فتحت قضية اغتيال الناشط السوري محمد عبد اللطيف (أبو غنوم)، في مدينة الباب بريف حلب، قبل أسابيع، باب المخاوف من التصفيات مجدداً لدى الناشطين في الشمال السوري وتحديداً في مناطق المعارضة السورية المصنفة على أنها "معتدلة". وهو الباب الذي لم يغلق عند النظام السوري أو تنظيم داعش أو حتى في المواقع التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام.
مراكز التوثيق المختلفة لم تتوقف عن نشر أعداد الصحافيين والناشطين الذين قتلوا أو تم اعتقالهم أو إخفاؤهم قسريا منذ مارس/آذار 2011.
تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقريرها السنوي الأخير، إنها وثقت مقتل 711 من الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام منذ آذار 2011 على يد مختلف أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، بينهم 52 بسبب التعذيب؛ مشيرة إلى أن الانتهاكات بحق المواطنين والصحافيين لا تزال مستمرة منذ اندلاع الحراك الشعبي في سوريا قبل 11 عاماً.
التقرير السنوي عن أبرز الانتهاكات بحق الإعلاميين في #سوريا في #اليوم_العالمي_لحرية_الصحافة
— الشبكة السورية (@SN4HR) May 3, 2022
مقتل 711 من الصحفيين والعاملين في مجال #الإعلام منذ آذار 2011 بينهم 52 بسبب التعذيب على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة
للاطلاع على التقرير كاملاً: https://t.co/mdwIDsk6cB pic.twitter.com/eQ0RlBAxds
وتم توجيه أصابيع الاتهام في البداية إلى النظام السوري بالتورط في اعتقال وتصفية النشطاء والصحافيين، من أجل الحد من نقل فيديوهات المظاهرات، خاصة بعد حظر وسائل الإعلام الأجنبية من الوجود في البلاد.
لاحقا، بدأت التنظيمات المتطرفة مثل داعش في استهداف الصحافيين والناشطين، ثم انضمت إليها هيئة تحرير الشام التي دخلت في قائمة المتهمين في نوفمبر 2018 بعد اتهامها باغتيال الناشطين الإعلاميين رائد الفارس وحمود جنيد بإطلاق نار مباشر عليهما في بلدة كفرنبل جنوب مدينة إدلب.
اليوم هو الذكرى الأولى لاغتيال أبرز وجوه العمل السلمي في محافظة إدلب الناشطين رائد الفارس وحمود جنيد في #كفرنبل.
— الائتلاف الوطني السوري (@SyrianCoalition) November 23, 2019
المجد والخلود للشهيدين#سوريا #إدلب pic.twitter.com/wswae39JBD
وتطال الاتهامات أيضا كلا من قوات سوريا الديمقراطية وباقي فصائل المعارضة في الشمال السوري بارتكاب اتهامات جسمية في حق الصحافيين والنشطاء.
خلايا الاغتيال
مع بداية الثورة، وجهت الاتهامات إلى أجهزة أمن النظام السوري بملاحقة الصحافيين والناشطين وذويهم، خاصة بعد استعادة النظام السوري السيطرة على العديد من المدن السورية بحلول 2016.
تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن 552 صحافيا وعاملا في مجال الإعلام، من مجموع الـ٧١١ قتيلا، قتلوا على يد قوات النظام السوري.
ومع توسع تنظيم داعش وامتداده في سوريا والعراق خلال الفترة الممتدة بين عامي 2013 و 2015، بات اغتيال الناشطين والصحافيين ركيزة رئيسية في عمل التنظيم، حيث ما زال مصير العشرات منهم مجهولا حتى اليوم بعد أن اختطفهم التنظيم كما في حالة الصحافي السوري الذي كان يعمل في قناة أورينت السورية المعارضة عبيدة بطل.
وتتهم الشبكة السورية داعش بقتل 64 بينهم صحافيا، كما تتهم هيئة تحرير الشام بالوقوف وراء مقتل ٨ صحافيين وعاملين في مجال الإعلام.
