عرفت سوريا التصوف منذ قرون وتنتشر فيها أهم الطرق المنتشرة في العالم الإسلامي مثل القادرية والرفاعية والنقشبندية.
عرفت سوريا التصوف منذ قرون وتنتشر فيها أهم الطرق المنتشرة في العالم الإسلامي مثل القادرية والرفاعية والنقشبندية.

عرفت سوريا التصوف الإسلامي منذ فترة موغلة في القدم. عاش العديد من أعلام الصوفية في سوريا عبر القرون، منهم صاحب "الإشراقات" شهاب الدين السهرودي، الذي يقع مقامه في مدينة حلب، وصاحب "الفتوحات المكية" محيي الدين بن عربي، الذي يوجد مقامه في حي الصالحية بمدينة دمشق القديمة، وعماد الدين نسيمي الذي عاش الفترة الأخيرة من حياته في شمال سوريا، وتوفي ودفن في حلب.

وحالياً، تنتشر العشرات من الطرق الصوفية في الأراضي السورية. ما هي أهم تلك الطرق؟ ومن أبرز قادتها؟ وكيف يؤثر الحضور الصوفي في الواقع السوري المعاصر؟

 

الطريقة القادرية

 

تُنسب تلك الطريقة إلى الشيخ الصوفي عبد القادر الجيلاني المتوفى في سنة 561ه، والمدفون في الحضرة القادرية الواقعة في منطقة باب الشيخ من جهة الرصافة من بغداد. يُعدّ الجيلاني واحداً من أشهر الصوفية الذين عرفتهم الحضارة العربية الإسلامية. وجرى تنصيبه منذ قرون كواحد من الأقطاب الأربعة الكبار عند الصوفية.

أكراد عراقيون صوفيون في احتفال بالمولد النبوي في بلدة عقرة في محافظة دهوك، في 7 نوفمبر 2019.
الرفاعية، والنقشبندية، والكسنزانية.. تعرف على صوفية العراق!
عاش العديد من أعلام الصوفية في العراق عبر القرون، ومنهم كل من رابعة العدوية، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد البغدادي، والحسين بن منصور الحلاج الذ اُتهم بالكفر والزندقة. حالياً، تنتشر العديد من الطرق الصوفية في الأراضي العراقية. ما هي أهم تلك الطرق؟ ومن أبرز قادتها؟ وكيف يؤثر الحضور الصوفي في الواقع العراقي؟

في سوريا، توجد العديد من الطرق الفرعية التي انبثقت بالأساس من رحم الطريقة القادرية. من أشهر تلك الطرق الطريقة القادرية العلية في مدينة عامودا التي تقع على بعد عشرين كيلومترا غربي مدينة القامشلي. شيخ تلك الطريقة الحالي هو الشيخ عُبيد الله القادري الحسيني الذي تولى المشيخة في سنة 1980م خلفاً لأخيه الشيخ محمد. وتُعدّ التكية الصوفية في عامودا هي المركز الأهم لتلك الطريقة.

 

الطريقة النقشبندية

 

تُنسب تلك الطريقة إلى الصوفي بهاء الدين نقشبند محمد البخاري المولود في أوزباكستان، والذي توفى ودُفن في مدينة بخارى عام 791ه. حققت الطريقة الصوفية النقشبندية انتشاراً هائلاً في مناطق واسعة من آسيا الوسطى. وهي الطريقة الصوفية الوحيدة التي تدعي الاتصال الروحي بالنبي محمد من خلال الصحابي أبي بكر الصديق، إذ تزعم باقي الطرق الصوفية إنها ترجع إلى علي بن أبي طالب.

