استطاع النظام السوري العودة إلى مقعده في جامعة الدول العربية، والذي كان قد جمد سنوات بسبب تعامله العنيف مع الثورة الشعبية التي تحولت إلى حرب أهلية تسببت في موجات قتل وتهجير كبيرة أثرت على التركيبية الديمغرافية للبلاد.
دمشق تعهدت مسبقا بتنظيم عمليات عودة طوعية وآمنة للاجئين، ولكن هذه العودة لا قد تعني عودة الناس إلى مناطقهم، حيث فرضت آثار الحرب السورية واقعا جديدا في العديد من المدن، والتي طالتها تغييرات ديمغرافية حيث تتوطن مجموعات جديدة من السكان، وهو ما أشارت إليه تقارير صادرة عن المرصد السوري لحقوق الإنسان ومنظمات أخرى.
بعد أكثر من عقد على الحرب في سوريا، كانت الحصيلة مقتل أكثر من نصف مليون سوري، ولجوء أكثر من 5.5 ملايين شخص لدول الجوار ونزوح قرابة 7 ملايين آخرين داخل البلاد، فيما استطاع الرئيس السوري، بشار الأسد، الحفاظ على رئاسته للبلاد.
ويشير المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير له مؤخرا إلى تواصل عمليات التغيير الديمغرافي في محافظة حلب والتي قال إنها "بأدوات تركيا المسيطرة على المنطقة"، فيما شهدت مناطق أخرى تغييرات في تركيبة السكان.
وبحسب الخارطة الديمغرافية الجديدة لسوريا، طرد معارضو النظام وغالبيتهم من السنة من مناطق عدة، وتجمعت الاقليات في مناطق أخرى، وباتت المناطق الجغرافية إجمالا من لون طائفي واحد، بحسب تقارير سابق لوكالة فرانس برس.
وقبل الحرب في 2011، كان السنة العرب يشكلون 65 في المئة من السكان مقابل 20 في المئة أقليات و15 في المئة من الأكراد.
"أكبر دولة تضم نازحين"
تكشف بيانات الأمم المتحدة أن سوريا أصبحت أكبر دولة في العالم من حيث عدد النازحين على أراضيها بعدد يناهز الـ 6.9 ملايين نازح.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في بيان صدر في 2022 إن "الاحتياجات الإنسانية تتزايد بشكل مضطرد في سوريا، حيث يوجد الآن 14.6 مليون محتاج هذا العام ونحو 6.9 ملايين شخص من النازحين".
وأضاف: "هذا هو أكبر عدد من النازحين داخليا في العالم، وهم يواجهون احتياجات عالية وقدرة محدودة على الوصول إلى الخدمات الأساسية"، مشيرا إلى أن "التقديرات تكشف وجود 90 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، ومن المتوقع أن تؤدي الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة إلى زيادة مستويات الفقر المدقع".
ووفق تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول تعزيز تنسيق المساعدة الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة في حالات الطوارئ، تستضيف دول الجوار السوري أكثر من 5.6 ملايين لاجئ يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.
المدن التي طالتها تغييرات ديمغرافية
مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، قال في تصريحات لموقع "الحرة" إن "التغييرات الديمغرافية طالت العديد من المدن في سوريا بما في ذلك العاصمة دمشق وريفها".
وأضاف أن التركيبة السكانية تم تغييرها بشكل ممنهج في مدن وقرى " عفرين ورأس العين ومنطقة البوكمال والميادين وتغييرات بقسم من دير الزور، وحلب وريفها وحمص".
وأوضح عبدالرحمن أن عفرين التي تتبع حلب تعتبر من أكثر المدن التي تم تهجير سكانها الأصليين و"توطين سكان من التركمان وسوريين من محافظات أخرى وفلسطينيين كانوا موجودين في سوريا".
ويتهم الأكراد تركيا بممارسة التهجير العرقي. ويقول محللون لوكالة فرانس برس إن أنقرة تسعى لتحديد منطقة تعيد إليها اللاجئين السوريين الموجودين على أرضها، بالاضافة الى إبعاد الاكراد عن حدودها.
