"كنتُ صغيراً في السن، لكنّي أردت أن أقوم بشيء ما، أنقل فيه صورة ما يجري حولي"، يقول السوري محمد نجم (20 عاماً)، وهو الذي بدأ في سن صغيرة توثسق مشاهد الحرب حوله باللغة الإنجليزية.
في سبتمبر 2022، أصدر نجم كتابه الأول باللغة الإنجليزية، يروي فيه تجربته خلال معايشته أحداث "الثورة السورية" وما تلاها، قبل أن يلجأ مع ذويه لتركيا. وعنوان الكتاب "Muhammad Najem, War Reporter: How One Boy Put the Spotlight on Syria" (محمد نجم: المراسل الحربي- كيف سلّط صبيّ الضوء على سوريا).
في هذه المقابلة، يعود نجم بالذاكرة إلى البدايات، ويروي لـ"ارفع صوتك" بعض تفاصيل حياته، التي جعلته يعيش تجربة أكبر بكثير من عُمره، فيها الكثير من المخاطر.
الغوطة: البداية
مع اندلاع "الثورة السورية" سنة 2011، كان محمد طالباً في المدرسة، يعيش مع عائلته في الغوطة الشرقية (غوطة دمشق)، التي باتت مع تصاعد الأزمة من أخطر المناطق في سوريا.
يقول إن المظاهرات السلمية التي بدأت تخرج ضد النظام السوري، كانت أشبه بـ "حفلات الشارع" حيث الناس "يحملون الورود ويُغنّون"، وكانت الأغاني والأهازيج "جميلة للغاية"، وفق تعبيره.
بعد أن أخذت المظاهرات زخماً كبيراً، بدأ عناصر الأمن بإطلاق الرصاص على المتظاهرين في الساحات، ثم تطوّر الأمر إلى إدخال قوات الجيش في المناطق الثائرة، وهنا بدأ الأمر يختلف كلّياً.
يضيف نجم: "لم تعُد الحياة تسير بشكل طبيعي. قصف بالمدفعية والهاونات، ثم سريعاً بدأ القصف بالطائرات. كنت أتنقّل مع أهلي من مدينة إلى أخرى، ومن حيّ إلى حيّ قريب، إلى أن خرجت مناطق الغوطة من سيطرة النظام السوري تماماً".
في عام 2015، قُتل والده الذي كان يعمل نجاراً، بقصف للطائرات الروسية في مكان عمله، لتنقلب حياة الطفل رأساً على عقب.
ألقيت على عاتقه مهام عديدة، يوضح نجم: "كنت أُحضر الأخشاب للتدفئة والطبخ، وأجلب الماء من الآبار إلى منزلنا في الطابق الرابع، وأذهب للمدرسة التي كانت في البداية داخل قبو، ثم مع الوقت عادت المدارس فوق الأرض للعمل، ولكن كانت خطيرة، بسبب استهدافها بالقصف مراراً من قبل قوات النظام السوري، ما يضطرّ القائمين لإيقاف الدوام المدرسي كثيراً".
في عام 2017، فكّر نجم بالقيام بشيء ما ينقل فيه واقع الحياة في الغوطة الشرقية، لكن ليس باللسان العربي، لأن القنوات ووسائل الإعلام تأخذ كل الصور والفيديوهات والأخبار من عشرات الإعلاميين والناشطين على الأرض.
"كان أخي إعلامياً وأختي معلمة لغة إنكليزية، فخطرت في ذهني فكرة ناقشتها معهما، وهي أن أقوم بتصوير مقاطع سيلفي باللغة الإنجليزية مع أصدقائي، وأصوّر الواقع المرير الذي كنا نعيشه في الغوطة"، يوضح نجم.
بدأت الفكرة بالتطبيق حين أحضر له أخوه هاتفاً، وأخته تترجم له المقاطع التي يقوم بتصويرها إلى اللغة الإنكليزية.
يتابع نجم: "أخي كان يساعدني بالتصوير والنشر، وهكذا صرتُ أنقل الصورة من حولي بلغة عالميّة، وأتحدث عن الواقع الذي نعيشه.. لم أكن قادراً على تصوير القصف والدمار بسبب صغر سنّي، ولكني حاولت جهدي، وبمساعدة أخي عملت على تغطية ما أستطيع رصده، ثم أنشره على مواقع التواصل الاجتماعي".
مع حملة القصف الشرسة التي شنّتها قوات النظام السوري والطائرات الروسية في الغوطة الشرقية سنة 2018، أمضى نجم وعائلته نحو شهر ونصف تحت الأرض هرباً من الموت، قبل أن تبدأ رحلة النزوح القسرية إلى الشمال السوري، وتحديداً إلى محافظة إدلب. ثم بعدها بعامين كان اللجوء إلى تركيا.
إسطنبول: الرواية
عاش محمد نجم مع عائلته في مدينة إسطنبول، وهناك لاحقته آثار ما بعد الصدمة، حيث شكل صوت الطائرات "رعباً حقيقاً" له في الأيام الأولى لإقامته. يقول "اعتدنا أن هدير الطائرة يسبق الموت... الموت والدمار والكثير من الجثث".
وهناك، تواصلت معه صحافية أميركية تعمل في شبكة "سي أن أن"، وهي تعرفه سابقاً إذ حدث بينهما تواصل بينما كان في سوريا.
"طرحت عليّ فكرة تدوين كتاب يروي ما حدث معي، وما يحصل في سوريا.. وبالفعل أتت إلى إسطنبول وبدأنا بجمع كل التفاصيل والإعداد للكتاب"، يقول نجم.
ويضيف: "بعد حوالي عام ونصف العام، تم نشر هذا الكتاب باللغة الإنجليزية، وستتم ترجمته مستقبلاً للغات أخرى من بينها العربية".
ويشير نجم إلى أن عدداً من المدارس في أميركا وكندا تعرض الكتاب على طلبتها، مردفاً "هذا يعني أن كثيرين حول العالم وخاصة الأطفال، سيكون بمقدرتهم معرفة ما حصل وما زال يحصل في سوريا".
ويرغب مستقبلاً أن يتم تحويل قصته لفيلم.