غادر الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، دمشق، بعد زيارة استمرت يومين، وفي سلته 15 اتفاقية ثنائية وقعت بين البلدين ضمن خطّة تعاون إستراتيجي شامل بعيد الأمد.
الزيارة الأولى لرئيس إيراني إلى سوريا منذ 13 عاماً، حظيت بكثير من الاهتمام لناحية توقيتها ودلالاتها، فهي تأتي في ظل انفتاح عربي واسع على النظام في دمشق، ضمن فرضية تقوم على أن عودة سوريا إلى " الحضن العربي" ستؤدي بالضرورة لتحجيم النفوذ الإيراني.
وهي الفرضية التي يؤكد المحلل السياسي السوري، بسام جعارة، استحالة تحققها في معادلة العلاقات السورية الإيرانية، يبين لـ"ارفع صوتك": "النظام السوري يضع علاقته مع إيران في وضع أعلى من العلاقة مع الدول العربية. وزيارة رئيسي في هذا التوقيت تمثل رسالة مفادها أن الوجود الإيراني باقٍ في سوريا".
ويلفت إلى وجود "تساهل عربي في ملف الوجود الإيراني في سوريا"، ودليل عليه التوصية التي خرجت عن اجتماع عمّان، وتتعلق بخروج القوات الأجنبية غير المشروعة من سوريا، يبين جعارة: "هذه التوصية تستثني الميليشيات الإيرانية على اعتبار أن وجودها في سوريا جاء بطلب من النظام السوري".
ويعتقد أن الوجود الإيراني "سيتعزز في سوريا بعد زيارة رئيسي" مستشهداً بملف الديون الإيرانية على دمشق المُقدرة بنحو 30 مليار دولار.
وكشف وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، مهرداد بزر باش، أن تسوية الديون ستكون عبر منح دمشق أراض لإيران داخل سوريا، حسب ما نقل عنه خلال اجتماعات اللجان الفنية على هامش زيارة رئيسي.
يعلّق جعارة على ذلك بالقول "سنشهد على المدى المنظور مدناً إيرانية في مختلف المحافظات السورية، سيكون في سوريا منصات إيرانية على غرار الضاحية الجنوبية في لبنان".
وفيما لم تصدر مواقف عربية حول الزيارة، انتقدت الخارجية الأميركية مواصلة النظامين (السوري والإيراني) تعميق العلاقات بينهما، وعدّت ذلك مصدر قلق للعالم، مشيرة إلى مشاركتهما في أنشطة "خبيثة ومزعزعة للاستقرار"، وجددت موقف واشنطن على رفض التطبيع مع نظام الأسد، وحثّ الدول إلى عدم التطبيع معه.
من التحالف إلى التبعية
يذهب جعارة الذي عمل مستشاراً في رئاسة الوزراء السورية في تسعينيات القرن الماضي، إلى أن العلاقة بين طهران ودمشق شهدت تحولات كبيرة في عهد رئيس النظام السوري بشار الأسد.
ورغم التحالف الإستراتيجي الذي يربط البلدين منذ الثورة الإيرانية عام 1979، إلا أن العلاقة قبل تولي بشار الأسد في سياق "تحالف تتخلله تباينات في وجهات النظر، دون أي شكل من أشكال التبعية والإملاءات"، وفق جعارة.
ويستشهد على ذلك بواقعة خلال عمله في رئاسة الوزراء عندما طلب السفير الإيراني في دمشق مجمع وساحة الأمويين، وهو الطلب الذي رفضه الرئيس الراحل، حافظ الأسد، وعدّه تدخلاً في الشؤون الداخلية.
وترجع دراسة بعنوان "العلاقات السورية الإيرانية خلال ثلاثة عقود"، العلاقة بين البلدين إلى القرن السادس عشر، وهي علاقات أسست لها الروابط الاجتماعية والدينية، قبل أن تتحول في خمسينيات القرن الماضي إلى علاقة سياسية يحكمها العداء بين الطرفين، بسبب المخاوف الإيرانية من صعود النزعة القومية العربية، ومواقف إيران الداعمة لإسرائيل، دون أن يثمر اللقاء "اليتيم" بين حافظ الأسد، وشاه إيران محمد رضا بهلوي عام 1975، عن تبديد تلك المخاوف.

على ذلك الأساس عملت سوريا على دعم المعارضة الإيرانية التي تمكنت عام 1979 من إسقاط حكم الشاه، لتنتقل العلاقة بين البلدين إلى فضاء جديد تمثل بأن كانت سوريا أول بلد عربي يعلن تأييده للثورة الإيرانية ويدعمها بكل الوسائل الممكنة.
الموقف السوري الذي برر دعم الثورة من منطلق تحقيق المصالح العربية، لم يمنع وقوف سوريا خلال الحرب العراقية الإيرانية إلى جانب الحليف الإيراني في مواجهة خصمها العراقي، وهو الموقف الذي نقل العلاقة إلى مصافي التحالف الإستراتيجي.
بشار يعترف: ساندنا #إيران في حربها ضد #العراق ٨٠-١٩٨٨
— د. محمد عياش الكبيسي (@maiash10) May 4, 2023
نعم فأهل بغداد يذكرون أن صواريخ (الأسد) هي التي ضربتهم في ذلك الوقت
وأن (حافظا) كان قد اقترح إدخال الجيش الإيراني من جهة #سوريا لولا أن (المجتمع الدولي) رفض ذلك لأسباب معروفة
.
إنها الباطنية التي يجهلها أغلب المفكرين اليوم pic.twitter.com/FmGqKZSQhF
وبحسب الدراسة، فإن متانة التحالف بين البلدين لم تمنع سوريا من الذهاب في خطوات مخالفة للسياسية الإيرانية، ويدلل على ذلك بالانفتاح السوري على الولايات المتحدة الأميركية بعد عام 1991، وقبول سوريا المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام.
يؤكد المحلل السوري، بسام جعارة، أن الشكل السابق للعلاقة "انتهى" منذ وصول بشار الأسد الحكم، مردفاً "ما كان تحالفاً صار تبعية مطلقة، اليوم تسيطر إيران على القرار السوري، وتسيطر على مساحات واسعة من البلاد، وتعطي لنفسها موقعاً أفضل في جميع الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين. لقد أصبح النظام السوري تابعاً لطهران".