ويكشف المرصد في تقرير نشره مؤخرا أن التغييرات الديمغرافية التي تشهدها حلب تتم باستراتيجيات وأدوات تركية التي تسطير على المنطقة كلها، والتي يساندها دعم "قطري وفلسطيني" بذريعة عمل المنظمات الإنسانية.
وأعلن مؤخرا عن افتتاح "قرية الأمل2" في ريف عفرين والتي تضم 500 وحدة سكنية ومدرستين وحدائق ومستوصف ومسجد، فيما سبقها بناء مجمع سكني يضم 200 منزل مسبقة الصنع والذي تعاون فيه إنشائه "فصيل أحرار الشام" الموالي لتركيا ومنظمة "أجنادين" الفلسطينية وفصيل "أحرار الشرقية".
وتعمل الفصائل المسلحة الموالية لتركية على توطين "عائلات داخل المخيمات والمجمعات السكنية"، بحسب المرصد.
وحاول موقع "الحرة" الحصول على تعليق من السفارة التركية والسفارة القطرية في واشنطن من دون إجابة حتى وقت كتابة هذا التقرير.
الكاتب المحلل السوري، حسن النيفي، تحدث بأن "عمليات التغيير الديمغرافي في سوريا كانت "استراتيجية حاسمة لنظام الأسد، والتي عززها الدعم العسكري الذي تلقاه من روسيا وإيران بحجة استعادة المناطق الجغرافية التي أصبحت خارج سيطرتهم"، في خطوة هدفت إلى تأسيس ما أطلق عليه الموالين لدمشق اسم "المجتمع المتجانس".
وحدد النيفي وهو مقيم في فرنسا في رد على استفسارات موقع "الحرة" 6 مدن ومناطق أساسية طالتها تغييرات ممنهجة في التركيبة السكانية، وهي كالآتي:
داريا ومعضمية الشام في الريف الدمشقي
حيث قامت ميليشيات إيران بقيادة قاسم سليماني بحصار داريا قرابة عام كامل تقريبا، حتى أُجبر سكانها على أكل لحوم القطط والحشائش، ومن ثم أجبروا على النزوح نتيجة الحصار الخانق في شهر أغسطس من 2016، وتم ترحيلهم إلى مناطق الشمال السوري.
وبعد ذلك منع سكان داريا من العودة إلى بيوتهم التي تحولت إلى "مرتع لميليشيات إيران، بالتعاون والتنسيق مع مجموعة من شبيحة النظام وتجار العقارات الموالين للنظام، وهي حتى الآن مفرغة من سكانها الأصليين".
الغوطة الشرقية
اقتحمتها قوات النظام تساندها الطائرات الروسية في فبراير من 2018 حيث تم ترحيل أغلب سكانها نتيجة الاقتحام الروسي باتجاه مدن الشمال السوري ولم يبق فيها سوى العدد القليل، الأمر الذي أتاح للإيرانيين من جديد السطو على العقارات والبيوت التي نزح أهلها عنها.
مدينة درعا
تعرضت لاقتحام قوات الروس والنظام في صيف 2019، وانتهت المعارك بتسويات أجبرت من لم يقبل بها على النزوح، ولكن لم تتمكن دمشق من العبث بالبنية السكانية في درعا لسببين: بقاء قسم كبير من مقاتلي المدينة نتيجة تسويات مع النظام والروس، ثم طبيعة التجانس الاجتماعي لسكان حوران الذي لا يمكن اختراقها أو تغييرها بسهولة.
أدلب، أعزاز، الباب، جرابلس
تشهد هذه المدن اكتظاظا سكانيا كبيرا لكونها خارج استهداف القصف الروسي وطائرات النظام ، وهي تقع تحت النفوذ التركي بموجب التفاهمات الروسية التركية، الأمر الذي جعلها ملاذا لمئات الآلاف من سكان الريف الدمشقي وحمص ودير الزور وبقية المدن التي تعرض سكانها للحصار ومن ثم الترحيل، وقد أدى هذا الاكتظاظ السكان إلى تغيير البنية السكانية بنسبة 60 في المئة، إذ فقدت هذه المدن والبلدات الكثير من سماتها وخصوصياتها الاجتماعية والسكانية.
