صورة نشرها المركز السوري للعدالة والمساءلة مع التقرير
صورة نشرها المركز السوري للعدالة والمساءلة مع التقرير

أصدر المركز السوري للعدالة والمساءلة (مقرّه واشنطن) تقريراً جديداً حول استهداف قوات النظام السوري للمدارس خلال سنوات النزاع الماضية، مؤكداً أن الاستهداف كان في غالبية الأحيان مُمنهجاً، ويتمّ بأوامر عسكرية تتقصد قصف المراكز التعليمية خلال وجود التلاميذ فيها.   

وسلّط التقرير الذي حمل اسم "قتل المستقبل.. استهداف المدارس على يد الحكومة السورية"، الضوء على سلسلة من الهجمات شنّتها قوات النظام السوري على مدارس أطفال في مناطق مختلفة، أسفرت عن سقوط ضحايا معظمهم من الأطفال الذين كانوا في المدارس خلال فترة الدوام المدرسي.

وعرض المركز في التقرير المطوّل "وثائق حكومية يُكشف النقاب عنها لأول مرة"، وقدّم تحليلاً لمقاطع الفيديو المُتاحة عبر المصادر المفتوحة، "بما يُظهر معالم السياسة التي تعتمدها الحكومة السورية في استهداف المدارس مع استخفافها الكامل بحياة الأطفال الذين تعلم أنهم موجودون في تلك المباني المدرسية وقت القصف"، كما جاء في نصّ التقرير.

وركّز التقرير على أربع هجمات "حرص فريق محققي المصادر المفتوحة في المركز على استقصاء تفاصيلها"، كما أوضح "الطابع المنهجي للهجوم على المدارس مصحوباً بصدور أوامر باستهدافها"، ما يُثبت أن "تلك الهجمات تشكّل جزءاً من سياسة تتعمد استهداف تلك المباني والمرافق التعليمية".

وحدّد المركز 47 وثيقة رسمية صادرة عن النظام السوري من مجموعة الوثائق المتوفرة في أرشيف المركز، وينصّ بعض تلك الوثائق على أوامر مباشرة وصريحة بتنفيذ تلك الهجمات، ويحدّد عدد الإصابات والخسائر في الأرواح.

وبحسب التقرير، تظهر وثيقة مؤرَّخة في 13 أيلول/ سبتمبر 2013 استهداف مدرسة حسن سحيل، وثانوية الإناث في معرة مصرين بقذائف المدفعية، كما تورد ثلاث وثائق أُخرى وقوع هجومين نفّذتهما قوات النظام السوري على مدرسة محمد الصادق في بنش بريف إدلب.

وبناء على وثائق وصور أقمار صناعية وشهادات محلية لناجين من القصف، سلط التقرير الضوء على أربعة نماذج لاستهداف المدارس بالقصف، وهي مدرسة ابن الطفيل في مدينة الرقة، ومدرسة صبحي المصري في مدينة مارع بريف حلب الشمالي، ومدرسة الحياة في حي القابون شرقي العاصمة السورية دمشق، ومدرسة عين جالوت بمدينة حلب.

ونقل التقرير عن إحدى التلميذات الناجيات من قصف مدرسة عين جالوت قولها: "كنا نتدرب في مدرسة عين جالوت على تنظيم معرض للرسومات عندما جاءت طائرة وقصفتنا. وبادرنا إلى تغطية آذاننا، ولم نسمع شيئاً. ولم نشاهد سوى النيران أمامنا. وبالكاد تم نقلنا أنا ورفيقاتي إلى المشفى ".

وأكد التقرير أن القصف على المدارس تنوع بين مختلف أنواع الأسلحة، وأن بعضها من النوع المحرّم دولياً، وأن قوات النظام السوري تعمّدت قصف بعض المدارس أكثر من مرة.

