This undated photo provided by the U.S. Attorney's Office for the Central District of California shows an ancient Roman-era…
لوحة موزاييك رومانية ضبطها السلطات الأمنية في كاليفورنيا مع رجل حاول تهريبها من سوريا- أرشيف

تتشكل الثروة الأثرية السورية من مئات الآلاف من القطع التي عُثر عليها في العديد من المواقع المنتشرة في شتى أنحاء سوريا، وهي المواقع التي أقام فيها السوريون حضاراتهم القديمة على مر القرون.

يُعدّ موقع تل حلف واحداً من أقدم تلك المواقع على الإطلاق. يقع تل حلف في شرق شمال سوريا غربي مدينة رأس العين.  ووجد فيه أول الآثار التي ترجع للعصر الحجري الحديث. في بدايات القرن التاسع عشر الميلادي، قامت بعثة ألمانية بالحصول على تصريح بالتنقيب في تلك المنطقة. ونُقلت الكثير من القطع الأثرية التي عُثر عليها إلى برلين. ويُعرض بعضها حالياً في متحف بيرغامون الشهير.

كذلك تضم الأراضي السورية آثار مملكة إبلا العظيمة. ظهرت حضارة إبلا في شمالي غرب سوريا في الألف الثالث قبل الميلاد. وازدهرت بسبب علاقاتها التجارية المميزة ببلاد الرافدين. في السياق نفسه، شهدت الأراضي السورية ظهور الحضارات الكنعانية، والأمورية، والفينيقية، والأرامية في الفترة الممتدة ما بين الألف الثالث والألف الثاني قبل الميلاد.

في القرون الأخيرة من الألفية الاولى قبل الميلاد، شهدت سوريا ازدهاراً ثقافياً كبيراً في عصور السلوقيين والبطالمة والرومان والبيزنطيين. واستمر هذا الازدهار قائماً بعد سيطرة العرب على بلاد الشام في القرن السابع الميلادي، حينما كانت دمشق عاصمة للدولة الأموية التي حكمت المسلمين لما يقرب من القرن.

بشكل عام، يقترب عدد المواقع الأثرية في سوريا من 5000 موقع. تتركز تلك المواقع في مدن حلب وإدلب ودير الزور ودمشق والرقة، وتدمر. اختارت اليونيسكو ستة مواقع أثرية سورية لتضمها لقائمتها للتراث العالمي. تمثلت تلك المواقع في مدينة حلب القديمة، ومدينة دمشق القديمة، وبصرى القديمة، وقلعة صلاح الدين، وموقع مدينة تدمر التاريخية، ومجموعة القرى القديمة في شمال سوريا.

 

كيف نُهبت الآثار السورية في السنوات الأخيرة؟

ألقت الحرب الدائرة في سوريا منذ سنة 2011م بظلالها القاتمة على المواقع الأثرية السورية. تورطت العديد من الجهات المتقاتلة في عمليات نهب وسرقة المواقع الأثرية في شتى أنحاء البلاد.

على سبيل المثال، قام تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بنهب العديد من المواقع الأثرية الواقعة في المناطق الخاضعة لنفوذه. في مايو 2015م، أشارت المديرة العامة لليونسكو للخطورة البالغة التي تعرضت لها الآثار السورية في منطقة تدمر عقب وقوعها في يد عناصر تنظيم داعش. وقالت وقتها: "أشعر بقلق عميق بعد المعلومات التي تلقيناها من تدمر، علينا إنقاذ تدمر، هذا الموقع عانى منذ أربع سنوات من النزاع، لقد تعرض للنهب، وهو يحتوي على كنز لا يعوض للشعب السوري وللعالم".

في سنة 2016م، ذكر سفير روسيا لدى الأمم المتحدة إن تنظيم "داعش" في سوريا وفي العراق يجني ما بين 150 و200 مليون دولار سنوياً من بيع الآثار المنهوبة. بما يعني أن الاتجار بالآثار كان المصدر الثاني -بعد النفط- الذي اعتمد عليه تنظيم داعش في تمويل عملياته العسكرية في كل من البلدين.

