People protest against the latest decisions by Syrian government on increasing the prices of fuels in Sweida
الاحتجاجات حملت رسائل سياسية واضحة ضد الاستبداد والفساد- أرشيفية

بعد مرور شهر ونيّف، لا تزال محافظة السويداء السورية، ولا سيما مركز المدينة، تواصل الاحتجاجات السلمية والمظاهرات ضد النظام السوري وحكومته، بعد قرار رفع الدعم عن المحروقات منتصف أغسطس الماضي، الذي أشغل غضباً شعبياً في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، تحول من مطالب معيشية إلى شعارات سياسية تطالب برحيل الأسد وتطبيق القرار الأممي 2254.

ولعلّ أهم ما يميز مظاهرات السويداء أن المتظاهرين انتقلوا فيها من مرحلة العفوية الشعبية إلى مرحلة العمل التنظيمي، خلال الفعاليات التي ترافق الاحتجاجات، من كتابة اللافتات إلى الأهازيج الشعبية، ليصل الأمر مؤخراً إلى استخدام طقوس وعادات شعبية، تُظهر الوجه الثقافي والحضاري لأهالي السويداء، وتؤكّد مبدأ سلمية الاحتجاجات، وتبعث برسائل سياسية مبطّنة.

ليس بسبب الجوع فقط

في ساحة الكرامة، مركز المظاهرات في السويداء، تجد أطباق العنب والتين، التي جلبتها النسوة المتظاهرات من كروم جبل العرب الذي يُشتهر بزراعة هذين النوعين من الفواكه التي يحين موسم قطافها أواخر الصيف، فيما جلبت أخريات مناسف "المليحي" التي تعدّ من الأكلات الشعبية في الجنوب السوري.

ويقول ناشطون إن تقديم هذه الأطعمة خلال التظاهرات يحمل رسالة مفادها أن الناس خرجوا للتظاهر ليس من أجل الجوع كما يروّج النظام السوري، إنما لإيصال رسائل سياسية تتعلق بمصير البلد.

ومن المظاهر التي رصدتها وسائل الإعلام والمواقع السورية في تظاهرات السويداء تقديم "القهوة العربية" للمتظاهرين، بأسلوب تقديمها التقليدي في "دلّة" نحاسية، وفناجين خاصة، تعكس التراث والتقاليد في منطقة جبل العرب.

وترمز القهوة العربية "المُرّة" لدى العشائر السورية عامة، وفي محافظة السويداء خصوصاً، إلى كرم الضيافة وحسن استقبال الضيف، وتُقدّم في مختلف المناسبات سواء الأفراح أو الأحزان أو الأعياد وغيرها.

وحسب العادات والتقاليد المتوارثة في آداب تقديم القهوة، يجب إمساك الدلّة باليد اليسرى، ويُقدّم الفنجان للضيف باليد اليمنى، ويكون الفنجان الأول للأكبر سنّاً أو شأناً ومنزلة، ثم تُدار يميناً ثم يساراً حتى نهاية الحضور.

رسائل تتجاوز التراث

تيم فارس هو أحد الشباب الذي يلتزمون حضور التظاهرات في ساحة الكرامة وسط السويداء بشكل يومي، يقول لـ"ارفع صوتك"، إن تقديم القهوة العربية المرّة صار أحد أهمّ مَعالم التظاهرات في ساحة الكرامة، وتصرّ بلدات وقرى أخرى في المحافظة على تكرار هذا المشهد في تظاهراتها.

ويرى فارس أن تقديم القهوة العربية المرة في التظاهرات ظهر بداية كحركة عفوية لم تكن موجودة في بداية الحراك، لكن تواصل التظاهرات واستمرارها جعل بعض الفعاليات تظهر مؤخّراً بشكل لافت من بعض المشاركين.

ويشرح فارس الرسالة وراء تقديم القهوة هو أن أهالي السويداء يحرصون على تغيير سياسي يحافظ على الوجه الحضاري والتراثي للسويداء: "نحن لا نريد تدخّلاً أجنبياً، ونريد حلاً سلميّاً لا فوضى فيه ولا دمار ولا دماء، تقديم القهوة رسالة للجميع، أننا شعب مِضياف يحافظ على عاداته، تغيير النظام الذي حكمنا منذ عام 1970 لا يعني أننا نسعى إلى تبديل جلودنا ووجهنا الحضاري العريق".

بعد رفعه في تظاهرات السويداء.. ماذا تعني الألوان الخمسة في علم الدروز؟
أثار علم طائفة الموحدين الدروز، المؤلف من ألوان طولية خمسة هي الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق والأبيض، والذي تصدّر الكثير من تظاهرات السويداء الأخيرة، الكثير من الجدل حول ماهيته، سواء في الداخل السوري أو على مواقع التواصل الاجتماعي.

الصحفي السوري ريان معروف، وهو مسؤول تحرير موقع "السويداء 24"، يؤكد لـ"ارفع صوتك" أن القهوة المرّة أو القهوة العربية هي جزء من تراث أهالي السويداء وعاداتهم، وهي دلالة على الكرم اجتماعياً، أما سياسياً، بحسب معروف "فهي رسالة أن الحراك الشعبي في السويداء لا يبحث عن إصلاحات اقتصادية أو معيشية كما يُشاع، إنما مطالبه سياسية بحتة، وكان تقديم المناسف في إحدى المظاهرات خير دليل على ذلك".

أما الصحفيّة والأكاديميّة بيسان أبو عسلي، فتوضح أن القهوة العربية وإعدادها هي طقس يلازم جميع المضافات في جبل العرب، وأول ما يفعله صاحب البيت أو المضافة هو إعداد القهوة كي تظل "عامرة"، أي جاهزة لاستقبال الضيوف، وأكثر ما يهتمّ به الشخص الذي يحضّرها هو النظافة، نظافة الدلة والفناجين وحتى منقل النار الذي تُطبخ عليه، بحيث لا يوضع معها أي شيء حتى تبقى رائحتها خاصة ومميّزة.

وحول تقديمها في التظاهرات تقول أبو عسلي: "المظاهرات مثل فنجان القهوة العربية، تتّسم بالأصالة ونظافة وأحقّية المقاصد التي يطلبها المُحتجّون، ويقول الناس عبرها بشكل غير مباشر: مطالبنا شعبية خالصة، ولا تقبل التدخّل من أي جهة كانت".   

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".