عرفت سوريا العديد من الطرق المتفرعة عن الطريقة النقشبندية. من أهم تلك الطرق الطريقة المعروفة باسم الطريقة النقشبندية الخزنوية. يقع مركز تلك الطريقة في قرية تل عرفان والتي تبعد 26 كم غربي مدينة الحسكة. يذكر الباحث نوبار محمد، في دراسته "النقشبندية الخالدية الكردية من تركيا إلى الجزيرة"، أن تلك الطريقة ظهرت للمرة الاولى على يد رجل الدين الكردي أحمد الخزنوي في النصف الأول من القرن العشرين. حالياً، شيخ الطريقة هو محمد مطاع الخزنوي. تدير الطريقة النقشبندية الخزنوية العديد من المدراس الدينية. ومن أهمها معهد العرفان للعلوم الشرعية والعربية في مدينة الحسكة. ويتبع المعهد العديد من الفروع في كل من سوريا وتركيا. من الجدير بالذكر أن الطريقة الخزنوية تنتشر بشكل كبير في دير الزور وريف حلب وإدلب وحماة.

تعرضت الطريقة للاستهداف من جانب تنظيم "داعش" في السنوات الأخيرة. على سبيل المثال، في أواخر شهر فبراير سنة 2014، دخلت عناصر داعش إلى بلدة تل معروف، وهاجمت مسجدها بحجة أنه تابع لطريقة صوفية.

 

الطريقة الرفاعية

 

تُنسب تلك الطريقة لأحمد بن علي الحسيني الرفاعي المتوفى في سنة 578ه. يُعدّ الرفاعي واحداً من أشهر صوفية القرن السادس الهجري. جرى تنصيبه منذ قرون كواحد من الأقطاب الأربعة الكبار عند الصوفية. دُفن الرفاعي في مدينة الرفاعي التي نُسبت له لاحقا. وهي تبعد بحوالي 300 كم جنوب العاصمة العراقية بغداد. ينتشر أتباع الطريقة حالياً في كل من العراق ومصر وسوريا وتركيا.

يُعزى انتشار الرفاعية في سوريا بشكل كبير إلى الشيخ أبي الهدى الصيادي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي. ولد الصيادي في سنة 1849م في حلب. وسافر في شبابه إلى إسطنبول وتعرف هناك على السلطان عبد الحميد الثاني. أُسندت إلى الصيادي العديد من المناصب الدينية المهمة في الدولة العثمانية ومنها كل من منصب شيخ الإسلام، وشيخ الطريقة الرفاعية، ونقيب الأشراف. وتمكن الصيادي من نشر الطريقة الرفاعية بشكل كبير في شمالي سوريا على وجه الخصوص.

يذكر الباحث محمد نور النمر، في دراسته "الحركة الصوفية في حلب المعاصرة"، أن الطريقة الرفاعية في حلب وشمالي سوريا تفرعت حالياً للعديد من الطرق. وصار لكل منطقة شيخ يتبعه مريدوها. ففي وسط حلب، تنتشر الطريقة الرفاعية وفق توجيهات الشيخ عبد الله سراج الدين. وفي المناطق الشعبية من حلب، تنتشر طريقة الشيخ محمد عجان الحديد. وفي المناطق الشرقية من المدينة يظهر اسما الشيخين خلف الشوعة أبو حمود، ومحمود الشقفة الحموي.

بشكل عام، لا يولي الرفاعية اهتماماً يُذكر بالسياسة وبالشأن العام، فيما يشتهرون بحضورهم الدائم في الموالد والاحتفالات الدينية الشعبية وبطقوسهم المثيرة للجدل في التلاعب بالحيات والأفاعي، وبابتلاع النار والزجاج وطعن أنفسهم بالسيوف. على الرغم من ذلك، تعرض الرفاعيون في سوريا لنقمة تنظيم داعش. في سبتمبر 2014، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن التنظيم "فجر عدداً من المزارات والأضرحة، لمشايخ الطريقة الرفاعية الصوفية في ريف دير الزور، وهي "مزار عين علي" الواقع في ريف بلدة القورية بدير الزور، و"مزار الشيخ أنس"، و"ضريح الشيخ الشبلي"، و"قبر الشيخ محمود الأنطاكي" في مدينة الميادين.

 

الطريقة السعدية

 

تُنسب تلك الطريقة للشيخ سعد الدين بن يونس بن عبد الله الجباوي الذي عاش في القرن السادس الهجري. ويذكر الباحث السوري محمد غازي حسين آغا في كتابه "الطريقة السعدية في بلاد الشام" أن نسب الشيخ سعد الدين يعود إلى الأشراف الأدارسة في المغرب.