"انتهاك صارخ"

في التحليل القانوني لتلك الهجمات، أكد تقرير المركز السوري للعدالة والمساءلة أن قوات النظام السوري انتهكت "بشكل صارخ أحكام القانون الدولي الإنساني من خلال إقدامها على قصف المدارس"، حيث كانت المباني الأربعة التي تعرّضت للقصف "عبارة عن مدارس أبوابها مفتوحة أمام الطلبة، وتؤدي وظيفتها التربوية بشكل كامل. وهذا ما أكدت عليه وفرة مقاطع الفيديو التي توفر أدلة على عودة التلاميذ إلى المدارس المدمّرة لجمع ما تبقى من أدوات القرطاسية والحقائب المدرسية، فضلاً عن مقاطع الفيديو التي تصور التلاميذ عالقين تحت أنقاض غرفهم الصفية، وإجلائهم من عين المكان وقد بدت عليهم آثار التعرض لإصابات وجروح جراء القصف".

وبناءً على التحقيق الذي أجراه المركز "من المرجّح أن تكون المدارس الأربع قد استُهدفت عمداً من طرف الحكومة السورية، وهو ما يشكل انتهاكاً لأحكام القانون الدولي الإنساني، نظراً لتقاعس الحكومة عن التمييز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية"، فيما اعتبر التقرير "مقتل التلاميذ والمعلمين، وتدمير المنشآت التربوية، وحرمان الأطفال من التعليم من أكثر تبعات النزاع السوري ضرراً على المدى الطويل".

محمد العبد الله مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة، يقول لـ"ارفع صوتك"، إن الناجين أو ذوي الضحايا في حوادث قصف المدارس التي وثقها التقرير، يمكن أن يرفعوا "دعاوى قضائية" في حال كانوا مقيمين في أوروبا، لكنه أشار إلى أن الدعاوى لا يتم رفعها ضد النظام السوري ككل، إنما ضد أفراد ثبت تورطهم بالقصف، أو قادة ثبت إعطاؤهم أوامر بالقصف.

ويشير العبد الله إلى أن رفع دعاوى قضائية بموجب الولاية القضائية العالمية في أوروبا يحتاج كذلك إلى أن يكون الشخص المُدّعى عليه مقيماً في الأراضي الأوروبية "لأن محاكمة أشخاص غير مقيمين هناك ليس ذا جدوى فعلية"، وفق تعبيره.

  

مواضيع ذات صلة:

من فعاليات مرور مئة يوم على المظاهرات في السويداء- موقع "السويداء 24"
من فعاليات مرور مئة يوم على المظاهرات في السويداء- موقع "السويداء 24"

على وقع الأهازيج المحلية التي اكتست طابعاً احتجاجياً، والعبارات التي استلهمت أناشيد الثورة الشعبية السورية عند انطلاقتها عام 2011، أحيا أهالي السويداء (جنوب سوريا) ذكرى مرور 100 يوم على احتجاجاتهم (24 نوفمبر)، بحضور رجال الدين من طائفة الموحّدين الدروز.

وكانت الاحتجاجات التي شملت مركز المحافظة والعشرات من قراها، انطلقت منتصف أغسطس الماضي، إثر قرارات اقتصادية أصدرتها حكومة النظام السوري، اعتبرها السكان "مُجحفة". ثم لم يلبث حراكهم أن اتخذ طابعاً سياسياً مع رفع سقف المطالب إلى وجوب إسقاط النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، وتطبيق القرار (2254) كـ"حلّ وحيد" لإنقاذ ما تبقى من المشهد السوري. 

القرار 2254.. مفتاح الحل الضائع في سوريا
بعد 11 عاما من الحرب في البلاد باتت العبارة المختصرة بـ"استنادا لقرار مجلس الأمن 2254" أكثر ما يسمعه السوريون على لسان السياسيين في الداخل والخارج بشتى توجهاتهم ومساراتهم، وبينما ينظر إلى هذه الأرقام الأربعة على أنها "مفتاح الحل السوري المنتظر" لا تلوح في الأفق أي بادرة لتنفيذ البنود التي نص عليها القرار الذي سمي بها، فيما تثار الكثير من التكهنات ما إذا كان قابلا للتطبيق المستقبل أم لا. 

وتداول متابعون وناشطون سوريون على منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات مصوّرة لفعاليات اليوم 100 من الاحتجاجات، صدحت فيها أهازيج إبراهيم القاشوش الملقب بـ"منشد الثورة"، وردّد المتظاهرون وراءه أغنيته الشهيرة "سوريا بدا حرية".