يقول الناشط السوري البارز معن وطفة لـ "ارفع صوتك"، والذي اضطر قبل سنوات لمغادرة تركيا إلى إحدى البلدان الأوروبية: "مع توسع نفوذ داعش، بدأ التنظيم يستقطب حتى من هو خارج سوريا والذي يحمل أفكار متطرفة. وبدأ المؤيدون له يقدمون خدماتهم لتصفية الناشطين الذي ينتقدون التنظيم\ج
ويتابع: "هنا، بدأ تشكيل خلايا دعم تكون مهمتها التواصل لتصفية كل صحفي أو إعلامي يستهدف التنظيم، وبرز نشاطهم تحديدا في المدن التركية القريبة، مثل غازي عنتاب كونها تحتضن تجمعات سورية، كما بدأت مرحلة التصفيات تأخذ منحى تصاعدياً ووحشيا".
ويشير معن وطفة إلى حالة فريق "الرقة تذبح بصمت" الذي وجد أحد أعضائه مقطوع الرأس في مدينة أورفا التركية، وحالة الناشط والصحافي السوري ناجي الجرف الذي اغتيل بطلق ناري في مدينة غازي عنتاب.
ويذكر الناشط السوري أن عناصر مؤيدة لداعش لاحقته في تركيا، ما اضطره إلى ترك عمله والانتقال إلى إسطنبول خوفاً من التصفية، قبل أن يغادر تركيا بشكل كامل.
ولم تتوقف حوادث اغتيال الصحافيين والناشطين رغم انحسار وتراجع تنظيم داعش، لكنها باتت على الأقل تنحصر داخل الحدود السورية.
يقول صحفي من درعا لـ"ارفع صوتك"، رفض الكشف عن اسمه لضرورات أمنية، إنه عاين مخاطر النشاط الإعلامي في شمال سوريا أيضا واضطر إلى مغادرة البلاد لعدم إمكانية الاستمرار في عمله هناك.
يقول الصحافي السوري إن بعض النشطاء يتم تصفيتهم أحيانا لأسباب شخصية لا علاقة لها بعملهم. ويُسهِّل انتشار السلاح من هذه المهمة، خاصة إذا كان المنفذون على علاقة بإحدى الفصائل.
إضافة إلى ذلك، تبرز الاغتيالات التي تنفذها الجماعات المسلحة، تحت ذريعة اتهام النشطاء بالتواصل مع دولة خارجية أو نشر معلومات عن الفصيل، أو العمل لحساب جهات ومنظمات دولية إعلامية خارجية "مناوئة".
من جهته، يقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني لـ"ارفع صوتك": "إن الناشط أو الصحافي المستهدف هو الذي يقوم بعملية نقد ضد القوى المسيطرة وممارساتها، وتحديداً الذي يؤدي دوراً رقابياً، أما الناشط الذي لا يؤدي هذا الدور، فلا يتم استهدافه".
ويضيف عبد الغني: "نحن لا نطالب الصحافيين بالمساس بسلامتهم، لأن سلامتهم هي أولاً، خصوصاً في ظروف معينة كما الحالة في سوريا، لأن السلطات المسيطرة، سواء النظام أو قوات المعارضة أو هيئة تحرير الشام أو قوات سوريا الديمقراطية متشابهة في تعاملها. والخطر يكمن في غياب السلطة القضائية، وعدم وجود رادع لهذه السلطات".
ويؤكد عبد الغني: "النشاط الإعلامي في سوريا منحسر بطبيعة الحال، وسيبقى على وضعه الحالي في المرحلة القادمة. أما الهبة الشعبية بعد حادثة اغتيال الناشط أبو غنوم في مدينة الباب بريف حلب مؤخراً، فتعطي مثالا على التمايز بين مناطق المعارضة والنظام، خصوصا مع تحرك الناس وخروجهم في مظاهرات، عكس مناطق النظام حيث كان يُقتل الصحافي ويمر الموضوع دون أي ضجيج، لكن في المحصلة، لم يتطور الموضوع في ما يخص الجناة".