العملة السورية فقدت نحو سبعة في المئة من قيمتها
الموظفون باتوا يقبضون رواتبهم بأكياس بعد فقدان الليرة السورية لقيمتها- أرشيفية

حمل أحمد. د، وهو مدرّس تابع لمديرية التربية بدمشق، أكياساً مليئاً بالأوراق النقدية السورية من فئة 200 ليرة بعد ان قبض راتبه من محاسب المديرية. هذه الأموال التي تبدو لوهلة كأنها تساوي ثروة، ليست لها قيمة تذكر، "حتى الأولاد عندما يجدون في الأرض عملة من فئة 200 ليرة لا يلمّونها، لأنها أصلاً لا تساوي شيئاً، ولا يمكن أن تشتري لهم حبة علكة صغيرة".

معاناة أحمد ليست فردية، بل إن الكثير من زملائه يعانون من أزمة تتعلق بقبض رواتبهم بالعملة السورية المنهارة، و"بعض محاسبي المديرية يفرضون على الموظف في بعض الأحيان استلام الراتب من فئة الـ 200 ليرة"، وهذا يرتّب عليهم أن يخرجوا، كما يقول أحمد، "بعد استلام الراتب وقد حملنا عدة أكياس مليئة بالنقود المكدّسة". والمشكلة، بحسب أحمد، أن "الباعة والتجار لم يعودوا يقبلون منا هذه الفئة، ما يُدخلنا في دوّامة تصريف المبلغ في شراء الحاجيات اليومية".

 تنعكس الآثار السلبية لانخفاض قيمة الليرة السورية وارتفاع التضخم إلى مستويات تاريخية، على السكان الذين يعيشون في مناطق النظام السوري.

صعوبة تداول الفئات الورقية من الليرة السورية التي تترواح بين فئة الخمسين ليرة إلى فئة الخمسة آلاف ليرة، بدت كإحدى المظاهر اللافتة للأزمة المعيشية السورية، بينما ظهرت منذ عامين شائعات حول إصدار فئة الـ 10 آلاف، إلا أن النظام امتنع عن القيام بهذه الخطوة، في مسعى لإقناع السكان أن حالة انهيار العملة طارئة، في ظل الهلع الاقتصادي الذي يثيره إصدار ورقة نقدية بهذه القيمة المرتفعة.

عمليات عدّ مُضنية

أمام هذا الواقع، تبرز لدى السوريين مشكلة التعامل بهذه الفئات الورقية، القليلة نسبياً مقارنة بارتفاع الأسعر، الذي بات يطاول أبسط حاجات السوريين اليومية.

عبد الرحيم حاج محمد يملك مخزناً لتجارة الجملة والمفرق في منطقة البرامكة وسط العاصمة السورية دمشق، يقول إن ضعف العملة الورقية باتت تشكّل أزمة حقيقية، سواء للزبائن أو للعاملين في المتجر، وتبدو المشكلة للعاملين أكبر وأكثر تعقيداً.

يقول حاج محمد لـ"ارفع صوتك"، إن الزبائن يأتونه لأخذ بضاعة لمحلاتهم الصغيرة، وتبلغ قيمة بعض الفواتير العادية عشرات ملايين الليرات، فيما أكبر ورقة متاحة في البلاد هي 5000، يضيف: "تخيّل أن يكون ثمن البضاعة 50 مليوناً أو 100 مليون، يأتينا الزبائن يحملون مبالغهم في أكياس وحقائب، وليست هنا المشكلة، المشكلة تكمن في عدّ هذه المبالغ الذي يستغرق أحياناً نصف ساعة رغم وجود العدّاد الآلي".

    يتابع التاجر السوري أن المشكلة الأعظم عندما يأتي الزبون بعملات من فئة 2000 أو 1000 مثلاً، "حينها يجب أن أترك عملي وأمضي نهاري في العدّ"، وفق ما يقول، ويكمل مُتندّراً: "ليت التجار يتّفقون على وزن كل مبلغ من كل فئة، هذا سيوفّر علينا بالتأكيد جهداً ووقتاً كبيرين".

الحال التي يتحدّث عنها حاج محمد لا تختلف عن وضع بقية التجار وأصحاب المحال الصغيرة كذلك، الذين يجب عليهم عدّ مبالغ كبيرة أيضاً خلال دقائق معدودة أمام الزبون.

 

وفي ظل هذا الواقع أكد مصرف سورية المركزي مجدداً عدم وجود نية لديه بإصدار ورقة نقدية بتصميم جديد أو فئة جديدة، وذلك على خلفية ما يتم تداوله عن إصدار فئات نقدية جديدة من فئة الـ10 آلاف ليرة، وفق ما قالت صحيفة "الوطن" المحلّية.

 

اختفاء الفئات النقدية الصغيرة

ارتفاع الأسعار الكبير في الأسواق السورية فرض واقعاً على السكان حول التعامل فقط بالفئات النقدية 500 و 1000 و 2000 و 5000، بينما تغيب عن الأسواق الفئات 50 و 100 و 200 في ظل صعوبة التعامل بها في البيع والشراء، نظراً لتراجعها إلى مستويات تجعلها من دون قيمة تذكر.

ونقلت صحيفة "الوطن" عن الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب حسن حزوري، قوله، إنه "كلما ازداد التضخم تصبح الفئات النقدية الصغيرة لا قيمة لها، وبالتالي فإن السوق بحاجة لإصدار فئات نقدية جديدة، بديلة عن العملات التالفة أيضاً، ولتخفيف عبء حمل أكياس نقود بأوزان كبيرة، فأغلبية الباعة مهما كان اختصاصهم أصبحت لديهم عدادة نقود أو أصبحوا يكيلون الرزم النقدية على الميزان بدلاً من عدّها".

