"لا أمل في هذه البلاد، ربما سيأتي يوم نتحسّر فيه أننا لم نقُم بما يلزم للحفاظ على ما تبقى من حياتنا، وما تبقى من كرامتنا"، يقول وليد حسين الذي يبلغ من العمر 55 عاماً من سكان ريف دمشق، مؤكداً أن "السفينة" في سوريا "تغرق بشكل متسارع"، وأن المنطق يقتضي من العاقل أن يقفز من هذه "السفينة".
حسين أب لأربعة أطفال، يعيش معهم وأمّهم في شقّة في مدينة جرمانا يملكها منذ ما قبل اندلاع الحرب. يروي لـ"ارفع صوتك" كيف صمد خلال سنوات الحرب في سوريا وآثر ألا يترك البلاد، وتحمّل نتيجة ذلك "فاتورة" ثقيلة لم يعد يقوى على دفعها.
حسين موظف حكومي (لم يحدّد نوع وظيفته لأسباب خاصة)، يتقاضى راتباً شهرياً يبلغ بعد الزيادة الأخيرة 300 ألف ليرة سورية (نحو 21 دولاراً بحسب سعر الصرف الحالي بأسواق العاصمة)، ويعمل كذلك في متجر صغير كمحاسب مسائي بنصف دوام، ويتقاضى هناك ما يقارب الـ 200 ألف. يقول إنه لو كان مستأجراً في هذه الأيام لاضطُر للتسوّل أو لبيع عضو من جسده ليؤمّن إيجار المنزل.
"استطعت شراء بيتي المؤلف من غرفتين وصالة في العام 2010، وحينها كان سعر منزلي لا يتجاوز مليوناً ونصف مليون ليرة، أما اليوم ومن خلال متابعتي سوق العقارات، فإنه بيتي يساوي ثروة كبيرة"، يتابع حسين الذي يستبعد أن يبيع منزله من أجل مشروع تجاري صغير، ويؤكد أن الأوضاع في سوريا الآن، وفي دمشق خاصة، "لا تشجّع على الاستثمار ولو بليرة واحدة"، بسبب الانهيار الاقتصادي المتواصل، وتقلّب صرف العملة، "كما ترى، حتى أصحاب المشاريع الكبيرة باعوا كل ما يملكون وهاجروا خارج سوريا". يقول ثم يسأل: "هل سنكون نحن أصحاب الدخل المحدود أكثر ذكاءً منهم لنبقى ونستثمر هنا؟".
خلال المقابلة التي أجريناها معه في منزل متوسط المساحة، لا يحوي الكثير من الأثاث، يؤكد وليد أنه عازم على بيع بيته لمغادرة سوريا "حتى ولو إلى جزر القمر" بحسب تعبيره. أصبح يرتاد المكاتب العقارية وكأنها وظيفة يومية، يتابع فيها أسعار العقارات، لعله يحظى بزبون جاهز للدفع، ويكون حظه أفضل من آخرين باعوا بيوتهم لمشترين دفعوا المال على عدة مراحل.
"المرحلة التي تصل فيها إلى أن تبيع بيتك من أجل الهجرة الاضطرارية خارج بلادك مؤلمة جداً، لكن الخيارات انعدمت أمامنا، ظنّنا أن الحرب انتهت، لكننا صرنا نتحسّر حتى على أيام الحرب الحقيقية، حينها كنا مهددين بالموت في أي لحظة، لكننا كنا قادرين على أن نشتري طعامنا وشرابنا على أقل تقدير"، لا يُخفي وليد حزنه على قراره الذي اتخذه بالتشاور مع زوجته (48 عاماً)، لكنه في الوقت نفسه يعبّر عن أمله بأن المبلغ الذي سيحصل عليه من بيع البيت سيكفي لرحلة وصوله إلى أوروبا.
كحال وليد حسين، يعيش السوريون في مناطق سيطرة النظام السوري أوضاعاً معيشية قاسية، وسط انهيار اقتصادي متسارع ظهرت ملامحه في قرارات رفع الدعم عن المحروقات والكثير من لوازم الحياة الرئيسية، ويتزامن ذلك مع انخفاض كبير في قيمة الليرة السورية، التي بلغ سعرها الحالي أمام الدولار الواحد في أسواق العاصمة السورية نحو 14 ألف ليرة.
وأدّت الأزمات المعيشية مؤخراً إلى حدوث موجة احتجاجات غير مسبوقة في محافظة السويداء جنوب غرب سوريا، تتواصل منذ منتصف شهر أغسطس الماضي، تزامنت مع ارتفاع أصوات تنتقد الحال التي وصلت إليها سوريا، من ناشطين وصحفيين في الساحل السوري، الذي ظل طيلة سنوات الحرب يؤمن دعماً وتأييداً للنظام السوري.