In this photo released by Suwayda24, people stage a protest in the southern city of Sweida, Syria, Tuesday, Aug 22, 2023…
كان لافتا خلال الساعات الماضية تأكيد المتظاهرين على سلمية الحراك

تواصل السويداء السورية ما بدأته قبل 26 يوما، وبينما ظلّت الشعارات والمطالب ذاتها بإسقاط النظام السوري ورئيسه بشار الأسد أصبح زخم الانتفاضة والمشاركة فيها يتوسع يوما بعد يوم، حتى تجاوز عدد المتظاهرين يوم الجمعة حاجز الـ10 آلاف، حسب ما قال ناشطون ومشاركون لموقع "الحرة".

وخرج الآلاف من أبناء المحافظة يوم الجمعة بمظاهرات شعبية وصفت بـ"الأكبر من نوعها" قياسا بسابقاتها على مدى الأسابيع الماضية. وفي حين هتفوا بإسقاط النظام وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، اتجهوا لأداء "قسم" وإعلان بيانات قرأها ناشطون تؤكد على مطالبهم، وأنه "لا عودة عنها".

وكان لافتا خلال الساعات الماضية تأكيد المتظاهرين على سلمية الحراك، في ردٍ على حادثة إطلاق النار التي نفذها عناصر يعتلون أسطح مقر "حزب البعث"، يوم الثلاثاء، وأسفرت عن إصابات بين المحتجين.

وترجم المتظاهرون التأكيد على السلمية من خلال الهتافات وإقدامهم على الدخول لفرع الشرطة وسط المدينة، وتقديمهم أطباق من "المنسف" الذي تعرف به المحافظة للعناصر الموجودين داخله، فيما اتجه آخرون للتعبير عن ذلك وسط "ساحة السير"، التي بات يطلق عليها اسم "ساحة الكرامة".

ويوم الخميس قرأت سيدة بيانا باسم المنتفضين في الشارع، مؤكدة على "استمرار المظاهرات السلمية والمدنية في ساحة الكرامة حتى رحيل النظام السوري"، كما طالب نص البيان بـ"تحقيق الانتقال السياسي لمرجعية القرار الأممي 2254 الصادر في 2015"، وتفعيل القرر 2118 الذي يحول مرتكبي جرائم الحرب بحق الشعب السوري إلى محكمة الجنايات.

وطالب أيضا بـ"الكشف عن المغيبين قسرا والإفراج عن المعتقلين والكف عن ملاحقة المتظاهرين من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، ومحكمة الإرهاب، مع إلغاء قراراتها غير الشرعية".

وبعد ساعات من انطلاق جولة جديدة من المظاهرات الجمعة أظهرت تسجيلات مصورة أداء المحتجين قسما على وحدة السوريين في جميع البلاد. وجاء ذلك بالتزامن مع إعلان بيان صادر عن "الهيئة السياسية للعمل الوطني في المحافظة"، تم التنسيق فيه مع شيخ العقل، حكمت الهجري.

وجاء في البيان أن "السويداء انتفضت كي يصل كفاح السوريين إلى الحياة بوطن حر وموحد"، وأن "الشعب السوري يعاني منذ عقود من هيمنة نظام فاسد حكم بأدوات القمع والعنف، ولم تتوارى أجهزته الأمنية عن ارتكاب مختلف أنواع الجرائم بحق السوريين والسوريات".

واعتبر البيان أن "النظام السوري جعل سوريا عز الشرق وخزان ثروته وطنا للجائعين المحرومين من أبسط حقوق الحياة"، وجعل "فلاح البلد يزرع ولا يأكل.. والعامل يصنع ولا يلبس.. والجندي يدافع ولا أحد يدافع عنه"، فيما أكد على الاستمرار في التظاهر حتى "نيل الحرية".

"محطة فارقة"

ويعتبر ناشطون سياسيون من السويداء أن الانتفاضة في المحافظة دخلت في "محطة فارقة" بعد حادثة إطلاق النار التي حصلت قبل يومين، والتي دفعت شيوخ العقل إلى اتخاذ موقف تصعيدي ضد النظام السوري.

وحصلت الحادثة أمام فرع "حزب البعث" ظهر الثلاثاء، وأسفرت عن 3 إصابات بالتزامن مع محاولة محتجين اقتحام المكان من أجل تحطيم تمثال حافظ الأسد، وإعادة إغلاق المقر الحزبي، بعدما أقفل شبان أبوابه بالحديد، قبل أسبوع. 