منطقة عفرين
في عفرين ذات الأغلبية الكردية، تعرضت لهجوم من جانب القوات التركية وفصائل الجيش الوطني ضمن عمليات تركية عسكرية أكثر من مرة تحت ذريعة تواجد قوات حزب الاتحاد الديمقراطي التابع لحزب العمال الكردستاني، ونزح معظم سكان المنطقة الأصليين من الأكراد، وحل مكانهم آخرون جاؤا من بقية المناطق السورية، وخاصة من الغوطة والريف الدمشقي ودير الزور، كما شهدت المدينة على إثر ذلك حالات عديدة من النهب والاعتداء على الممتلكات وقطع أشجار الزيتون من جانب فصائل مسلحة في تلك المدينة.
منبج، الرقة
شهدت منبج والرقة قدوم العديد من الهجرات السكانية من المناطق والبلدات الأخرى التي تعرض أهلها لحصار وقصف النظام، ونظرا للحالة الأمنية المستقرة نسبيا فيهما بسبب وقوعهما تحت النفوذ الأمريكي وعبر حليفتها "قسد" فإن نسبة السكان الوافدين في الوقت الراهن تبلغ ضعف السكان الأصليين، الأمر الذي أدى بشكل تدريجي إلى تغيير الطابع الاجتماعي والتوزع السكاني في هاتين المدينتين.
الدور الإيراني في التغيير الديمغرافي
و"لم يكن دعم ايران للنظام السوري مجانا بل كان مدروسا، بهدف توطين مليشيات من حزب الله وغيرها من الفصائل المسلحة التي تمركزت في دمشق وفي الجنوب السوري"، بحسب تعبير عبدالرحمن.
ويرى أن "طهران لديها رؤية إستراتيجية بعيدة المدى من أجل استمرار تواجدها وتمركها في سوريا، لتقوم بعمليات تهجير قسري للسوريين في مناطق في دمشق وريفها ودرعا وحمص وغيرها من المناطق، حيث وطنت مليشياتها وفرض على الأهالي الأصليين بيع عقاراتهم بأسعار رخيصة، ناهيك عن الاستيلاء ووضع اليد على الأملاك، ونشر ما يعرف بـ"التشيع" أكان بالترغيب أو الترهيب.
وقال "في دمشق أصبحت ترى الرايات السوداء والأعلام في حاراتها، وضواحيها، خاصة في المناسبات التي تحمل طابعا دينيا عند أتباع المذهب الشيعي".
الدور التركي في التغيير الديمغرافي
وحذر مدير المرصد عبدالرحمن من استمرار تركيا في تجاهل القوانين الدولية لحقوق الإنسان، حيث تقوم بفرض واقع جديد في الشمال السوري.
وأوضح أنه بمجرد أن تضع قدميك في عفرين سترى الرايات التركية، وتسمع اللغة التركية، وستجد محاكم يشرف عليها قضاة أتراك، وهو أكبر وجه على التغيير الديمغرافي.
ودعا عبدالرحمن إلى ضرورة تدخل المجتمع الدولي العاجل لوقف تهجير أهالي عفرين وتل أبيض، حيث يتم الاستيلاء على عقارات وأراضي سكان المنطقة الأصليين.
شمال غرب سوريا
وتكشف أرقام مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الاستجابة العالمية للطوارئ "أو سي اتش أيه" أن عدد سكان شمال غرب سوريا حوالي 4.5 مليون نسمة، حوالي 4.1 مليون شخص منهم يصنفون ضمن الفئات المحتاجة، و3.3 مليون منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
ويبلغ عدد النازحين في مناطق شمال غرب سوريا حوالي 2.9 مليون نازح، بينهم 1.9 مليون شخص يعيشون داخل مخيمات.
ووفقا لبيانات المكتب في ديسمبر 2022، فقد تم رصد حركة 21 ألف نازح داخليا في سوريا، وهي أقل بنسبة 44 في المئة عما سجل في الشهر الذي سبقه، والتي تركزت في شمال غرب سوريا، وأكثر من 90 في المئة منها داخل محافظ إدلب.
