مصاعب شتى تلاحق العائلات السورية التي تترك تركيا هربا من موجة العنصرية والترحيل بعد استقرارهم في بلدان لجوء جديدة بينها مصر ولبنان.
لم تكد هذه العائلات تتنفس الصعداء بعد وصولها إلى هذه البلدان، حتى اصطدمت بواقع صعب مع بدء العام الدراسي، وهو تعليم الأبناء، حيث تختلف مناهج الدراسة في الدول التي لجأوا إليها عن تلك المعتمدة في تركيا بشكل كبير.
مشكلة اللغات
يقول معين العمر(43 عاماً)، وهو أب سوري لثلاثة أبناء في المرحلة المتوسطة، أنه عاد بعائلته إلى لبنان ليقيم مع عائلة أخيه مؤقتاً في منطقة بشامون اللبنانية، "جلّ وقتي خصصته للبحث عن مدارس للأولاد، لكنهم لم يوفّقوا في امتحان الدخول لأي مدرسة، إذ تحتاج المدارس في لبنان للغات العربية والإنجليزية أو الفرنسية، بينما يدرس أبنائي اللغة التركية، رغم أنهم يتحدثون العربية بطلاقة إلا أنهم يجدون صعوبة في قراءتها".
معين الذي ترك عمله في توريد البضائع في تركيا، ويشارك أخاه حالياً في مؤسسة تجارية لبيع الملابس، يؤكد أنه غير قلق بشأن العمل والاستقرار في لبنان، لكن أكثر ما يقلقه مستقبل أبنائه، ويبين أنه سيقوم بتدريسهم حاليا مع معلّمة خاصة للتعويض عما فاتهم حتى يلتحقوا بصفوفهم في العام المقبل.
وبينما رفضت المدارس أبناء معين، قبلت إحدى المدارس الخاصة في منطقة عرمون في بيروت أبناء هند يوسف ( 45 عاماً) القادمة بدورها من تركيا، وهم في المرحلة الابتدائية والمتوسطة، مع تعيين مدرس مساعد، إلا أن ابنها البكر وهو في المرحلة الثانوية سيضطر إلى إعادة صفه هذا العام.
تقول المعلمة سمر رشيد التي تقوم بتدريس الطلاب السوريين في مدرسة حكومية في الدامور(25 كيلومتراً عن بيروت) أن "العديد من أبناء السوريين الذين أتوا إلى لبنان لم يقوموا بالتسجيل في المدارس بانتظار الإقامة والأوراق اللازمة، وبعضهم اضطر لخسارة عام دراسي كامل، خاصة من كانوا في المراحل الثانوية أو المتوسطة"، أما من هم في مرحلة التأسيس، تتابع الرشيد، "فبقليل من الجهد المشترك بين الأهل والمدرسة يمكنهم التعويض والاستمرار".
وتبين المعلمة أن هناك ضعفاً عاماً في مستوى القادمين الجدد بالنسبة للغات، وتستدرك: "من الطبيعي أن يجد القادمون الجدد صعوبات تعليمية، فالطالب الجديد يحتاج بعض الوقت للتأقلم مع المنهج الجديد، خاصة وأن المدارس الحكومية تعطي المنهج اللبناني حصراً، وغالبية المواد تعطى باللغتين الانكليزية والفرنسية بينما القادمون من تركيا درسوا المنهج التركي واللغة التركية أو العربية، ولكن كلما كان سنهم أصغر كلما كان أسهل عليهم الاندماج".
وتبين المعلمة أن وزارة التربية تفرض على المدارس الرسمية اللبنانية تحمّل مسؤولية تعليم الطلاب اللبنانيين والسوريين على حد سواء وبشكل مجاني، ويتعلم التلاميذ السوريون في فترة بعد الظهر واللبنانيون في الفترة الصباحية، وتقدم الجهات المانحة دعماً للطلاب السوريين لتغطية الرسوم التعليمية والقرطاسية والكتب والمواصلات، لهذا يفضل السوريون تعليم أبنائهم في المدارس الحكومية كونها مجانية بالكامل، وتبقى المدارس الخاصة للمقتدرين منهم إذ يمكنهم تخطي صعوبات الانتقال بمساعدة الأساتذة والأهل.
ويستضيف لبنان ما يقرب من 504,253 من الأطفال والشباب اللاجئين السوريين المسجلين في سن الدراسة الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و24 عامًا بحسب إحصاء المفوضية العليا للاجئين في لبنان في كانون الأول/ديسمبر 2022.
المعاناة ذاتها في مصر
ومن مصر يقول مأمون الشيخ لـ"إرفع صوتك": "بعد انتقالنا من تركيا إلى مصر شعرنا بكثير من الراحة، ولكن مع بدء العام الدراسي بدأت الكثير من المخاوف تسيطر علينا، والسبب اختلاف المنهج بشكل كبير، فمن الصعب جداً على أبنائي الالتحاق بالمدارس الحكومية المصرية كون المنهج مختلف، وباللغة العربية، كذلك الأمر بالنسبة للعلوم والرياضيات و لديهم معاناة حتى بالحساب أيضاً، ويحاولون تعلم الأرقام والإشارات والرموز باللغة العربية، بعد أن اعتادوها باللغة التركية".