وفي أعقابها ألقى الشيخ حكمت الهجري كلمة هاجم فيها النظام السوري وإيران وميليشياتها واعتبرها "محتلة"، في وقت أكد على ضرورة "ضبط النفس"، وأن ما حصل "عبارة عن مؤامرة".

وانضم إليه بعد ذلك الشيخ أبو وائل حمود الحناوي، معلنا أن "إطلاق النار لا يمكن السكوت عنه. إلي بدو يطلق النار على ولادنا بعدوا ما عاش".

وظهر الحناوي في تسجيل مصور، الجمعة، وهو يحمل غصن زيتون في إشارة إلى السلمية بين جموع من المتظاهرين، وذلك بعدما تردد اسم الهجري في البيان الذي أكد على مطالب المتظاهرين حتى إسقاط النظام السوري.

ويوضح الناسط السياسي، مروان حمزة أن "البيانات التي صدرت الجمعة متممة للحراك، وتؤكد على أنه سلمي وضد العسكرة وضد إطلاق أي طلقة رصاص".

ويقول حمزة لموقع "الحرة": "أعداد المتظاهرين تفوق 10 و12 ألف نسمة في ساحة الكرامة. جاءوا من كل أنحاء المحافظة، وردّوا على الاعتداء الذي حصل من سطح فرع البعث".

"المشاركة الكبيرة يوم الجمعة تؤكد أننا سلميين ولا نفتعل أي أذى".

ويتابع حمزة: "نحن لا نفاوض على حقنا في لحياة ونطالب دول العالم بسماع صوتنا. شعارنا هو تطبيق القرار 2254 الذي ينص على رحيل النظام السوري".

ولم تتسع "ساحة الكرامة" للمحتجين خلال الساعات الماضية، حسب ما تقول الصحفية السورية، بيسان أبو عسلي، وما تؤكده أيضا الناشطة السورية، لبنى الباسط.

وتوضح أبو عسلي لموقع "الحرة" أن "الحشود كانت الأكبر منذ بدء الحراك"، وأن المشاركة جاءت من جانب مكونات مختلفة من المحافظة، "من الدروز والعلويين والمسيحيين والسنة". 

وكان لافتا بحسب الصحفية السورية "التأكيد على سلمية الحراك" وإظهار العادات التي تشتهر بها السويداء من "صب القهوة المرة في الطرقات واللباس التقليدي ونشر أطباق المنسف، كنوع من التعبير عن المظهر الحضاري للاحتجاجات".

"لا عودة" 

ومن غير الواضح حتى الآن المسار الذي ستسلكه الانتفاضة في المحافظة ذات الغالبية الدرزية في الأيام المقبلة، ولاسيما مع تأكيد المتظاهرين على البقاء في الشارع، وانضمام شيوخ العقل إليهم.

وأيضا في وقت نزع المتظاهرون معظم صور رأس النظام السوري بشار الأسد وتماثيل أبيه حافظ الأسد، وعادوا الجمعة ليغلقوا مبنى "حزب البعث" بالحديد، بعدما تعرضوا لإطلاق نار أمامه، قبل يومين.

ولم يصدر أي تعليق من جانب النظام السوري منذ انطلاق الاحتجاجات قبل 3 أسابيع، وكان الرد الوحيد من جانبه من قبل "فرع حزب البعث في السويداء"، في أعقاب حادثة إطلاق الرصاص. 

ويقول الناشط حمزة إن "المظاهرات الشعبية ستستمر، وهي استمرار للمطالب الأولى للثورة السورية قبل 12 عاما".

ويضيف أن "الإصرار على التظاهر لا يعني أننا نريد قطع العلاقة. نحن من سوريا وإذا تصرف النظام برعونة وحشر المحافظة بالزاوية فلن نقبل ذلك".

 "نحن لا نفاوض على حقوقنا الأساسية"، من ماء وكهرباء ومحروقات وأساسيات، وهو ما أكدت عليه البيانات، بإشاراتها إلى أنها "غير قابلة للتفاوض والمساومة عليها"، حسب الناشط السياسي.

ويشير الصحفي السوري ومدير شبكة "السويداء 24" المحلية، ريان معروف إلى أن تضاعف أعداد المشاركين الجمعة مرده تخصيص هذا اليوم ليكون رئيسيا في الانتفاضة ضد النظام السوري.

ويوضح حديثه بالقول لموقع "الحرة": "الجمعة هو يوم عطلة والناس لديها قدرة على التحرك والخروج ليس كما هو الحال بالنسبة لباقي أيام الأسبوع". 

