طفلة سورية نازحة تملأ الماء من خزانات قريبة من مخيمها التابع لمحافظة الحسكة- أرشيفية
طفلة سورية نازحة تملأ الماء من خزانات قريبة من مخيمها التابع لمحافظة الحسكة- أرشيفية

أطلقت فعاليات محلية مدنيّة في منطقة شرق الفرات بمحافظة دير الزور شرق سوريا، حملة شعبيّة لإيصال المياه إلى مدينة الحسكة المجاورة وضواحيها، مع تواصل أزمة المياه في المنطقة.

الحملة التي نظّمها وجهاء عشائريون في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بريف دير الزور، يقوم عليها أشخاص قادوا في فبراير الماضي، حملة شعبية أوصلت عشرات الشاحنات من الأدوات الطبّية والغذائية إلى المتضررين من الزلزال المدمّر الذي ضرب مناطق شمال غرب سوريا.

ويقولون إنهم بادروا بالحملة بعد مناشدات شعبية من أهالي مدينة الحسكة وضواحيها، الذين لم يجِدوا حلاً لمعاناة فقدان المياه من "قسد" وقوات النظام السوري، اللتين تتقاسمان السيطرة على المدينة. 

 

 

يوضح أبو عمر الشعيطي، وهو أحد القائمين على الحملة، لـ"ارفع صوتك": "نحن ندرك جيداً أن قوافل صهاريج المياه التي نرسلها إلى الحسكة لا تُغني عن حاجة الأهالي إلى حلول أفضل مع مواصلة قطع المياه عن المدينة وضواحيها، لكنها محاولة لكسر المعاناة".

"ولا يمكن لمئات الآلاف، بينهم أطفال ونساء وكبار بالسن، أن يعيشوا في أجواء الصيف اللاهبة بلا مياه.. نحن نقوم بما نستطيع، ونحاول فعل شيء ما"، يقول الشعيطي.

ويضيف أن الحملة لا تستهدف فقط إرسال صهاريج مياه إلى الحسكة بشكل يومي، إنما تتضمّن كذلك "إرسال ألواح من الثلج، والأهم مبادرة حفر الآبار".

يبيّن القائمون على الحملة أن مساعدة سكان الحسكة على حفر آبار لتأمين المياه تعد "مُكلفة جداً"، لذلك أطلق ناشطون محليون على وسائل التواصل الاجتماعي دعوات لجمع التبرعات أو التبرع بشكل فردي للمساعدة في ذلك.

الصحافي المختص بشؤون المنطقة الشرقية أحمد العطرة، يقول لـ"ارفع صوتك"، إن "عدد صهاريج المياه التي وصلت إلى الحسكة تخطى المئة، وكل صهريج يحوي مئة برميل"، مستدركاً "كل ذلك لا يمكن أن يكون كافياً ما لم تجد القوى التي تسيطر على المدينة حلولاً دائمة".

ويتابع: "سكان دير الزور من منطقة شرق الفرات يبذلون جهودهم لتقديم العون لجيرانهم في الحسكة، غير أن الموضوع أكبر من إيصال المياه، إذ يتعلق بمسافات بعيدة وغلاء المحروقات اللازمة لتشغيل قوافل الصهاريج".

وهذه الأزمة ليست جديدة، إذ يشهدها الأهالي كل صيف، وعلى الرغم من ذلك،  ما زالت الحلول الجذرية غائبة عن قرابة مليون شخص يعيشون في المدينة وضواحيها. 

وفي عام 2014 دخل حيز الخدمة خط مياه ينابيع رأس العين شمال الحسكة على الحدود السورية التركية، عبر تشغيل محطة مياه "علوك" بريف رأس العين الشرقي، الذي يسيطر عليه "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، غير أن تشغيل وتغذية محطة "علوك" يعتمد بشكل رئيسي على الكهرباء الواردة من مناطق "الإدارة الذاتية"، التي تقوم بقطع الكهرباء عن المحطة بذريعة وجود أعطال تقنية تمنع وصول التغذية عن طريق محطتي "الدرباسية" شمال الحسكة، و"سد تشرين" بريف حلب الشرقي.

وعادةً ما تتبادل "الإدارة الذاتية" مع "الجيش الوطني" الاتهامات حول المسؤولية عن عدم تشغيل محطة "علوك"، في الوقت الذي يخضع فيه مئات الآلاف لما يعتبرونه "موسم التجارة بالمياه".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".