بدورها تقول يسرا الدسوقي (29 عاماً): "لن يدخل ابني المدرسة هذا العام بسبب نقص الأوراق الرسمية، نعمل على تجهيز أوراق الإقامة في هذه الأثناء والتي تستغرق قرابة ثلاثة أشهر، فاتتنا فترة التسجيل وستبدأ المدرسة قبل انتهاء أوراق الإقامة".
سجلت يسرا ابنها في مركز سوري في مدينة 6 أكتوبر، وهو واحد من المراكز التعليمية السورية المنتشرة بشكل كبير في أماكن تواجد السوريين في مصر، والتي تقوم بتدريس المنهج المصري بالإضافة إلى بعض المواد من المنهج السوري كالتاريخ والجغرافيا، وتؤكد يسرا أن هذه الدراسة شكلية، لكنها ستبقيه في جو الدراسة حتى يعتاد على المنهج، على أن يلتحق العام المقبل بمدرسة حكومية المصرية.
وفي السياق ذاته يؤكد المدرّس السوري فراس سعد أن الكثير من المراكز السورية منتشرة في أماكن إقامة السوريين، وهي مرخصة للمرحلة الابتدائية والمتوسطة، ويداوم فيها الطلاب السوريون لكنهم يمتحنون في المدارس المصرية، ويشير أن هناك تفاهماً بين المدارس المصرية والمراكز السورية لمساعدة الطلاب السوريين، أما في المرحلة الثانوية فلم تنل هذه المراكز ترخيصا من وزارة التعليم العالي، وبالتالي على الطالب السوري الحضور والتسجيل في المدرسة الحكومية المصرية.
وتعود أسباب تفضيل العائلات السورية للمراكز التعليمية السورية على المصرية بحسب سعد، لكون الطالب المستجد يعاني من صعوبات في فهم اللهجة المصرية في البداية، كذلك في المراكز السورية يبقى الطالب على اتصال ببيئته وتاريخه، بالإضافة إلى عدم رغبة الأهالي بدفع تكاليف إضافية للمدرسين الخصوصيين.
ويدفع الأهالي رسوماً معينة للمراكز السورية، بينما كانت المدارس المصرية الحكومية مجانية ويعامل الطالب السوري معاملة المصري، أما هذا العام فهناك رسوماً إضافية فرضت على السوريين.
ويبيّن سعد أن بعض الطلاب السوريين يقومون بالتسجيل على الورق فقط، ولا يذهبون إلى المدرسة، وهناك بعض السوريين الذين يسجلون في المدارس الحكومية بهدف الحصول على قيد مدرسي، فيما يتابعون تعليمهم الفعلي في إحدى المدارس الخاصة أو في المنزل.
وعن الصعوبات التي يعانيها الطلاب القادمين من تركيا يقول سعد: " في العام الماضي وجد العديد من الطلاب السوريين الذين قدموا من تركيا صعوبات كبيرة لناحية المنهج المختلف، ولناحية الاندماج، وغالبيتهم لم يفهموا شرح المعلمة أو الأستاذ لاستغرابهم اللهجة المصرية، وبعض الأطفال فقدوا عامهم الدراسي بسبب صعوبات المنهج واختلافه ومنهم من تراجع مستواه بشكل كبير".
وعن الفارق بين المنهج التركي والمنهج المصري يقول إن هناك اختلافا كبيراً و"هناك ضعف عام في الطلاب القادمين من تركيا لجهة اللغة العربية، وهذا ما يخلق مشكلة، إذ أن العديد من المواد تدرس بالعربية كالعلوم والرياضيات مثلا، ويجد الطلاب صعوبة في العمليات الحسابية وفي الأرقام والرموز المختلفة عن اللغة الأجنبية".
وتظهر دراسة ميدانية أعدتها المجلة الاجتماعية للعلوم الاجتماعية والسلوكية حول الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للسوريين في مدينة السادس من أکتوبر في القاهرة، أن العديد من السوريين قاموا بالتسجيل في بعض الجامعات المصرية، رغم أنهم يحملون شهادات جامعية بالفعل، وذلك ليحصلوا على الإقامة في مصر، كذلك أشارت الدراسة إلى صعوبة المناهج الدراسية، وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية في المنازل، وتراجع دور المدرسة، وصعوبة الحصول على أوراق أكاديمية رسمية. كما تحدثت الدراسة عن استياء السوريين من اقتران التعليم في مصر بالدروس الخصوصية في جميع المراحل التعليمية.
كما أوضحت الدراسة أن المدارس التي التحق بها السوريون غير مناسبة، لأسباب عدة أهمها عدم وجود شرح في المدرسة، بالرغم من وجود مدرسين أكفاء، والاعتماد الكلي على الدروس الخصوصية باهظة الثمن، التي تُشكِّل عبئًا كبيرًا على الأسرة، وطريقة التعامل مع الطلاب السوريين باعتبارها ليست الأفضل على الإطلاق.