وتكلّف عملية الانتقال من القرى والبلدات الواقعة في الأرياف إلى مركز المدينة أكثر من 50 ألف ليرة سورية ذهابا وإيابا، وهو ما يعتبره معروف "مرهقا للمشاركين، ولذلك تم التركيز على الجمعة كأساس للخروج بالمظاهرات".

وإلى جانب ما سبق اعتبر الصحفي السوري أن تأييد المرجعيات الدينية للحراك جعل زخم المشاركة يتوسع أكثر فأكثر، وأن تأكيدهم على "دولة علمانية مدنية هو الذي يطالب به الجميع ويعتبر خلاص السوريين".

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية من إحدى قرى الشمال السوري- فرانس برس
صورة تعبيرية من إحدى قرى الشمال السوري- فرانس برس

منذ عدة أيام دخل الطفل بشار الجبر (15 عاما)، قطعة أرض مهجورة في قرية موزان شرق محافظة دير الزور، كانت تستعمل في السابق كنقطة عسكرية، وبينما كان يجمع الخردة، انفجر به لغم أرضي، فقتله. 

وقبلها بأيام قُتل محمد مرعي العسول (37 عاما) أثناء عمله في أحد الأراضي الزراعية في بلدة الغارية الغربية بريف محافظة درعا الشرقي، بعد انفجار جسم من مخلفات الحرب.

أحداث عديدة مشابهة وضحايا كثر للألغام ومخلفات الحرب تشهدها مناطق النزاع في سوريا، تركت تأثيرات كارثية على الحياة اليومية للمدنيين، متسببة بالعديد من الوفيات والإعاقات الدائمة، غالبيتهم من المزارعين والعاملين في مواسم القطاف وجامعي الكمأة والخردة والأطفال.

كما تشكل الألغام تهديداً مستمراً للاستدامة البيئية والموارد الطبيعية والحياة النباتية والحيوانية. وبحسب تقرير مرصد الألغام الأرضية (Mine Action Review)، سجلت سوريا أكبر عدد من ضحايا الألغام المضادة للأفراد ومخلفات الحرب.

وكشف في تقريره السنوي، أنه خلال الفترة الممتدة بين عام 2022 والنصف الأول من 2023، سجلت سوريا للعام الثالث على التوالي، أكبر عدد من الضحايا الجدد للألغام المضادة للأفراد أو مخلفات الحرب القابلة للانفجار، ووثق وقوع 834 ضحية في سوريا، كما تم تحديد 42 مجتمعاً ملوثاً بالذخائر المتفجرة في المناطق التي ضربها الزلزال.

إزالة الذخائر غير المنفجرة 

تقوم فرق الدفاع المدني السوري (منظمة الخوذ البيضاء) بجهود حثيثة لإزالة الذخائر غير المنفجرة، ومسح المناطق الملوثة بمخلفات الحرب، بالإضافة إلى حملات توعية مستمرة حول أشكال هذه المخلفات وخطرها، وكيفية التصرف السليم في حال مصادفتها.

وتزداد كثافة هذهِ الحملات في مواسم الحصاد وقطاف الزيتون لتمكين المزارعين من العمل في أرضهم بسلام، إضافة إلى توفير السلامة العامة للمدنيين والأطفال، وتعزيز التنمية المستدامة في مناطق شمال غربي سوريا، بحسب منشورات المنظمة.

وتبين في تقرير حول الألغام في سوريا، أن هناك الآلاف من الذخائر التي تقصف بها المدن والأراضي الزراعية إضافة إلى الألغام، "لا تنفجر وتشكل تهديدا طويل الأمد على المدنيين والبيئة، كما تُعدُ حاجزاً بين المزارع ومحصوله وبين الطفل ومدرسته ومسرح لهوه".

ويشير الدفاع المدني إلى أن فرقه قامت حتى تاريخ صدور التقرير في منتصف شهر نوفمبر الماضي، بالتخلص من أكثر من 24 ألف ذخيرة متنوعة أغلبها قنابل عنقودية، كما وثقت فرق الذخائر  خلال السنوات الماضية استخدام أكثر من 60 نوع من الذخائر المتنوعة، بينها أكثر من 11 نوعا من القنابل العنقودية المحرمة دولياً، التي استخدمها النظام وروسيا.

كذلك بين التقرير أنه ومنذ بداية العام الحالي حتى نهاية شهر أكتوبر الماضي، أتلفت فرق المنظمة  أكثر من 894 ذخيرة متنوعة، بينها 119 ذخيرة خلال أكتوبر وحده.

