إحدى أعمال فريق ريشة أمل في الشمال السوري- تعبيرية
إحدى أعمال فريق ريشة أمل في الشمال السوري- تعبيرية

من مدينة بنش التابعة لمحافظة إدلب في شمال غرب سوريا، خرجت رسومات فريق "ريشة أمل" من إطارها المحلي إلى العالم، حيث ربطتهم في العديد من الدول قضايا العدالة ومحاربة الظلم والمعاناة المشتركة تحت وطأة الحروب والأزمات السياسية، وأيضاً الأمل.

يقول الرسام عزيز الأسمر، وهو أحد أعضاء الفريق الذي ينشط في الرسم على الجدران، خصوصاً المباني التي دمرتها الحرب في الشمال السوري: "جمعتنا الثورة السورية والرغبة بنقل همومها وأحلامها عن طريق الرسم."

يضيف لـ"ارفع صوتك": "لكل رسام في الفريق طريقته الخاصة وأسلوبه في الرسم، وحتى خصوصيته، ولكل فريق عمله الخاص ومرسمه الخاص، ولكن عند رسم القضايا الإنسانية في دول العالم نجتمع لتداول ملامح الفكرة وأبعادها والجدار الذي يناسبها، وغالبا ما يتم اختيار الجدران التي دمرها القصف، كما نستعين بلغويين ومترجمين إن كانت الرسمة مرفقة بعبارة بلغة أجنبية".

 

أعضاء الفريق

لا تحاكي رسومات فريق ريشة أمل الوجع السوري فقط، بل فيها الكثير من الأمل والأحلام أيضاً، في رسالة يريدونها أن "تثبت للعالم أن المدينة وأهلها منبع للفن والجمال والسلام وحب التعايش وقبول الآخر، وليست تجمعاً للإرهاب كما يحاول النظام أن يقول للعال"، على حدّ تعبير الأسمر.

ويتألف فريق "ريشة أمل" الذي انطلق منذ أربعة أعوام، من أربعة رسامين هم أنيس حمدون وعزيز الأسمر من مدينة بنش، والشقيقتين سلام وبشرى حامض من مدينة جسر الشغور، بالإضافة للإعلامي محمد حاج قدور الذي يصور رسومات الفريق، وهو من بنش أيضاً.

 

معارض دولية

حديثا، أقيم معرض صور لجداريات "ريشة أمل" في مدينتي هيروشيما وناغازاكي، إذ يوافق السادس والتاسع من أغسطس، الذكرى 78 لسقوط القنبلة الذرية على المدينتين اليابانيتين، وسبقهما تنظيم معارض في إيطاليا وفرنسا. 

وكان الفريق رسم جدارية على أنقاض أحد المنازل المدمرة في مدينة بنش، تمثل قصة "جين الحافي" أو "جين حافي القدمين"، وهو طفل ياباني يحاول إنقاذ عائلته من تحت أنقاض مدينته المدمرة بالقنبلة النووية، في مشهد تكرر مرات عدة في إدلب نتيجة القصف والغارات الجوية التي شنها النظام السوري، كما تكررت مؤخرا بفعل الزلزال الذي ضرب سوريا في فبراير الماضي.

تناقلت الصورة وسائل إعلام يابانية، وتمت دعوة الفريق للمشاركة في معرض أقيم على فترات متقاربة بداية شهر أغسطس الجاري في هيروشيما، وآخر في "متحف ناغازاكي للسلام"، من أجل التعريف بفريق "ريشة أمل" وجدارياته في الشمال السوري.

وعن كيفية مشاركتهم، يوضح الأسمر: "المعرض لم نسع له، ولكن دعينا إليه كنوع من المكافأة، فاليابانيين سبق لهم أن رأوا أكثر من رسمة عن اليابان في إدلب، وكانت دعوتنا للمشاركة تقديرا لهذه اللفتة منا".

"جاءت مشاركتنا ودعوتنا عن طريق إعلامي صديق مقيم في اليابان يدعى نجيب الخش، وأقمنا معرضا لفريق ريشة أمل في هيروشيما وناغازاكي، بالتزامن مع ذكرى قصف هاتين المدينتين في الحرب العالمية، الذي يتزامن أيضا مع مرور ستة أشهر على الزلزال الذي دمر الكثير من البيوت في الشمال السوري"، يتابع الأسمر.

ويوضح: "نحن لم نسافر فيزيائيا، إنما سافرنا بألواننا ورسوماتنا التي حطت في المعرض، وشرحنا لليابانيين حجم معاناة الشعب السوري، جراء القصف المتكرر من نظام الأسد وبعده جراء الزلزال".