"اتفاق المدن الأربع"
الناشط الحقوقي السوري، بسام الأحمد يصف مسألة التغيير الديمغرافي التي تشهدها المدن السورية بالأمر "الحساس والمهم"، مشيرا إلى وجود مصطلحات عديدة تستخدم للتعبير عن التغيير السكاني الممنهج في بعض المناطق مثل "التغيير الديمغرافي، الهندسة الديمغرافية، التهجير والتشريد القسري".
ويشرح الأحمد وهو مدير منظمة "سوريون من أجل الحقيقة" في حديث لموقع "الحرة" أن معظم المدن السورية شهدت شكلا من أشكال التغيير الديمغرافي، ففي بعضها تم تهجير السكان الأصليين من مناطقهم وإبقاء البلدات فارغة، وفي بعضها الآخر تم تهجير السكان وإحلال آخرين مكانهم.
وأشار إلى أن بعض هذه الممارسات وصفتها تقارير أممية بأنها ترقى لمستوى "جرائم الحرب" بالتهجير القسري، مثل ما حصل في شرق حلب، مؤكدا أن الحرب في سوريا "كانت قائمة على الديمغرافيا" بشكل كبير والتي أستهدفت فيها الأحياء "السنية" أو أحياء "تواجد المعارضة" بغض النظر عن مذهبهم.
ونقل الأحمد عن تقارير وأنباء عديدة تحدثت خلال السنوات الماضية عن تجنيس ومنح جوازات سفر سورية لإيرانيين ومواطنين من تركستان وأوزبكستان خاصة في مناطق إدلب وجسر الشغور.
وسلط الضوء على ما اصطلح تسميته بـ"اتفاق المدن الأربع"، والذي يتعلق بـ"مضايا والزبداني" مقابل "كفريا والفوعة" ويعود إلى عام 2017.
وأبرم اتفاق "المدن الأربع" بين ما كان يعرف باسم "جيش الفتح" وميليشات موالية لحزب الله وإيرانية، حيث اتفق على إخلاء "كفريا والفوعة المواليتين للأسد في شمال سوريا" مقابل نقل "مقاتلين من مضايا والزبداني إلى شمال البلاد مع عائلاتهم"، إذ أشرف على تطبيق هذا الاتفاق لجان مشتركة من قبل النظام السوري وبعض الأهالي.
ويقول الأحمد إن كل أطراف النزاع في سوريا كان لها ممارسات "تهجير قسري" حيث كان هناك تهجير لقرى يسكنها العرب من قبل قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وهو ما أشارت إليه تقارير دولية صدرت خلال السنوات الماضية.
الاستيلاء على الممتلكات
وكانت لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا قد وثقت أنماطا ممنهجة ومتكررة لأعمال النهب والاستيلاء على الممتلكات، والتي تم رصدها في مناطق شمال سوريا وبدعم تركي بحجة أن ملكيتها تعود لعناصر من وحدات حماية الشعب، أو أفراد كانوا عاملين في مؤسسات الإدارة الذاتية.
وعلى صعيد متصل حذر محامون ومنظمات حقوقية من قانون التنظيم العمراني في سوريا الذي صدر في 2018، والذي قد يحرم بموجبه ملايين النازحين واللاجئين من العودة الى منازلهم في حال لم يتمكنوا من إثبات ملكيتهم.
ويتيح القانون رقم 10 الذي وقعه الرئيس السوري في أبريل 2018، للحكومة "إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر"، ما يعني إقامة مشاريع عمرانية في هذه المناطق، على أن يعوض أصحاب الممتلكات بحصص في هذه المشاريع، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.
هذا القانون ليس سوى تعديل موسع للقانون رقم 66 الصادر في العام 2012 والمتعلق بإنشاء مجمعين في مناطق مدمرة جراء الحرب في ضواحي دمشق فقط.
وبحسب القانون، يجدر بالجهات المعنية إبلاغ المالكين وأصحاب الحقوق خلال مهلة شهر من تحديدها منطقة معينة سيتم العمل فيها. وخلال شهر من هذا الإعلان، يجدر بأصحاب الممتلكات أن يتقدموا مباشرة او عبر وكيل بالوثائق التي تثبت ملكيتهم أو إثباتها عن طريق تحديد تفاصيل معينة في حال غابت المستندات المطلوبة.
وفي حال لم يتمكنوا منذ ذلك، فإنهم سيفقدون ممتلكاتهم.
