تشكل المساعدات الإنسانية للنازحين السوريين ملفاً أساسياً في الأزمة السورية، حيث يستفيد قرابة 4 ملايين إنسان في الشمال السوري من المساعدات الأممية التي تدخل عبر الحدود أو خطوط النزاع، وفقاً لتقديرات فريق "منسقو الاستجابة"، وسط مخاوف دائمة من قطع المساعدات نتيجة تسييس الملف الإنساني.
ومرّت المساعدات الأممية للسوريين بمرحلتين، بدأت الأولى في العام 2012 وحتى مايو 2014. أما المرحلة الثانية فهي التي بدأت في مايو 2014 وما تزال معتمدة حتى الآن، وفقاً لدراسة صادرة عن مركز جسور، بعنوان: "التعافي المبكر في سوريا.. سبل تعزيز استفادة المتضررين".
وشكلت المساعدات في المرحلة الأولى استجابة لتنامي احتياجات النازحين السوريين نتيجة للصراع، حيث بادرت دول ومنظمات دولية إلى إدخال المساعدات عبر الحدود دون أي تدخل من مجلس الأمن أو قرار ينظم عملها.
ساهمت المساعدات في إنقاذ حياة أعداد كبيرة من السوريين، ووفرت الاحتياجات الأساسية لاستمرارهم على قيد الحياة، لكنها شكلت في نفس الوقت نقطة صراع عندما اعتبرها النظام السوري انتهاكاً لسيادته، وهو ما قوبل بتأييد روسي وصيني.
إلى جانب ذلك، واصل النظام السوري انتقاد دول الجوار التي سمحت بإدخال المساعدات عبر حدودها، كما عمد إلى اتهام المنظمات العاملة في الإغاثة بدعم الجماعات "الإرهابية"، وهو ما حرك المخاوف من استهداف المنظمات والعاملين فيها.
المرحلة الثانية، هي التي بدأت مع اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2156، في مايو 2014، حيث أصبح دخول المساعدات الإنسانية الدولية إلى سوريا مرتبطاً بقرار سياسي وبغطاء من الأمم المتحدة.
ومنح القرار "الإذن لوكالات الأمم المتحدة وشركائها باستخدام الطرق عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية ووضعها تحت سيطرة الأمم المتحدة".
وتطبيقاً للقرار، جرى اعتماد 4 منافذ حدودية مع العراق والأردن وتركيا لإدخال المساعدات، وهي معبرا "السلام" و"باب الهوى" مع تركيا، ومعبر "اليعربية" على الحدود مع العراق، ونقطة على الحدود الأردنية-السورية.
📢تدعو أطباء بلا حدود مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى تجديد قرار عبور المساعدات إلى #سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي وتمديده.
— منظمة أطباء بلا حدود (@msf_arabic) January 6, 2023
في حال لم يجدّد قرار توفير المساعدات عبر الحدود، سيحول ذلك دون إيصال المساعدات الإنسانية إلى شمال غرب سوريا وسيؤدّي إلى وفيات يمكن تفاديها. pic.twitter.com/eEVRaWBBQo
غير أن آلية المساعدة الدولية التي أقرها مجلس الأمن تعرضت خلال السنوات الماضية لكثير من التعديلات نتيجة للضغوط الروسية، والتهديد باستخدام "الفيتو" لإلغائها.
التراجع المستمر
بدأت الآلية الدولية بأربعة معابر حدودية، وتفويض يمتد لسنة كاملة، لكن سرعان ما أدت التدخلات الروسية والصينية إلى إدخال جملة من التعديلات على عمل الآلية بما يخدم مصالح النظام السوري.
ولم تكفّ روسيا عن الاعتراض على الآلية، وواصلت انتقادها باعتبارها تشكل "تجاوزاً لسيادة الدولة السورية"، دافعة باتجاه إيجاد دور للنظام في عملية إدخال المساعدات إلى مناطق المعارضة.
ورافق كل عملية تصويت لتجديد تفويض عمل الآلية الأممية تقديم مقترحات روسية لإدخال تعديلات تقلّل من فعالية الآلية وتعمل على إشراك النظام السوري في تنفيذها، وسط التهديد بإلغاء التفويض عبر استخدام "الفيتو".
أولى عمليات التقليص كانت بإلغاء دخول المساعدات من خلال الحدود مع الأردن في العام 2017، تبع ذلك في العام 2020، ضغوط روسية أدت إلى إغلاق معبري "السلام" مع تركيا و"اليعربية" على الحدود العراقية، والإبقاء على معبر واحد هو "باب الهوى" الذي بات يوصف بـ"شريان حياة الشمال السوري"، كما تضمنت التعديلات تجديد الآلية كلّ ستة أشهر، عوضاً عن سنة.
بالتزامن مع تخفيض عدد المعابر، تمكنت روسيا من إشراك النظام السوري في عمليات دخول المساعدات من خلال دفعها عبر خطوط التماس تحت إشراف النظام. كما ضمنت آلية تجديد التفويض الصادرة في العام 2022 دعم مشاريع إعادة التعافي المبكر التي يستفيد منها النظام لصيانة شبكات الكهرباء والمياه بتمويل من الأمم المتحدة.
وخلال سنوات عمل الآلية كان محيط معبر "باب الهوى" هدفاً للغارات الروسية، على غرار القصف المركز الذي استهدف محيط المعبر في العام 2021.
كسر "التعطيل" الروسي
مع مواصل الضغوط الروسية، والتهديد المستمر باستخدام "الفيتو" لإلغاء الآلية الأممية، بادرت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا إلى تأسيس آلية جديدة لدخول المساعدات، تكون بديلاً على الآلية الأممية في حال التعطيل الروسي.
وخصصت الدول المانحة مبلغاً أولياً لعمل الآلية بقيمة 25 مليون يورو على أن يتم توزيع المساعدات للمحتاجين نقداً من خلال المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري.
وتشير دراسة صادره عن مركز "عمران للدراسات الاستراتجية"، بعنوان: "المساعدات الدولية عبر الحدود.. بين القرارات الدولية وهوامش الحركة المتاحة" إلى تخوّف روسيا من توجه الدول إلى إيصال المساعدات خارج إطار مجلس الأمن بشكل يفقدها ورقة المساومة الدائمة، إضافة إلى حرص روسيا على عدم خسارة النظام مخصصات مناطقه من المساعدات العابرة للحدود في حال إلغاء الآلية الأممية، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادّة التي تعيشها مناطق النظام.