وتضمّن إحياء ذكرى 100 يوم الاحتجاجات عدة فعاليات عبّر فيها محتجّو السويداء عن سلمية حراكهم وأحقية مطالبهم، والأهداف التي خرجوا من أجلها. كما رفعوا خريطة بيضاء لسوريا الموحّدة، رسمت عليها حمامة السلام، وسط هتافات "الدين لله والوطن للجميع".

وعلى أنغام الأهازيج الشعبية والجوفيات المحلية "صاح الصايح وطب الأسد خوف"، حمل المتظاهرون أغصان الزيتون، وطيور الحمام، وعلم "الثورة السورية" وشعاراتها الأولى.

مظاهرات السويداء.. واجهة لثقافتها وتراثها محمّلة برسائل وطنية
من أشهر الأغاني الحماسية التي يرددها المحتجون في مظاهرات السويداء يومياً "صاح الصايح وطَبّ الأسد خوف.. ورجال السويداء ما تعرف الخوف"، وأيضاً "سكّر حزب التقارير.. ورحّل حزب الإيراني" في إشارة إلى المطالبة بإغلاق مقر حزب البعث في السويداء ورفض النفوذ الإيراني في المدينة.

"إجماع على المطالب"

الناشط الشاب تيم الفارس، الذي حرص على المشاركة في مظاهرات السويداء منذ انطلاقتها، يقول لـ"ارفع صوتك"، إن الاحتفالات بمئة يوم على الاحتجاجات "أعادت الزخم الأول للحراك"، مبيناً: "راهن النظام السوري وأذرعه الأمنية في السويداء على شعور الناس بالملل من التظاهرات، خاصة مع دخول فصل الشتاء والبرد القارس، لكن المحتجّين أثبتوا أن ماضون في طريق تحصيل مطالبهم مهما طال الوقت".

ويرى أن مشاركة رجال الدين الدروز "منح الاحتجاجات زخماً إضافياً، خاصة أن النظام السوري حاول شق الصف عن طريق محاولة استمالة بعض رجال الدين، غير أنه فشل في هذا الاتجاه، وأثبت أهالي السويداء إجماعهم على نيل مطالبهم".

وكانت القوات الأمنية التابعة للنظام السوري تصدت للاحتجاجات، ببثّ رسائل وتحذيرات إعلامية وأخرى سياسية للمتظاهرين. وتم إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين من مبنى "حزب البعث" في مدينة السويداء سبتمبر الماضي، ما أدى لإصابة ثلاثة بجروح.

كما لم يحقق النظام أياً من مطالب المحتجين الخدمية التي برزت أول الاحتجاجات. تقول الناشطة المدنية راقية الشاعر، إن النظام "يتعامل حتى الآن بإهمال وتجاهل مه مطالب المظاهرات. وهو مُفلس وعاجز عن تلبية أي منها"، على حدّ تعبيرها.

وتضيف لـ"ارفع صوتك"، أن المجتمع الدولي أيضاً "تجاهل" الاحتجاجات بـ"إغفال الحديث عن المطالب السياسية، وأبرزها تنفيذ القرار الأممي 2254. بالإضافة لعدم اتخاذه قراراً بمحاسبة بشار الأسد أو الحديث عن سيناريو إزاحته من الحكم".

 

"تحرير السويداء"

تقول الشاعر، إن محافظة السويداء "قد تلجأ إلى تصعيد مختلف المظاهرات"، مقترحة "تحرير السويداء من النظام السوري" وفق تعبيرها، وهو ما قد "يشجّع بقية المحافظات على الحراك ضدّه".

وتعتقد أنه "بغير هذه الطريقة، لن يحصل السوريون على حقوقهم، ولا يمكن التعويل بأي حال من الأحوال التعويل على مواقف وقرارات المجتمع الدولي".

تتابع الشاعر: "الحراك السلمي في السويداء بدأ يأخذ شكله التنظيمي أكثر فأكثر، وشيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز وجّه المتظاهرين إلى تشكيل هيئات سياسية ومدنية".