حتى قبل الحرب السورية، لم يكن الكثيرون يملكون وثائق عقارية، وفق تقرير صادر في العام 2016، عن المجلس النرويجي للاجئين.
وبات من الصعب أيضا على الكثيرين الحصول على الأوراق اللازمة من المراكز الرسمية كون الكثير منها تدمر جراء الحرب، مثلما حصل في مدينة حمص.
وجاء في تقرير المجلس النرويجي أن "خسارة تلك الوثائق قد تتيح لأشخاص آخرين السكن في تلك الممتلكات او نقلها لغيرهم او استخدامها تجاريا".
ولم يتمكن الكثير من النازحين او اللاجئين الفرار بأوراقهم الثبوتية وحتى جوازات سفرهم او هوياتهم او أي فواتير قديمة أو مستندات تثبت ملكيتهم.
وفي العام 2012، صدر قانون يتيح للحكومة السورية مصادرة أراض إذا ثبت أن مالكيها "إرهابيون"، وهو مصطلح يستخدمه النظام لمعارضيه. وحذرت حينها منظمتا "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" من أن يحرم القانون رقم 10 السوريين من حقوقهم لأسباب سياسية ومالية.
موجات الهجرة
منذ عام 2011 شهدت سوريا 4 موجات من الهجرات والتي نتج عنها موجات نزوح داخلية وموجات لجوء خارج البلاد، الأولى كانت خلال الأعوام 2011 وحتى 2014، والثاني خلال عامي 2014 و2015، والثانية خلال 2015 و2016، والرابعة بين عامي 2019 و2020.
والغالبية العظمى من اللاجئين الذين غادروا سوريا هم العرب السنة، وعدم عودتهم يعني "تغييرا جوهريا في الفسيفساء السورية" بحسب دراسة نشرها مركز جسور للدراسات ومقره إسطنبول.
وتشير إلى أن "النظام السوري وبدعم إيراني" يدعم أي جهود تعيق من عودة اللاجئين من الخارج، وحتى تحرم النازحين من العودة لأراضهيم، خاصة الذين هدمت مناطق سكنهم الأصلية، وهو ما يدفع بحدث تغيير في التركيبة السكانية داخل المدن خاصة في المدن المختلطة مثل حمص.
أسباب هجرات السوريين
ويرى مدير المرصد عبدالرحمن أن هناك "رفضا كبيرا للتغييرات الديمغرافية في المدن السورية، وما يعيشه الشمال السوري دليل قاطع على ذلك".
وتابع أن بعض المدن شهدت تهجير سكانها من السنة والمسيحيين وحتى العلويين في بعض المناطق، حيث تم توطين سكان من جنسيات أجنبية، وبعضهم منخرطين في فصائل مسلحة قدموا من خارج سوريا.
وحددت دراسة مركز جسور 7 أسباب لهجرات السوريين:
- البحث عن الأمان: منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا في 2011 لجأ النظام السوري إلى استخدام العنف المفرط، ونفذت حملات واسعة من المداهمات والملاحقات الأمنية، وهو ما دفع العديد من الأهالي للبحث عن مناطق آمنة للعيش حيث بدأت الهجرات تتدفق خارج سوريا إلى الدول المجاورة، وهو ما استمر طوال العقد الماضي.
- الخوف من الاعتقال: كان الخوف من الاعتقالات دافعا أساسيا لهجرة السوريين، وتم توثيق نحو 130 ألف اعتقال في 2020 وضعوا في سجون النظام السوري، 85 في المئة منهم تحت الاختفاء القسري، فيما تشير التقديرات إلى مقتل ما لاي قل عن 15 ألف شخص داخل المعتقلات بسبب التعذيب وسوء الرعاية الصحية.
- الخوف من الاغتصاب: خلال الأعوام 2012 و2013 دفعت ممارسات "الشبيحة" الموالين لنظام الأسد باغتصاب النساء في المناطق التي تشهد احتجاجات إلى هرب العديد من العائلات حتى من الذين لم يشاركوا في التظاهرات خوفا من الاعتداءات الجنسية التي ترتكب أثناء عمليات الاعتقال من قبل النظام السوري، حيث كان يستخدم الاغتصاب كوسيلة "للإضرار بكرامة الإنسان" واستراتيجية للحرب.