شاركت باقي الفصائل الإسلامية المسلحة في عمليات نهب الآثار السورية. ذكرت بعض التقارير أن "هيئة تحرير الشام" – جبهة النصرة سابقاً- قامت في سنة 2018م بالتنقيب بشكل موسع في منطقة الشيخ منصور بالقرب من مدينة سراقب في ريف إدلب. بحسب التقرير فإن عناصر الهيئة استعانوا بعشرين خبير أثري. كما استخدموا العديد من المعدات الفنية المجهزة لذلك العمل.

على الجهة المقابلة، تورط بعض حلفاء الدولة السورية في عمليات سرقة الآثار. في سنة 2020م، أشارت بعض التقارير إلى قيام عناصر من "حزب الله" اللبناني بتشكيل ورشات مؤلفة من حوالي 100 شخص مع آليات مخصصة مهمتها الحفر والتنقيب عن الآثار في شرقي سوريا. كذلك في سنة 2021م، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن عناصر الحرس الثوري الإيراني يقومون بـ"سرقة الآثار السورية ونبش القبور التاريخية في دير الزور السورية لاستخراج الآثار والذهب"، وذلك لتغطية النفقات المالية للحرب المستمرة منذ سنين. بشكل عام، تركزت أعمال الميليشيات الإيرانية في نهب المواقع الأثرية السورية في كل من  تل المرابيط الواقع في بقرص القديمة، وتلة العشارة التي تعود إلى العصر البابلي الأول، وآثار الصالحية في البوكمال وتل قلعة الرحبة قرب الميادين. وكذلك السوق المقبي في مدينة دير الزور، بالإضافة إلى مواقع أخرى كثيرة في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور، وتل طابوس في ريف دير الزور الغربي.

لا يختلف الوضع كثيراً في المواقع الأثرية الموجودة شمالي سوريا. تحدث تقرير صادر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن قيام بعض الفصائل الموالية لتركيا بالتنقيب والبحث عن الآثار في مختلف المناطق الواقعة في ريف مدينة عفرين شمال غرب حلب. على سبيل المثال، قام مسلحون من فصيل السلطان سليمان شاه بالتنقيب عن الآثار في تل "أرندة الأثري" الواقع في ناحية “الشيخ حديد” في ريف عفرين الغربي.

تسببت كل تلك السرقات في وقوع كارثة كبرى للمواقع الأثرية السورية. في سنة 2019م، قدر مدير الآثار والمتاحف في سوريا عدد القطع التي تم تهريبها خارج البلاد "بما لا يقل عن مليون قطعة، وذلك قياساً إلى توثيق وتحليل الصور التي جرى التقاطها للمواقع الأثرية بعد تحريرها". وتابع المدير أن "عشرات الهكتارات نُقبت وكان الحفر في كل مكان، ومن كل موقع خرجت آلاف القطع الأثرية". بعدها بسنة واحدة، صدر تقرير -أكثر دقة- عن مؤسسة جيردا هنكل الألمانية وجمعية حماية الآثار السورية في فرنسا. تناول هذا التقرير أحوال المتاحف الأثرية في سوريا، بين عامي 2011م و2020م. ورصد تعرض 29 متحفاً ودار عبادة لأضرار مختلفة بسبب العمليات العسكرية. كما رصد سرقة 40635 قطعة أثرية من المتاحف والمستودعات ودور العبادة منذ عام 2011م. وأكد التقرير أن هذا الرقم لا يشمل كذلك آلاف القطع غير المسجلة في قوائم ودفاتر 19 متحفاً تعرضت لعميات نهب وسرقات، كما لا يشمل عشرات الآلاف من القطع التي نُهبت من المواقع الأثرية السورية خلال عمليات الحفر العشوائي.

