لم تتوقف الهيئات الطبية والحكومية في سوريا من التحذير من الأزمة الحادة التي يعيشها القطاع الصحي في البلاد، خاصة فيما يتعلق بالنقص الحاد في عدد "أطباء التخدير"، حيث كشف رئيس قسم العناية المشددة في مشفى الرازي الحكومي في حلب الدكتور راني صنونو أن حصة المشافي الحكومية والخاصة من أطباء التخدير في المدينة تعادل طبيباً واحداً فقط لكل مشفى.
وبين صنونو، في تصريح لصحيفة "الوطن" المقربة من الحكومة أن عدد أطباء التخدير المسجلين في فرع حلب لنقابة الأطباء نحو 140 طبيباً، يوجد منهم في حلب نحو 80 طبيباً حاليا، ويعمل منهم في مجال التخدير 50 طبيبا كحد أقصى وهو تقريباً عدد جميع المشافي الحكومية والخاصة في حلب.
أين يذهبون؟
حسب رئيس قسم العناية المشددة في مشفى الرازي بحلب، فإن الصومال واليمن والعراق تتبوأ مركز الصدارة في استقطاب هؤلاء الأطباء، بأجور تقدر 2500 دولار شهرياً للأولى والثانية و2000 دولار للثالثة، تليها دول الخليج وبهامش أجور يتراوح بين 5000 و10000 دولار شهرياً، حسب الشهادة وسنوات الخبرة، فيما يتراوح متوسط الدخل في سوريا لهؤلاء الأطباء بين 800 ألف وحتى مليوني ليرة أي ما يعادل 100 إلى 200 دولار شهريا.
بدورها، قالت رئيسة رابطة التخدير وتدبير الألم في نقابة الأطباء زبيدة شموط أن عدد أطباء التخدير في سوريا ما زال في تناقص، باعتبار أن هناك أطباء تقاعدوا وآخرين غادروا البلاد كما أن هناك عدداً مهما من الأطباء أصبحت أعمارهم كبيرة. ومن هذا المنطلق، تضيف الطبيبة، أصبحت هناك هوة كبيرة في الفئة العمرية، معتبرة أن الكثير من المختصين حالياً في التخدير يفكرون بدورهم في السفر.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن رئيسة رابطة التخدير قولها أيضا: "تناقص أطباء التخدير ما يزال مستمراً والأزمة تتجه نحو الأسوأ"، مقدرة عدد الأطباء في البلد بحوالي 250 طبيباً فقط بينما حاجة البلاد لهذا الاختصاص تصل الآلاف وأشارت إلى أن الوضع المادي المتدني هو السبب مقابل المسؤولية العالية التي يتحملها الطبيب.
وحسب القانون، تقول يجب أن يتقاضى طبيب التخدير 30 بالمئة من أجر العملية لكن التعرفة قديمة ولم تتعدل منذ 2004، ولفتت شموط إلى أن دولاً باتت تستقطب الأطباء السوريين برواتب أكبر مثل الصومال واليمن وألمانيا والإمارات وقطر والكويت والعراق.
أزمة متجذرة
أزمة شح اختصاصيي التخدير تم تداولها في أكثر من مناسبة، وهي أحد أوجه أزمة هجرة الأطباء في مختلف الاختصاصات منذ عام 2011.
ومع كل التحديات التي تواجه القطاع الطبي، خاصة نقص اختصاصيي التخدير، تحركت الحكومة السورية قبل أشهر في محاولة لاحتواء ومعالجة ترميم نقص الكوادر الطبية في مختلف الاختصاصات، عبر مجموعة من الإجراءات منها قبول عدد من طلاب كليات الطب والمعاهد التقنية الطبية والصحية وكليات العلوم الصحية والتمريض، ومن حملة الإجازة في الطب كملتزمين بالخدمة لدى الجهات العامة المعنية بالقطاع الصحي، مقابل أن يلتزم المقبول بخدمة الدولة مدة عشر سنوات، وتعد خدمة العلم من مدة الالتزام.
ويؤكد الطبيب السوري، محمد عباس، وهو مختص في علم الأمراض التشريحي في شمال سوريا، لموقع "ارفع صوتك" أن النقص المزمن الحاصل في كوادر أطباء التخدير في المستشفيات التي تقع في مناطق النظام تعاني منه مناطق المعارضة شمال سوريا أيضا، وهذه أزمة ممتدة حتى لما قبل بدء الصراع في سوريا.
يقول: "كانت الحكومة تمنحهم امتيازات، إلا أن كثير من أطباء التخدير كانوا يغادرون البلاد باتجاه دول الخليج بسبب الفارق الكبير في الأجور. أما بعد الحرب فقد تفاقمت الأزمة، بعد هجرة الأطباء من كافة الاختصاصات، حيث غادر مدينة حلب وحدها 5 ألاف طبيب باتجاه أوروبا". ويرى الدكتور عباس أن معظم الأطباء يهجرون مهنتهم أو يعملون في منظمات غير الحكومية، بسبب اشتراط الدول المستقبلة ضرورة تعديل شهاداتهم العلمية.
ولم يخف عدد من المسؤولين في سوريا مخاوفهم بخصوص أزمة تناقص عدد الأطباء. فتقديرات نقيب الأطباء السابق كمال عامر قبل عامين، تشير إلى أنه لم يبق في مناطق سيطرة النظام السوري سوى 20 ألف طبيب بعد أن غادر حوالي 70% من العاملين في القطاع الصحي البلاد، في حين يؤكد الدكتور عباس لـ"ارفع صوتك" أن النسبة باتت اليوم أقل بكثير عما كانت عليه قبل عامين. وتشير تقديرات إلى أن هناك طبيبا واحد لكل 10 آلاف سوري، بحسب تقرير سابق صدر عن اللجنة الدولية للإنقاذ.