واختار الفريق لوحات تحمل طابعا إنسانيا عالميا لعرضها في معرضي هيروشيما وناغازاكي، بحسب الأسمر، مشيراً إليهما: "جدارية الصحافي الفلسطيني معاذ الذي فقئت عينه برصاص الإسرائيليين، تم اختيارها لنقول للعالم إن الصحافيين مستهدفون في الكثير من دول العالم لأنهم ينقلون الحقيقة، وجدارية الطفلة اليابانية ميغومي المعتقلة في كوريا الشمالية منذ خمسين عاما، والمختفية قسرا، كحال آلاف المدنيين المعتقلين في سجون الأسد ومجهولي المصير".

وعن تفاعل الحضور الياباني مع صور أعمالهم، يقول الأسمر: "رأينا دموعهم وتأثرهم الكبير باللوحات التي أظهرت تفاعلنا مع قضاياهم وتشرح معاناتهم في الحرب العالمية، مرسومة على جدران إدلب المدمرة".

ويلفت إلى أن "ريشة أمل يعمل دائما على الربط بين رسوماته وأحداث عالمية، بهدف خلق التعاطف والتأثير وإيصال رسالة للعالم عن معاناة السوريين".

#ريشةأمل في اليابان

Posted by ‎ريشة أمل‎ on Saturday, August 12, 2023

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية من إحدى قرى الشمال السوري- فرانس برس
صورة تعبيرية من إحدى قرى الشمال السوري- فرانس برس

منذ عدة أيام دخل الطفل بشار الجبر (15 عاما)، قطعة أرض مهجورة في قرية موزان شرق محافظة دير الزور، كانت تستعمل في السابق كنقطة عسكرية، وبينما كان يجمع الخردة، انفجر به لغم أرضي، فقتله. 

وقبلها بأيام قُتل محمد مرعي العسول (37 عاما) أثناء عمله في أحد الأراضي الزراعية في بلدة الغارية الغربية بريف محافظة درعا الشرقي، بعد انفجار جسم من مخلفات الحرب.

أحداث عديدة مشابهة وضحايا كثر للألغام ومخلفات الحرب تشهدها مناطق النزاع في سوريا، تركت تأثيرات كارثية على الحياة اليومية للمدنيين، متسببة بالعديد من الوفيات والإعاقات الدائمة، غالبيتهم من المزارعين والعاملين في مواسم القطاف وجامعي الكمأة والخردة والأطفال.

كما تشكل الألغام تهديداً مستمراً للاستدامة البيئية والموارد الطبيعية والحياة النباتية والحيوانية. وبحسب تقرير مرصد الألغام الأرضية (Mine Action Review)، سجلت سوريا أكبر عدد من ضحايا الألغام المضادة للأفراد ومخلفات الحرب.

وكشف في تقريره السنوي، أنه خلال الفترة الممتدة بين عام 2022 والنصف الأول من 2023، سجلت سوريا للعام الثالث على التوالي، أكبر عدد من الضحايا الجدد للألغام المضادة للأفراد أو مخلفات الحرب القابلة للانفجار، ووثق وقوع 834 ضحية في سوريا، كما تم تحديد 42 مجتمعاً ملوثاً بالذخائر المتفجرة في المناطق التي ضربها الزلزال.

إزالة الذخائر غير المنفجرة 

تقوم فرق الدفاع المدني السوري (منظمة الخوذ البيضاء) بجهود حثيثة لإزالة الذخائر غير المنفجرة، ومسح المناطق الملوثة بمخلفات الحرب، بالإضافة إلى حملات توعية مستمرة حول أشكال هذه المخلفات وخطرها، وكيفية التصرف السليم في حال مصادفتها.

وتزداد كثافة هذهِ الحملات في مواسم الحصاد وقطاف الزيتون لتمكين المزارعين من العمل في أرضهم بسلام، إضافة إلى توفير السلامة العامة للمدنيين والأطفال، وتعزيز التنمية المستدامة في مناطق شمال غربي سوريا، بحسب منشورات المنظمة.

وتبين في تقرير حول الألغام في سوريا، أن هناك الآلاف من الذخائر التي تقصف بها المدن والأراضي الزراعية إضافة إلى الألغام، "لا تنفجر وتشكل تهديدا طويل الأمد على المدنيين والبيئة، كما تُعدُ حاجزاً بين المزارع ومحصوله وبين الطفل ومدرسته ومسرح لهوه".

ويشير الدفاع المدني إلى أن فرقه قامت حتى تاريخ صدور التقرير في منتصف شهر نوفمبر الماضي، بالتخلص من أكثر من 24 ألف ذخيرة متنوعة أغلبها قنابل عنقودية، كما وثقت فرق الذخائر  خلال السنوات الماضية استخدام أكثر من 60 نوع من الذخائر المتنوعة، بينها أكثر من 11 نوعا من القنابل العنقودية المحرمة دولياً، التي استخدمها النظام وروسيا.

