صورة أرشيفية لمصدر ماء قليل في الحكسة يعبئ منه الأهالي، في أزمة سابقة
صورة أرشيفية لمصدر ماء قليل في الحكسة يعبئ منه الأهالي، في أزمة سابقة

مع دخول فصل الصيف، تعود إلى الواجهة معاناة أهالي مدينة الحسكة شمال شرق سوريا، في تأمين مياه الشرب. ورغم تكرر المعاناة، ما زالت الحلول غائبة، وسط استغلال سياسي للأزمة، التي تؤثر على حياة نحو مليون نسمة يعيشون في المدينة وضواحيها.

وأوردت صفحات محلية على فيسبوك شكاوى حول قلة وصول المياه إلى أحياء الحسكة، أو انعدام الوصول لعدة أسابيع في كثير من الأحيان. 

وكانت الحسكة تعتمد في مسألة تأمين المياه النظيفة على مياه نهر "جغجغ" ( يسمى أيضاً: جقجق)، ومع جفاف هذا النهر كان الحلّ في سدود تجميعية للمياه تعتمد على السيول ومياه الأمطار. وتعتمد مدينة الحسكة على السدّين الجنوبي والشرقي، غير أن موسم الصيف يحرم السكان من الاستفادة من مياه السدود، فتبرز المشكلة سنوياً.

 

مشكلتان بلا حلول

في عام 2014، دخل حيز الخدمة خط مياه ينابيع رأس العين شمال الحسكة على الحدود السورية التركية، عبر تشغيل محطة مياه "علوك" في ريف رأس العين الشرقي.

ورغم أهمية هذا الخط، إلا أن مشكلتين أساسيتين تواجهان ديمومة تشغيله واستمرارية وصول المياه إلى الحسكة. الأولى أن أهالي القرى الممتدة على مسافة 85 كيلومتراً بين مدينة الحسكة ومحطة علوك، يقومون بشكل دائم بتخريب خطوط المياه للاستفادة منها في ريّ محاصيلهم وتأمين المياه النظيفة لموارد حياتهم.

أما المشكلة الثانية فتبدو أكثر حساسية؛ فمنذ سيطرة "الجيش الوطني السوري" على منطقة رأس العين في أكتوبر 2019، صار تشغيل وتغذية محطة "علوك" يعتمد بشكل رئيس على الكهرباء الواردة من مناطق "الإدارة الذاتية"، التي تقوم بقطع الكهرباء عن المحطة بذريعة وجود أعطال تقنية تمنع وصول التغذية عن طريق محطتي "الدرباسية" شمال الحسكة، و"سد تشرين" في ريف حلب الشرقي.

وعادةً ما تتبادل "الإدارة الذاتية" مع "الجيش الوطني" الاتهامات حول المسؤولية عن عدم تشغيل محطة "علوك"، في الوقت الذي يخضع مئات الآلاف لما يعتبرونه "موسم التجارة بالمياه".

 

بدائل "مكلفة"

يعيل عبدالله إسماعيل، وهو أحد سكان حي النشوة الغربية جنوب مدينة الحسكة، زوجته وخمسة أطفال. يقول لـ"ارفع صوتك"، إن العائلة بأكملها تحتاج "برميلي ماء يومياً من أجل الشرب والاستحمام".

"نشتري المياه من أصحاب الصهاريج الذين يجلبونها من آبار نظيفة على أطراف المدينة، ويكلّف خزان المياه بسعة خمسة براميل مبلغاً يصل إلى 15 ألف ليرة سورية (6 دولارات تقريباً)، وهذا يعني أن المياه وحدها تكلّفني شهرياً مبلغاً طائلاً".

بعض الأهالي يتّهمون أصحاب الصهاريج بـ"استغلال" أزمة المياه الدائمة في الحسكة، إذ "تدر عليهم الثروات" بحسب تعبيرهم.

يقول صاحب أحد الصهاريج، وفضّل عدم الكشف عن اسمه: "نحن نعاني أيضاً من ارتفاع أسعار المحروقات من السوق السوداء وتكلفة الذهاب لتعبئة الخزانات، إضافة إلى تحكّم حواجز النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية على الحواجز المحيطة بالحسكة، وإرغامنا على دفع إتاوات مقابل السماح لنا بالتنقل".

"يظن الأهالي أننا نجلب المياه من بيوتنا ولا نخسر شيئاً، وأن المبالغ التي نحصّلها كلها أرباح، بينما لا نحصل إلا على مكاسب قليلة من هذه المهنة"، يضيف صاحب الصهريج.

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".