شكل الاقتتال الداخلي بين فصائلل من "الجيش الوطني" (موالية لتركيا) في الشمال السوري، فرصة سانحة أمام هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، المصنفة تنظيماً إرهابياً للتمدد.
ووفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد تمكن التنظيم من فرض سيطرته على مساحات واسعة من ريف حلب الشمال تقدر بقرابة 650 كيلومترا مربعا، وتضم عشرات المدن والقرى أهمها مدينة عفرين وبلدة جنديرس.
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه بضغط تركي، يتوقع مراقبون أن "يقتصر انسحاب الهيئة من المناطق التي سيطرت عليها خلال جولة الاقتتال الأخيرة على الرايات فيما تبقى أدوات التنظيم موجودة".
من جهتها، طالبت الولايات المتحدة الأميركية هيئة تحرير الشام بالانسحاب من مناطق ريف حلب الشمالي على الفور، وطالبت بحماية أرواح المدنيين وأملاكهم.
We are alarmed by the recent incursion of HTS, a designated terrorist organization, into northern Aleppo. HTS forces should be withdrawn from the area immediately.
— U.S. Embassy Syria (@USEmbassySyria) October 18, 2022
دخول الهيئة على خط الاقتتال الداخلي للفصائل المسلحة الموالية لتركيا، وتوسعها حمل رسائل متعدّدة، حول الانسجام بين الفصائل المسلحة المنضوية في "الجيش الوطني"، ومستقبل السيطرة في المنطقة، وانعكاسات ذلك على حياة المدنيين.
فرصة "الهيئة" الثمينة
اندلعت الاشتباكات في 11 أكتوبر الجاري، حين أقدم "الفيلق الثالث" على مهاجمة مقرات "فرقة الحمزة" على خلفية تورط عناصر من الأخيرة في مقتل الناشط الإعلامي محمد أبو غنوم، وزوجته الحامل.
"تطورت الاشتباكات إلى اقتتال بين فصائل ضمن الجيش الوطني، وهذا الاقتتال شكل فرصة ثمينة لهيئة تحرير الشام لتحقيق أهدافها التوسعية"، يقول المحلل العسكري السوري، أحمد رحال لـ"ارفع صوتك".
تمكنت هيئة تحرير الشام توسيع سيطرتها على حساب مناطق واقعة تحت سيطرة الفصائل المسلحة الموالية لتركيا، بعد أن تدخلت لصالح فرقة الحمزة في مدينة عفرين وغيرها من المدن والبلدات.

وبحسب رحال، فإن "الاقتتال وتدخل الهيئة لصالح فصيل على حساب آخر، كشف عن هشاشة الجيش الوطني المدعوم من تركيا. هذه الفصائل ليست على وفاق وكل منها يعمل وفقاً لمصالحه الخاصة والجهات التي تموله".
ويتهم المحلل العسكري فصائل موالية لتركيا بالتنسيق مع هيئة تحرير الشام. يقول: "فرقة الحمزة، والسلطان إبراهيم المقربتان من تركيا فتحت الطريق أمام اندفاع هيئة تحرير الشام ووصولها إلى عفرين، وهذا لا يمكن أن يحدث دون موافقة من جهات تركية".
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بعد نحو أسبوع من القتال، والذي يتضمن انسحاب الهيئة من المناطق التي سيطرت عليها، يقول رحال: "الهيئة لم تسيطر على تلك المناطق لتخرج منها، ربما تخرج راياتها فقط، لكن أدواتها ستبقى".
المدنيون.. الخاسر الأكبر
أسفرت الاشتباكات عن وقوع عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتقاتلين، إلا أنها تسببت بمقتل مدنين أبرياء.
ووفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، قتل 6 مدنيين بينهم 4 نساء، فيما تسبب القتال بتشريد قرابة 13 ألف شخص من المناطق التي شهدت عمليات عسكرية.
كذلك تأثر القطاع الصحي وأصبح الوصول إلى الخدمات الطبية في غاية الصعوبة، وتعطل وصول المساعدات إلى عشرات المخيمات نتيجة انقطاع طرق الإمدادات وعجز الفرق الإغاثية عن الوصول، كما توقفت العملية التعيلمية في مناطق الاشتباكات.
وشكل تقدم الهيئة حالة ذعر بين المدنيين الذين عبّروا في تظاهرات خرجت في العديد من المدن والبلدات عن رفضهم لوجود هيئة تحرير الشام.
يقول رحال: "الناس خائفون من سيطرة التنظيم الإرهابي على مناطقهم. هذا التنظيم لديه تاريخ في انتهاكات حقوق الإنسان، واضطهاد النساء، والتضييق على الناس، التظاهرات التي خرجت ضده هي رسالة قوية من المدنيين".
وصمة الإرهاب ومستقبل المساعدات
إضافة للمخاطر المباشرة التي قد تشكلها سيطرة هيئة تحرير الشام على المدنيين، فإن توسعها في الشمال السوري يحمل مخاطر إضافية. من تلك المخاطر، كما يقول المحلل العسكري أحمد رحال، "سهولة وصم المنطقة بالإرهاب، وتقديم حجج جاهزة لروسيا لقصف المدنيين".
وفي السياق ذاته، يشير الباحث في مركز جسور للدراسات، فراس اللحام، إلى جملة من التبعات المحتملة لتوسع الهيئة في الشمال، وفي مقدمتها أن تعمد روسيا إلى إدخال المنطقة ضمن الإطار الجغرافي لعمليات "مكافحة الإرهاب".
وفي حديثة لـ"ارفع صوتك"، يشير اللحام إلى القصف الروسي الذي تزامن مع اقتتال الفصائل، واستهدف مناطق عسكرية ومدنية قرب مدينة إعزاز (شمال حلب). ويوضح: "هذا القصف يحدث للمرّة الأولى منذ سيطرة تركيا عبر الفصائل الموالية لها على المنطقة".
ويحذر اللحام كذلك من تأثير سيطرة هيئة تحرير الشام على عمل المنظمات الإنسانية والإغاثية في المنطقة، والتي لا يمكنها العمل مع منظمات موضوعة على قوائم الإرهاب.