانبه يشير الكاتب السوري، حسن النيفي إلى أن "اغتيال الناشط الإعلامي" ليس هو القصة الرئيسية المسببة للمواجهات.

ويقول: "مجمل الفصائل التي تتموضع في تلك المنطقة (ريف حلب) توجد بينها حساسيات سابقة ارتقت إلى العداوة. كل فصيل ارتأى أن يصفي حساباته مع الآخر. بمعنى الاصطياد في الماء العكر".

"الجولاني لا يخفي رغبته في التمدد والوصول إلى مناطق درع الفرات أو غصن الزيتون، ووجد في هذه الذريعة وهذا الاستنجاد من فرقة السلطان والحمزات فرصة ذهبية".

ويوضح النيفي: "ليس تحرير الشام فحسب، بل الفصائل الإسلامية وعندما تريد أن تتمدد تستخدم ذريعة أنها تريد إنهاء الفساد"، معتبرا: "هي صراعات فصائلية على الموارد وليست على أجندات وطنية أو أسباب سياسية بالمطلق".

"بين دولتين"

وينقسم الشمال السوري، الخارج عن سيطرة النظام السوري منذ سنوات، ضمن منطقتين، الأولى هي ريف حلب وتضم منطقة واسعة من عفرين وصولا إلى جرابلس والباب شرقا. وهذه تخضع لسيطرة تحالف "الجيش الوطني السوري"، الذي تدعمه تركيا.

أما المنطقة الثانية فهي محافظة إدلب، التي أحكمت "هيئة تحرير الشام" السيطرة عليها بالكامل، بعد سلسلة صدامات مسلحة مع باقي التشكيلات العسكرية الصغيرة التي كانت تنتشر في المنطقة هناك.

وما بين هاتين المنطقتين هناك اختلاف في الإدارة والتنظيم العسكري وأيضا على صعيد الاقتصاد، وتوجد أيضا حدود ومعابر داخلية، تتمركز بشكل أساسي على حدود منطقة عفرين الفاصلة.

ولم يسبق وأن كسر أحد الفصائل من الطرفين هذه الحدود، خلال السنوات الماضية، ليغدو المشهد وكأن الشمال ككل مقسم ضمن "دولتين".

لكن ومنذ مطلع العام الجديد تحدث ناشطون ومراقبون عن محاولات من جانب "تحرير الشام" لتحقيق اختراق عسكري أو أمني في مناطق ريف حلب الشمالي.

وجاء ذلك في الوقت الذي واصلت فيه الفصائل العسكرية هناك عمليات الانشقاق عن بعضها البعض وتشكيل التحالفات ذات الأسماء الكثيرة. منها ما ظهر مؤخرا مثل "غرفة عزم"، "هيئة ثائرون"، "الجبهة السورية للتحرير".

ولطالما تعرضت فصائل "الجيش الوطني" لانتقادات بشأن ظروف الانقسام التي تعيشها، فيما لم يعرف حتى الآن الأسباب التي تقف وراء استمرار حالة "التبعثر" والانشقاقات، وعدم الانصهار في جسم عسكري واحد، رغم أنها أعلنت انخراطها ضمن "تحالف الجيش الوطني"، في عام 2017.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".