- الهروب من الحصار والمجاعة: استخدم قوات النظام السوري بشكل كلي أو جزئي أكثر من 36 مدينة وبلدة في عام 2013، وهو ما دفع السكان إلى الفرار إلى مناطق أخرى بحثا عن الأمن وعن توفر مكان صالح للعيش.
- الخوف من التجنيد: التجنيد الإجباري كان سببا أساسيا لهجرة الشباب من مناطق سيطرة النظام السوري. وفي 2019 قالت دمشق إن عدد الفارين من الخدمة العسكرية الإلزامية تجاوز 53 ألف فرد.
- البحث عن بيئة أمنة للعمل: لجأ العديد من أصحاب رؤوس الأموال إلى خارج سوريا من أجل البحث عن بيئة أفضل للحفاظ على رؤوس الأموال التي يمتلكونها ومتابعة أعمالهم.
- البحث عن مكان أفضل للحياة: لجأ الكثير من السوريين إلى أوروبا وأميركا للحصول على حياة أفضل بعد أن واجهوا حياة صعبة في مخيمات اللجوء، حيث لم يكن هناك وفرة في مياه الشرب أو الغذاء أو التعليم والرعاية والصحية والعمل.
5 تكتيكات لإحداث تغييرات ديمغرافية
"تغييرات ديمغرافية تدعم استبداد الأسد"، هذا كان عنوان دراسة نشرها المركز العربي واشنطن دي سي والذي يتبع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومقره الدوحة.
وتوضح أن عدد سكان سوريا بلغ قبل الحرب 21 مليون نسمة، ولكن في عام 2018 انخفض لأقل من 18.5 مليون نسمة، بدلا من وجود زيادة طبيعية، إذ هرب من البلاد أكثر من 5.6 ملايين لاجئ، ناهيك عن نزوح أكثر من 6.6 مليون شخص، فيما لقي أكثر من 560 ألف سوري مصرعهم بسبب الحرب.
وخلال سنوات الحرب ارتكب النظام جرائم حرب استخدم فيها أسلحة كيماوية وممارسات أجبرت ملايين الأشخاص على الفرار من ديارهم، والتي أثرت بشكل عميق على "التركيبة الطائفية والعرقية للمجتمع السوري".
وأشارت الدراسة التي أعدها الكاتب رضوان زيادة مؤلف كتاب "تدمير سورية: كيف نجحت استراتيجية (الأسد أو نحرق البلد)" إلى وجود خمسة تكتيكات تبعها النظام لتضمن "خلق بيئة سياسية أكثر مرونة لخنق المعارضة وتضمن السيطرة على المدى الطويل"، من خلال إيجاد واقع طائفي وعرقي جديد، وهذه الاستراتيجيات هي:
استخدام القوات الجوية
إذ بدأت دمشق تستخدمها ضد مناطق سيطرة المعارضة في يوليو 2012، واستمرت بعد ذلك طوال فترة الحرب، والتي استخدمتها ضد المدارس والمستشفيات والبنية التحتية، ناهيك عن استدام البراميل المتفجرة، والتي أحدثت دمارا ضد أهداف مدنية، فيما تشير تقديرات إلى أن ثلاثة أرباع القتلى في عمليات القصف الجوي من النظام السوري كانوا من المدنيين.
حصار المدن والقرى
حيث استخدم النظام السوري الحصار على نطاق واسع في العديد من المناطق التي يسيطر عليها المعارضون في سوريا كسلاح حرب، وفقا لما خلصت إليه لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الحرب في سوريا، إذ انتشر في نهاية عام 2012 شعار "أستسلام أو تجويع"، ليستخدم كعقاب جماعي ضد كل منطقة لم يتمكن النظام من السيطرة عليها.
جرائم عرقية ومذهبية
خلال سنوات الحرب الأولى في سوريا وقعت العديد من المجازر العرقية والطائفية، واستهداف المعتقلين باغتصابهم بناء على الشك بولائهم، وكان الهدف من هذه المجاز هو "خلق سوريا موالية" لبشار الأسد.
