هيئة تحرير الشام مصنفة منظمة إرهابية.
أصدرت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) بيانا يوضح تفاصيل اعتقال رجل المافيا الإيطالية- تعبيرية

شكل الاقتتال الداخلي بين فصائلل من "الجيش الوطني" (موالية لتركيا) في الشمال السوري، فرصة سانحة أمام هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، المصنفة تنظيماً إرهابياً للتمدد.

ووفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد تمكن التنظيم من فرض سيطرته على مساحات واسعة من ريف حلب الشمال تقدر بقرابة 650 كيلومترا مربعا، وتضم عشرات المدن والقرى أهمها مدينة عفرين وبلدة جنديرس.

ورغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه بضغط تركي، يتوقع مراقبون أن "يقتصر انسحاب الهيئة من المناطق التي سيطرت عليها خلال جولة الاقتتال الأخيرة على الرايات فيما تبقى أدوات التنظيم موجودة".

من جهتها، طالبت الولايات المتحدة الأميركية هيئة تحرير الشام بالانسحاب من مناطق ريف حلب الشمالي على الفور، وطالبت بحماية أرواح المدنيين وأملاكهم.

دخول الهيئة على خط الاقتتال الداخلي للفصائل المسلحة الموالية لتركيا، وتوسعها حمل رسائل متعدّدة، حول الانسجام بين الفصائل المسلحة المنضوية في "الجيش الوطني"، ومستقبل السيطرة في المنطقة، وانعكاسات ذلك على حياة المدنيين.

 

فرصة "الهيئة" الثمينة

 

اندلعت الاشتباكات في 11 أكتوبر الجاري، حين أقدم "الفيلق الثالث" على مهاجمة مقرات "فرقة الحمزة" على خلفية تورط عناصر من الأخيرة في مقتل الناشط الإعلامي محمد أبو غنوم، وزوجته الحامل.

"تطورت الاشتباكات إلى اقتتال بين فصائل ضمن الجيش الوطني، وهذا الاقتتال شكل فرصة ثمينة لهيئة تحرير الشام لتحقيق أهدافها التوسعية"، يقول المحلل العسكري السوري، أحمد رحال لـ"ارفع صوتك".

تمكنت هيئة تحرير الشام توسيع سيطرتها على حساب مناطق واقعة تحت سيطرة الفصائل المسلحة الموالية لتركيا، بعد أن تدخلت لصالح فرقة الحمزة في مدينة عفرين وغيرها من المدن والبلدات.

"تحرير الشام" دخلت إلى عفرين قبل أربعة أيام- أرشيفية
"النصرة خلطت كل الحسابات".. "جمود وترقب" في شمالي سوريا
يدخل الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة "مرحلة جديدة"، بعدما "خلطت هيئة تحرير الشام كل الحسابات" (جبهة النصرة المصنفة إرهابيا)، بتجاوزها مناطق سيطرتها في محافظة إدلب، ومخترقة مناطق سيطرة تحالف "الجيش الوطني السوري"، أبرزها عفرين.

وبحسب رحال، فإن "الاقتتال وتدخل الهيئة لصالح فصيل على حساب آخر، كشف عن هشاشة الجيش الوطني المدعوم من تركيا. هذه الفصائل ليست على وفاق وكل منها يعمل وفقاً لمصالحه الخاصة والجهات التي تموله".

ويتهم المحلل العسكري فصائل موالية لتركيا بالتنسيق مع هيئة تحرير الشام. يقول: "فرقة الحمزة، والسلطان إبراهيم المقربتان من تركيا فتحت الطريق أمام اندفاع هيئة تحرير الشام ووصولها إلى عفرين، وهذا لا يمكن أن يحدث دون موافقة من جهات تركية".

ورغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بعد نحو أسبوع من القتال، والذي يتضمن انسحاب الهيئة من المناطق التي سيطرت عليها، يقول رحال: "الهيئة لم تسيطر على تلك المناطق لتخرج منها، ربما تخرج راياتها فقط، لكن أدواتها ستبقى".

 

المدنيون.. الخاسر الأكبر

 

أسفرت الاشتباكات عن وقوع عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتقاتلين، إلا أنها تسببت بمقتل مدنين أبرياء.

ووفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، قتل 6 مدنيين بينهم 4 نساء، فيما تسبب القتال بتشريد قرابة 13 ألف شخص من المناطق التي شهدت عمليات عسكرية.

كذلك تأثر القطاع الصحي وأصبح الوصول إلى الخدمات الطبية في غاية الصعوبة، وتعطل وصول المساعدات إلى عشرات المخيمات نتيجة انقطاع طرق الإمدادات وعجز الفرق الإغاثية عن الوصول، كما توقفت العملية التعيلمية في مناطق الاشتباكات.

وشكل تقدم الهيئة حالة ذعر بين المدنيين الذين عبّروا في تظاهرات خرجت في العديد من المدن والبلدات عن رفضهم لوجود هيئة تحرير الشام.

يقول رحال:  "الناس خائفون من سيطرة التنظيم الإرهابي على مناطقهم. هذا التنظيم لديه تاريخ في انتهاكات حقوق الإنسان، واضطهاد النساء، والتضييق على الناس، التظاهرات التي خرجت ضده هي رسالة قوية من المدنيين".

 

وصمة الإرهاب ومستقبل المساعدات

 

إضافة للمخاطر المباشرة التي قد تشكلها سيطرة هيئة تحرير الشام على المدنيين، فإن توسعها في الشمال السوري يحمل مخاطر إضافية. من تلك المخاطر، كما يقول المحلل العسكري أحمد رحال، "سهولة وصم المنطقة بالإرهاب، وتقديم حجج جاهزة لروسيا لقصف المدنيين".

وفي السياق ذاته، يشير الباحث في مركز جسور للدراسات، فراس اللحام، إلى جملة من التبعات المحتملة لتوسع الهيئة في الشمال، وفي مقدمتها أن تعمد روسيا إلى إدخال المنطقة ضمن الإطار الجغرافي لعمليات "مكافحة الإرهاب".

وفي حديثة لـ"ارفع صوتك"، يشير اللحام إلى القصف الروسي الذي تزامن مع اقتتال الفصائل، واستهدف مناطق عسكرية ومدنية قرب مدينة إعزاز (شمال حلب). ويوضح: "هذا القصف يحدث للمرّة الأولى منذ سيطرة تركيا عبر الفصائل الموالية لها على المنطقة".

ويحذر  اللحام كذلك من تأثير سيطرة هيئة تحرير الشام على عمل المنظمات الإنسانية والإغاثية في المنطقة، والتي لا يمكنها العمل مع منظمات موضوعة على قوائم الإرهاب.

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".