كذلك بين التقرير أنه ومنذ بداية العام الحالي حتى نهاية شهر أكتوبر الماضي، أتلفت فرق المنظمة  أكثر من 894 ذخيرة متنوعة، بينها 119 ذخيرة خلال أكتوبر وحده.

وأفاد أنه ومنذ بداية العام الحالي حتى منتصف شهر نوفمبر الماضي، وثقت فرق الدفاع المدني 15 انفجاراً لمخلفات الحرب في شمال غربي سوريا، أدت لمقتل 4 أطفال ورجلين، وإصابة 23 مدنياً بينهم 16 طفلاً و3 نساء.

خرائط حقول الألغام

بدورها، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في أبريل الفائت، انتشار الألغام الأرضية على مساحات واسعة في العديد من المحافظات السورية، وقامت بتجهيز خرائط تحدد مواقع تواجد حقول الألغام، ومواقع انتشار مخلفات الذخائر العنقودية كي يتم تجنبها من قبل السكان المحليين.

يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ"ارفع صوتك": "استغرق تحديد المواقع التي تتواجد فيها حقول الألغام في سوريا جهداً كبيراً، امتد لحوالي سنة، وكان لتقريرنا هدفان، الأول أن تقوم القوى المسيطرة بالبناء على هذا التقرير والمتابعة بإزالة حقول الألغام، والثاني إطلاع السكان على هذه الخرائط والتوعية بوجودها من أجل تجنبها".

ويعتبر عبد الغني أن التجاوب مع التقرير والخرائط التي تم إعدادها كان "ضعيفا ودون المستوى المأمول بشكل كبير جدا"، لهذا "ما زلنا نسجل حوادث وإصابات ووفيات بسبب الألغام"، كما يقول.

وبينت الشبكة السورية في تقريرها، أن ما لا ما لا يقل عن 3353 مدنياً بينهم 889 طفلاً، و335 سيدة (أنثى بالغة)، و8 من الكوادر الطبية، و7 من كوادر الدفاع المدني، و9 من الكوادر الإعلامية، قتلوا في المئات من حوادث انفجار الألغام الأرضية المضادة للأفراد في سوريا،  بينهم 382 مدنياً قتلوا على يد قوات الحلف السوري الروسي، إثر انفجار مخلفات ذخائر عنقودية.

موسم الزيتون: الحصاد المُميت

لم يكن الطفل شادي السيد علي (12 عاما) يتوقع أن ينفجر به لغم أرضي، أثناء رحلته لقطاف الزيتون في أطراف مدينته بنش الواقعة في ريف إدلب شمال سوريا.

يقول إنه كان برفقة أخيه، حين رأى جسما غريبا فرماه بعيدا، فسقط على صخرة وانفجر، متسببا ببتر قدمه اليسرى ويده اليمنى.

آلام شديدة عاناها شادي الذي توقف عن الدراسة لمدة سنتين، حتى تم تركيب طرفين صناعيين له، ولكن الألم ما زال يرافقه بشكل مستمر حتى اليوم، ويحرمه من عيش طفولته بشكل طبيعي.

يبين الناشط عزيز الأسمر، من مدينة  بنش، لـ"ارفع صوتك"، أن هناك الكثير من الحالات في المدينة كحالة شادي، ومعظم الضحايا مدنيون، غالبيتهم من الرعاة والمزارعين. 

ويضيف: "هذا النزف مستمر منذ بداية الثورة حتى الآن وكل فترة نسمع عن مقتل طفل أو شاب أو بتر أقدامهم وأيديهم نتيجة هذه الألغام". 

ويؤكد أنه في وقت سابق من العام الماضي عثر أربعة أطفال على لغم أو إحدى مخلفات الحرب أثناء جمعهم الخردة، وأحضروها إلى المنزل، وأثناء عبثهم بها انفجرت وتسببت بمقتلهم جميعا.

يتابع الأسمر، أن "هناك حملات توعية كبيرة حول الألغام من المنظمات والهيئات المدنية والدفاع المدني، لتعريف الناس بشكلها وأماكن تواجدها، مع التشديد على ضرورة إبلاغ الجهات المختصة حين يرون لغما، ولكن الأقدار وفضول الأطفال يتسبب بهذه الحوادث".

ويوضح: "كل قرية أو مدينة في الشمال السوري تعاني من إصابات نتيجة الألغام المتفجرة التي زرعها النظام قبل مغادرة مدينة إدلب،  كذلك هناك العديد من ضحايا مخلفات القنابل العنقودية، ومعظمهم من المزارعين ورعاة الغنم الذين يصادفون اللغم أثناء عملهم. وكونهم لا يعرفون شكله يصبحون ضحايا له، أما العسكريون فهم بطبيعة الحال يعرفون أماكن توزع الألغام ويعرفون شكلها، لذلك قليلا ما تكون هناك إصابات بينهم".