تتمركز الطريقة السعدية في سوريا حالياً في مدينة حمص. وتُعدّ الزاوية السعدية الجيباوية التي تقع في حي بستان الديوان في حمص هي أقدم المباني الدينية التابعة لتلك الطريقة. يذكر خالد عواد الأحمد في كتابه "معالم وأعلام من حمص" أن تلك الزاوية تُنسب للشيخ سعد الدين الجيباوي الحمصي الذي عاش في القرن التاسع عشر (اسمه قريب من مؤسس الطريقة الذي ذكر في الفقرة الأولى وعاش في القرن السادس الهجري).

بحسب التقليد المعروف في الطريقة السعدية فإن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني سافر إلى حمص عندما نال منه التعب ووصف له الأطباء تغيير الجو كعلاج. عندما وصل إلى حمص لم يخرج شيوخ الصوفية لاستقباله، كما جرت العادة، لأنهم كانوا في نزهة خارج المدينة. غضب السلطان وأمر بإغلاق أبواب المدينة حتى لا يتمكن الشيوخ من الدخول عندما يرجعون من نزهتهم. لما وصل الشيوخ قام الشيخ سعد الدين الجيباوي الحمصي باستخدام كرامته وفتح الباب بـ"طريقة إعجازية"! عرف السلطان بتلك الكرامة فقرب منه الشيخ سعد الدين وأمر ببناء تلك الزاوية وعين له راتبا كافيا. يذكر الباحث محمد الأرناؤوط في كتابه "هجرة الألبان إلى دمشق في القرن العشرين وإسهامهم في الحياة العلمية" أن الطريقة السعدية انتشرت في العصر العثماني بشكل كبير في كل من سوريا وبلاد الشام إلى تركيا والبلقان وألبانيا.

 

صوفية سوريا والسياسة

 

تباينت مواقف صوفية سوريا من السياسة عبر السنين. في الكثير من الأحيان، اقترب شيوخ الصوفية من الحكام، وحظوا بمكانة مهمة في الدولة. من أبرز الأمثلة المعبرة عن ذلك الشيخ محمود أبو الشامات شيخ الطريقة الشاذلية اليشرطية في دمشق في القرن التاسع عشر الميلادي. عُرف أبو الشامات بكونه المرشد الروحي للسلطان عبد الحميد الثاني. وفي عهده تم التمكين للطريقة الصوفية الشاذلية في سوريا.

مال معظم شيوخ الصوفية إلى الابتعاد عن السياسة بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في سوريا في ستينات القرن العشرين. ولا سيما بعد وقوع مجزرة حماة سنة 1982م، حيث بطش النظام السوري وقتها بتنظيم الإخوان المسلمين. وتعرض بعض شيوخ الصوفية المتحالفين معهم للتنكيل، ومنهم الشيخ عبد القادر عيسى، شيخ الشاذلية في حلب. على الجانب الآخر، عمل النظام السوري على تقريب بعض الشيوخ المؤثرين في مشهد التصوف السوري. على سبيل المثال تم تعيين الشيخ أحمد كفتارو -وهو من رموز الطريقة النقشبندية- في منصب مفتي البلاد في سنة 1964م. وظل يشغل هذا المنصب المهم حتى توفي في سنة 2004م.

على العكس من باقي تيارات الإسلام السياسي، لم يلعب الصوفيون السوريون أدواراً مهمة في أحداث الثورة التي بدأت في سنة 2011م.  يوضح الباحث الأردني محمد أبو رمان سبب ذلك فيقول إن حراك 2011 انطلق من الأرياف ونما فيها، بينما المدن الكبرى الرئيسة مثل دمشق وحلب لم تدخل على خطّ الثورة إلا في مرحلة متأخّرة، وربما أُقحمتا إقحاماً فيها.  ومن المعروف أنّ الحركات الصوفيّة الكبرى تنشط في "الأوساط المدينيّة"، وهي متحالفة مع الطبقات البرجوازيّة والتجّار وتحظى بحضور واسع فيها.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".