"السويداء كذلك بحاجة إلى مجالس محلية وخدمية تكون بديلاً مناسباً ومستقبلياً عن مؤسسات النظام السوري العاجزة، بالإضافة إلى أن الأهالي يطالبون بفتح معبر خاص للمحافظة مع الأردن، في حال قررت قطع علاقاتها كلياً بالنظام الذي قد يُقدِم على محاصرتها كما فعل سابقاً في محافظات أخرى"، توضح الشاعر.

بعد رفعه في تظاهرات السويداء.. ماذا تعني الألوان الخمسة في علم الدروز؟
أثار علم طائفة الموحدين الدروز، المؤلف من ألوان طولية خمسة هي الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق والأبيض، والذي تصدّر الكثير من تظاهرات السويداء الأخيرة، الكثير من الجدل حول ماهيته، سواء في الداخل السوري أو على مواقع التواصل الاجتماعي.

ماذا تحقق؟

تعتبر الناشطة راقية الشاعر، أن الحراك "حقق إنجازات عديدة"، منها أن "أهالي السويداء يقفون اليوم في صفّ واحد وراء مطالب واحدة لا يمكن التنازل عنها. إضافة إلى إخلاء المدينة والكثير من أريافها، من فروع حزب البعث الحاكم، وتراجع دور الأجهزة الأمنية للنظام في التحكم بشؤون السكان والتسلّط عليهم".

من جهتها، ترى الصحافية والأكاديمية بيسان أبو عسلي، أن احتجاجات السويداء "حقّقت الكثير من الأهداف رغم عدم تحقق المطالب الرئيسة"، مردفةً أن الاحتجاجات تمثل "عودة روح الثورة السورية إلى التوهّج مجدّداً، وكذلك عودة التعددية السياسية إلى السويداء بعد أن قام النظام السوري على مدار عقود بفرض فكرة الحزب الواحد".

في السياق، يقول الصحافي ريان معروف، مسؤول تحرير موقع "السويداء 24": "لا يبدو من الممكن تحقيق المطالب الرئيسة وهي إسقاط النظام والتغيير السياسي، قريباً، لاعتبارات كثيرة يتصدّرها استعصاء الحل السياسي في سوريا وغياب الآفاق لهذا الحل وتجميد القرارات الأممية ذات الصلة كالقرار (2254)".

رغم ذلك، يبين معروف لـ"ارفع صوتك"، فإن الاحتجاجات عملت على "استعادة الفضاء العام، وتعزيز مفاهيم الحرية والديمقراطية، وكبح جماح سلطة حزب البعث، وانتزاع ورقة الأقليات من النظام السوري التي لطالما راهن عليها وادعى أن الأقليات في سوريا مؤيدة له".

يتابع: "لم يتوقف الحراك منذ أكثر من 100 يوم، ومن الواضح أنه مستمر إلى أطول فترة ممكنة، فهناك إصرار من الناس على التمسك بالساحات، وهذا الاستمرار سيكون مرتبطاً بالأحداث والتطورات التي قد تطرأ، فمن الممكن أن يعود الزخم الكبير في أي وقت للحراك إذا ما حصل أي رد فعل عُنفي من النظام، لأن الحراك اليوم استطاع كسب تأييد الحاضنة الشعبية والاجتماعية والدينية في محافظة السويداء".

ويشير معروف، إلى "حراك موازٍ للاحتجاجات يتعلق بتشكيل هيئات مدنية وسياسية، وتكتلات وربما أحزاب في الفترة القادمة"، مردفاً "الفضاء العام مفتوح للناس، والحراك يستمر في إفراز حالة تنظيمية سياسية متنوعة ومختلفة أحياناً، لكنها تتفق على الهدف الرئيس المتمثل بإنهاء الحكم الاستبدادي".

ويعرب عن "إحباطه" بسبب "غياب التغطية الإعلامية العربية لحراك السويداء، رغم صموده أكثر من 100 يوم"، عازياً الأمر لاستحواذ الحرب في قطاع غزة على التغطية والاهتمام الإعلامي.

لكن هذا "الغياب"، يجعل أهالي السويداء يشعرون "كأنهم في جزيرة معزولة"، يقول معروف.