وأفاد أنه ومنذ بداية العام الحالي حتى منتصف شهر نوفمبر الماضي، وثقت فرق الدفاع المدني 15 انفجاراً لمخلفات الحرب في شمال غربي سوريا، أدت لمقتل 4 أطفال ورجلين، وإصابة 23 مدنياً بينهم 16 طفلاً و3 نساء.

خرائط حقول الألغام

بدورها، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في أبريل الفائت، انتشار الألغام الأرضية على مساحات واسعة في العديد من المحافظات السورية، وقامت بتجهيز خرائط تحدد مواقع تواجد حقول الألغام، ومواقع انتشار مخلفات الذخائر العنقودية كي يتم تجنبها من قبل السكان المحليين.

يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ"ارفع صوتك": "استغرق تحديد المواقع التي تتواجد فيها حقول الألغام في سوريا جهداً كبيراً، امتد لحوالي سنة، وكان لتقريرنا هدفان، الأول أن تقوم القوى المسيطرة بالبناء على هذا التقرير والمتابعة بإزالة حقول الألغام، والثاني إطلاع السكان على هذه الخرائط والتوعية بوجودها من أجل تجنبها".

ويعتبر عبد الغني أن التجاوب مع التقرير والخرائط التي تم إعدادها كان "ضعيفا ودون المستوى المأمول بشكل كبير جدا"، لهذا "ما زلنا نسجل حوادث وإصابات ووفيات بسبب الألغام"، كما يقول.

وبينت الشبكة السورية في تقريرها، أن ما لا ما لا يقل عن 3353 مدنياً بينهم 889 طفلاً، و335 سيدة (أنثى بالغة)، و8 من الكوادر الطبية، و7 من كوادر الدفاع المدني، و9 من الكوادر الإعلامية، قتلوا في المئات من حوادث انفجار الألغام الأرضية المضادة للأفراد في سوريا،  بينهم 382 مدنياً قتلوا على يد قوات الحلف السوري الروسي، إثر انفجار مخلفات ذخائر عنقودية.

موسم الزيتون: الحصاد المُميت

لم يكن الطفل شادي السيد علي (12 عاما) يتوقع أن ينفجر به لغم أرضي، أثناء رحلته لقطاف الزيتون في أطراف مدينته بنش الواقعة في ريف إدلب شمال سوريا.

يقول إنه كان برفقة أخيه، حين رأى جسما غريبا فرماه بعيدا، فسقط على صخرة وانفجر، متسببا ببتر قدمه اليسرى ويده اليمنى.

آلام شديدة عاناها شادي الذي توقف عن الدراسة لمدة سنتين، حتى تم تركيب طرفين صناعيين له، ولكن الألم ما زال يرافقه بشكل مستمر حتى اليوم، ويحرمه من عيش طفولته بشكل طبيعي.

يبين الناشط عزيز الأسمر، من مدينة  بنش، لـ"ارفع صوتك"، أن هناك الكثير من الحالات في المدينة كحالة شادي، ومعظم الضحايا مدنيون، غالبيتهم من الرعاة والمزارعين. 

ويضيف: "هذا النزف مستمر منذ بداية الثورة حتى الآن وكل فترة نسمع عن مقتل طفل أو شاب أو بتر أقدامهم وأيديهم نتيجة هذه الألغام". 

ويؤكد أنه في وقت سابق من العام الماضي عثر أربعة أطفال على لغم أو إحدى مخلفات الحرب أثناء جمعهم الخردة، وأحضروها إلى المنزل، وأثناء عبثهم بها انفجرت وتسببت بمقتلهم جميعا.

يتابع الأسمر، أن "هناك حملات توعية كبيرة حول الألغام من المنظمات والهيئات المدنية والدفاع المدني، لتعريف الناس بشكلها وأماكن تواجدها، مع التشديد على ضرورة إبلاغ الجهات المختصة حين يرون لغما، ولكن الأقدار وفضول الأطفال يتسبب بهذه الحوادث".

ويوضح: "كل قرية أو مدينة في الشمال السوري تعاني من إصابات نتيجة الألغام المتفجرة التي زرعها النظام قبل مغادرة مدينة إدلب،  كذلك هناك العديد من ضحايا مخلفات القنابل العنقودية، ومعظمهم من المزارعين ورعاة الغنم الذين يصادفون اللغم أثناء عملهم. وكونهم لا يعرفون شكله يصبحون ضحايا له، أما العسكريون فهم بطبيعة الحال يعرفون أماكن توزع الألغام ويعرفون شكلها، لذلك قليلا ما تكون هناك إصابات بينهم".