التهجير الطوعي والقسري
أصدر النظام السوري عدة قوانين ومراسيم تحتوي قواعد غامضة تعاقب سكان مناطق المعارضة بذرائع مختلفة منها الفرار من الخدمة العسكرية، وبما دفع بتهجير الأهالي في بعض المناطق وحثهم على عدم التفكير بالعودة لمساكنهم، والتي نتج عنها تهجير قسري لعشرات الآلاف من 30 مدينة وقرية خاصة في مناطق شمال البلاد.
وتنقل الدراسة عن وجود أنباء تتحدث عن "منح الجنسية السورية لأعداد كبيرة من أبناء الطائفة الشيعية من لبنان والعراق وإيران وتوطينهم في مناطق أخليت من السوريين السنة".
مصادرة الأملاك بقوة القانون
يستخدم النظام السوري سياسات وقوانين رسمية لمصادرة منازل اللاجئين وأراضيهم وممتلكاتهم، فيما استخدمت وثائق مزورة للمطالبة بملكيات من قبل موالين للنظام، ناهيك عن إتلاف متعتمد لسجلات مدنية في بعض المدن، مثل ما حصل في حمص ومناطق أخرى، فيما تم تغيير معالم وأسماء بعض الشوارع والأحياء لوضع عوائق وارباك أمام أصحاب الممتلكات.
خيارات العودة
وخلال الاجتماع التشاوري الذي عقد حول سوريا في العاصمة الأردنية عمان مؤخرا، قبل التصويت بأيام على عودتها لجامعة الدول العربية، أكد البيان الختامي على أن "العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم هي أولوية قصوى ويجب اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فورا".
وحض البيان على "تعزيز التعاون بين سوريا والدول المضيفة للاجئين بالتنسيق مع الأمم المتحدة لتنظيم عمليات عودة طوعية وآمنة للاجئين وإنهاء معاناتهم، وفق إجراءات محددة وإطار زمني واضح".
واتفق المجتمعون في على أن تبدأ الحكومة السورية "بتحديد احتياجات لازمة لتحسين الخدمات العامة المقدمة في مناطق عودة اللاجئين للنظر في توفير مساهمات عربية ودولية فيها".
كما اتفقوا على أن توضح دمشق "الإجراءات التي ستتخذها لتسهيل عودتهم، بما في ذلك في إطار شمولهم في مراسيم العفو العام".
وتظهر بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الاستجابة العالمية للطوارئ عودة 4200 نازح طوعيا داخل سوريا في ديسمبر الماضي، والتي كانت أكثر من 65 في المئة منها داخل محافظ درعا.
وأشار إلى أن حركة عودة النازحين تعني عمليات عودتهم إلى ديارهم أو مناطق تجماعاتهم السكانية الأصلية، وهي لا "تتبع بالضرورة التعريفات العالمية للعائدين، أو الحلول المستدامة للنازحين داخليا".
وقبل ذلك رصد المكتب عودة طوعية لـ13 ألف نازح داخليا في سبتمبر في جميع أنحاء سوريا.
وتشير دراسة مركز جسور إلى أن "الهجرة" من سوريا ظلت الخيار المفضل للسوريين في مناطق الصراع المختلفة، والمبادرات لإعادة اللاجئين والنازحين فشلت في تحقيق نتائج مرضية، حيث كانت معظمها مبنية على أهداف سياسية أو اقتصادية، وليس على أساس الاستجابة لاحتياجات الناس مثل السلام والأمن والاستقرار والضمانات والعدالة.
وحتى يعود اللاجئون أو النازحون السوريون إلى مناطقهم، على النظام السوري الالتزام بعدد من الضمانات، والتي تشمل:
- ضمانات عدم الملاحقة من قبل أجهزة النظام السوري أو أطراف النزاع.
- البدء في مشاريع إعادة الإعمار وتوفير المنازل لمن فقدوا سكنهم كليا أو جزئيا.
- استعادة حقوق الملكية لأصحاب المنازل والأراضي بضمان الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
- أي عملية سياسية في البلاد عليها أن تتضمن أحكاما تشجع على عودة اللاجئين.
- توفير الاستقرار والأمان والرعاية الصحية والعوامل الاقتصادية.