الفنانة السورية الراحلة مي سكاف، التي قالت "هي الثورة ثورتي حتى موت"- أرشيفية
الفنانة السورية الراحلة مي سكاف، التي قالت "هي الثورة ثورتي حتى موت"- أرشيفية

خلال 12 عاماً من عمر "الثورة السورية"، ظهرت العديد من الشخصيات التي تحولت إلى رموز للحركة الاحتجاجية، نتيجة لمواقفها من النظام السوري، أو النهاية المأساوية التي لاقتها.

في هذا المقال، نتحدث عن خمسة من الشخصيات التي برزت على الساحة السورية، ولا يزال ذكرها حاضراً.

 

حمزة الخطيب.. شوّهوا جثته

25 يونيو 2011، كان الطفل حمزة الخطيب يشارك مجموعة من المواطنين مسيرة انطلقت من بلدة "الجيزة" التابعة لمحافظة درعا، صوب مدينة درعا لفك الحصار الذي فرضته قوات النظام السوري على المدينة، عندما اعتقل على حاجز للنظام.

نقل الطفل الذي كان يبلغ 13 عاماً، إلى فرع إدارة المخابرات الجوية السورية بدرعا، ومن هناك خرج بعد أيام جثة مشوهة تفصح عن حجم التعذيب الذي مورس عليه.

تحول حمزة إلى رمزٍ لـ"الثورة السورية"، وأصبحت صورته دليلاً على قسوة النظام في التعامل مع المحتجين حتى الأطفال منهم، خاصة بعدما أظهر فيديو مسرّب لجثة الطفل منتفخة، ومغطاة بكدمات بنفسجية اللون، إضافة إلى ثقوب ناتجة عن طلقات نارية، وآثار أعقاب سجائر.

نفذ المحتجون تظاهرة خاصة لإدانة جريمة مقتل حمزة أطلق عليها "سبت الشهيد حمزة الخطيب"، ورفعت صوره في التظاهرات الشعبية التي شهدتها مختلف المدن السورية.

وأثار مقتله الرأي العام العالمي، حيث علّقت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، هيلاي كلينتون، على مقتله بالقول إنه "بات يرمز لكثير من السوريين"، كذلك جُسد في العديد من اللوحات العالمية.

 

إبراهيم قاشوش.. اقتلعوا حنجرته

"يلا ارحل يا بشار"، أنشودة شهيرة تردّدت في جميع ساحات الاحتجاج السورية، وحَصدت شهرة واسعة في العالم العربي مع انطلاق الاحتجاجات المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد.

قبل العام 2011، كان إبراهيم قاشوش المنحدر من مدينة حماة السورية شاباً مغموراً، لكن الثورة حولته إلى واحد من أشهر رموزها بعد أن نشط في قيادة التظاهرات في مدينة حماة لبراعته في تأليف الشعارات وإنشادها أمام الجماهير في ساحة العاصي.

في الأول من يوليو 2011، قاد قاشوش أكثر من نصف مليون متظاهر تجمعوا في ساحة العاصي للمطالبة بإسقاط النظام السوري، وفي أجواء حماسية أنشد "يلا ارحل يا بشار"، وهي التظاهرة التي تبعتها حملة أمنية لقوات النظام داخل المدينة، وعثر بعد أربعة أيام من التظاهرة على القاشوش في نهر العاصي وقد ذبح واقتُلعت حنجرته.

حُمل النظام المسؤولية عن قتل القاشوش بهدف وضع حد لانتشار هذا النمط من الغناء الحماسي، فيما أعلن النظام أن مجهولين قتلوه بهدف تأجيج الاحتجاجات.

 

حسين هرموش.. أعلن الانشقاق

في 9 يونيو 2011، ظهر الضابط في الجيش السوري، حسين هرموش، في فيديو مصور يعلن انشقاقه، معللاً قراره بالانحياز إلى الشعب السوري في مطالبته بإسقاط النظام، ليكون بذلك أوّل ضابط منشق، ويؤسس بعدها تنظيماً عسكرياً من المنشقين عرف بـ "لواء الضباط الأحرار".

اشتهر هرموش بعبارة "هذه هويتي" التي ختم فيها بيان انشقاقه، حتى أصبحت تستخدم على نطاق واسع من قبل السوريين تعبيراً عن "هويتهم الثورية".

شكل هذا الانشقاق صدمة للمؤسسة العسكرية، وشجع العديد من المنتمين إليها على الانشقاق، ليصبح هرموش على قائمة المطلوبين للنظام، خاصة بعد مشاركته في معارك ضد الجيش.

نتيجة للملاحقة هرب هرموش إلى تركيا حيث واصل إدارة "الضباط الأحرار" والتخطيط للعمليات العسكرية ضد النظام وحثّ العسكريين على الانشقاق.

وفي 29 أغسطس 2011، اختفى أثناء توجهه للقاء عسكريين أتراك في مخيم للسوريين على الحدود التركية السورية، ليظهر لاحقاً على التلفزيون السوري وعليه آثار التعذيب نافياً تورط جيش النظام بإطلاق النار على المدنيين، قبل أن يتم الإعلان عن مقتله في 29 يناير 2012، حيث ظهرت صورته مقتولاً في تسريبات "قيصر".

 

مي سكاف.. الثورة "ثورتها"

في 23 يوليو 2018، توفيت الفنانة مي سكاف في العاصمة الفرنسية باريس، وهي صاحبة العبارة التي تحولت إلى شعار لـ"الثورة السورية": "هي (هذه) الثورة ثورتي لحتى موت".

أعلنت سكاف عن وقوفها إلى جانب الثورة منذ يومها الأوّل، حيث شاركت في تظاهرات دمشق واعتقلت بتهمة نشر أنباء كاذبة.

تحدثت في إحدى مقابلاتها عن وقائع الاعتقال، وردها على سؤال قاضي التحقيق عن أسباب مشاركتها في الاحتجاجات، بالقول "لا أريد لابني أن يحكمة حافظ بشار الأسد".

بعدها، غادرت سكاف إلى لبنان بشكل سري، ومن هناك انتقلت إلى الأردن قبل أن تهاجر إلى فرنسا في عام 2013، حيث عاشت حياتها خائفة من الموت بعيداً عن وطنها سوريا، كما كانت تدون على صفحتها الخاصة في موقع فيسبوك، وكان آخر ما كتبته "لن أفقد الأمل".

 

عمران دقنيش.. طفل "صدم" العالم

بعد يوم من الغارات المكثفة للطيران الروسي التي استهدفت مناطق المعارضة في مدينة حلب في 17 أغسطس 2016، اجتاحت العالم صورة الطفل السوري، عمران دقنيش، وهو يجلس على مقعد سيارة الإسعاف ووجه ملطخ بالدماء والتراب، وتبدو عليه آثار الصدمة.

تصدرت الصورة الصفحة الأولى للعديد من الصحف العالمي مثل "الغارديان" و"التايمز" البريطانيتين، وأعيد بثها بشكل مكثف على مواقع التواصل الاجتماعي، وقنوات التلفزة، حتى أن مذيعة "سي إن إن" كيت بولدوان، تأثرت حد البكاء خلال عرض تقرير حول الطفل.

تحولت صورة عمران إلى رمزٍ لمعاناة مدينة حلب، وصنفت كـ"صورة أيقونية" في موقع "سي إن إن"، كما نفذ عشرات الفنانين لوحات التي تحاكي الصورة.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".