محاولات للاستعادة

حاولت الحكومات السورية أن تضع حداً لسرقات المواقع الأثرية التي انتشرت بطول البلاد وعرضها في السنوات الأخيرة. في هذا السياق تم العمل غلى تفعيل قانون الآثار السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم (222) بتاريخ 26/10/1963م والمعدل بالقانون رقم (1) بتاريخ 28/2/1999م. نصت المادة 57 من هذا القانون "يُعاقب بالاعتقال من عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة وبالغرامة من مائة ألف إلى خمسمائة ألف ليرة سورية كل من أجرى التنقيب عن الآثار خلافاً لأحكام هذا القانون ويعاقب بالحد الأقصى للعقوبة إذا أدى التنقيب إلى إلحاق ضرر جسيم بالأثر. كما نصت المادة نفسها على أنه "يعُاقب بالاعتقال من عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة وبالغرامة من مائة ألف إلى خمسمائة ألف ليرة سورية كل من أتجر بالآثار...".

من جهتها،  قررت لجنة التراث العالمي في يونيو 2013م إدراج المواقع الستة للتراث العالمي بسوريا، على قائمة التراث المهدد بالخطر، وذلك "بهدف لفت الانتباه إلى المخاطر التي تحدق بهذه المواقع بسبب الأحداث التي تشهدها البلاد". في سنة 2015م أيضاً،  تم اعتماد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2199. والذي أقر حظر الاتجار بالممتلكات الثقافية الآتية من العراق ومن سوريا.

في 2017م، نجحت الجهود الدبلوماسية السورية في عقد اتفاق مع المجلس الدولي للمتاحف، وهو منظمة دولية غير حكومية. بموجب هذا الاتفاق أصدر المجلس قائمة بـ 33 قطعة أثرية سورية مسروقة تعود إلى حقب تاريخية متعددة، "ودعا المتاحف العالمية ودور المزادات وتجار الفن وجامعي التحف إلى حظر التعامل بتلك القطع الأثرية وتداولها". بعد سنة واحدة،  كشف المدير العام للآثار والمتاحف في سوريا عن إعداد قائمة تضم جميع القطع الأثرية التي تم سرقتها ونهبها من الأراضي السورية في السنوات السابقة. وذلك لتقديمه إلى منظمة اليونسكو والانتربول الدولي بهدف استعادة تلك القطع.

تمكنت الدبلوماسية السورية في نوفمبر من العام 2021م من تحقيق انتصار جديد عندما تسلم مندوب سورية الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف ثلاث قطع أثرية مسروقة من متحف الفن والتاريخ السويسري. هُربت تلك القطع من مدينة تدمر إلى الخارج. وتناقلتها الأيدي حتى وصلت إلى سويسرا. بعد شهرين، استعاد المتحف الوطني بدمشق مجموعة أخرى من القطع الآثرية المهمة التي كانت قد نُقلت في السنوات السابقة إلى متحف "نابو" في لبنان. تمثلت تلك القطع في خمسة تماثيل جنائزية منوعة تعود إلى مدينة تدمر الأثرية. وفي نوفمبر سنة 2022م، اُفتتح في العاصمة السورية دمشق معرضاً خاصاً للآلاف من القطع الأثرية، التي تم استردادها من أيدي العصابات الإرهابية وشبكات المتاجرة والنهب من مختلف أنحاء البلاد.

منذ أيام، خطت حكومة النظام السوري خطوة مهمة في سبيل استعادة آثارها المنهوبة. عندما نجحت وساطة متحف سلطنة عُمان الوطني في استعادة بعض القطع الأثرية المهمة التي تم تهريبها من سوريا منذ عدة سنوات. لتستقر في نهاية المطاف في المتحف البريطاني. صرحت وزيرة الثقافة السورية بالأهمية الكبيرة لهذا الحدث، فقالت: "لهذا الاسترداد رمزيته الخاصة، لكونه انتصار للحق على الباطل، وللحضارة على الهمجية".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".