ويشير حزوري إلى أن المصرف المركزي "يبرر بشكل دائم عدم وجود نية بإصدار فئات نقدية كبيرة لأنه يسعى إلى استبدال الدفع النقدي بالدفع الإلكتروني، ولكن هذا الأمر صعب المنال نوعاً ما في الوقت الحالي لعدم وجود بنى تحتية مجهّزة".

مواضيع ذات صلة:

لافتة على طريق مطار دمشق الدولي ترحب بالقادمين باللغتين العربية والفارسية- تعبيرية
لافتة على طريق مطار دمشق الدولي ترحب بالقادمين باللغتين العربية والفارسية- تعبيرية

"عاد إلى الخدمة.. خرج عن الخدمة"، باتت هذه العبارة من أكثر العناوين الإخبارية تداولاً لدى النظام السوري خلال الشهرين الأخيرين، فيما يخصّ مطار دمشق الدولي، الذي تكرر في أهداف الضربات الإسرائيلية تجاه مناطق النظام السوري.

وأعلنت حكومة النظام تحويل الرحلات إلى مطار حلب، الذي تعرّض في نوفمبر الماضي لهجوم مشابه أخرجه عن الخدمة كذلك. 

في الظاهر يبدو مطار دمشق الدولي مجرد مرفق مدني تابع للنظام لأغراض السفر المدني، لكنه في الحقيقة، اتخذ طابعاً جعل منه أشبه بمطار عسكري استقبل خلال الحرب السورية آلاف المقاتلين التابعين للحرس الثوري الإيراني، القادمين من إيران والعراق وأفغانستان وباكستان.

كما تحوّل إلى ممر لوصول الأسلحة الإيرانية للنظام السوري وحزب الله اللبناني، حيث وصلت تلك الأسلحة تحت غطاء الطيران المدني، لتجنّب العقوبات والضربات الأميركية أو الإسرائيلية. 

في عام 2016، نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية، تحقيقاً استقصائياً بعنوان "من داخل البيت الزجاجي"، كشف أن إيران قامت بقيادة عملياتها الهادفة لدعم بشار الأسد من مبنى سرّي ضخم، يضم كبار قادة الاستخبارات الإيرانيين قرب مطار دمشق الدولي.

وكشفت الصحيفة ملف المعلومات المسرّبة من "مصادر عليا" في الحرس الثوري الإيراني، التي قالت إن غرفة العمليات الإيرانية في سوريا تُدار من قبل عسكريين وخبراء إيرانيين موجودين في بناء مؤلّف من خمسة طوابق، يقع قرب مطار دمشق الدولي، حيث تتم عمليات للاستخبارات ومكافحة التجسس، كما يحتوي البناء على خزائن مليئة بملايين الدولارات النقدية القادمة من إيران.

وأضافت أن "البيت الزجاجي" يحوي عدداً من الإدارات داخل المبنى، منها إدارة مكافحة التجسّس والخدمات اللوجستية والدعائية، وقيادة المرتزقة الأجانب، بينما تقع إدارة أجهزة الاستخبارات الإيرانية المسؤولة عن المبنى "السري" في الطابقين العلويين.

يقول الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية في "مركز عمران للدراسات"، نوار شعبان، إن مطار دمشق الدولي، يشكل أهمية خاصة لدى إيران، كونه نقطة إمداد متقدّمة لها داخل الأراضي السورية، وحلقة وصل مهمة بينها وبين حزب الله اللبناني".

ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن أي مرفق مدني أو عسكري "مهم"، سواء بالنسبة للنظام السوري أو لإيران.

ويرى شعبان، أن إسرائيل "تدرك أهمية مطار دمشق كنقطة إمداد لوجستية" غير أنها "لا تستطيع شلّ الحركة فيه على المدى الكامل والطويل"، واصفاً استهدافها للمطار بأنه "لحظي، يتعلق عادةً باستهداف مدرج يعطّل وصول طائرة إيرانية تفيد المعلومات الاستخباراتية بأنها تقلّ مسؤولاً مهماً أو تحمل أسلحة نوعية". 

 

التنسيق الإسرائيلي- الروسي

الأهمية التي ذكرت سابقاً لمطار دمشق ليست محلّ إجماع الخبراء والمحللين، حيث يذهب المحلل السياسي حسن النيفي، إلى أن "القيمة التي يحظى بها مطار دمشق الدولي هي قيمة رمزية ولا تُحيل إلى أهميته الحيوية أو العمرانية أو الأمنية".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "عندما تستهدفه إسرائيل بشكل متكرر فهي ترمي إلى إبلاغ النظام وحلفائه من محور الممانعة، أنها قادرة على شلّ حركتهم وتقويض أي نشاط عسكري يستهدف إسرائيل".

وهذا الاستهداف المتكرر "تحوّل إلى حالة معتادة عند النظام والميليشيات التابعة له"، وفق تعبير النيفي، متابعاً "هذه الضربات لا تؤدي عادة إلى خسائر بشرية لأنها مجرد رسائل فقط، من جهة، ولأنها تتم بالتنسيق مع إسرائيل، بموجب الاتفاق الذي أبرم عام 2018 بين كل من موسكو وتل أبيب وواشنطن حول ضرورة التنسيق وتحاشي الاشتباك في الأجواء السورية، من جهة ثانية".

في السياق، يقول الباحث في مركز "أبعاد للدراسات"، فراس فحام، لـ"ارفع صوتك"، إن إسرائيل "تبتعد في الوقت الحالي عن استخدام الأجواء السورية لشن ضربات؛ خشية التصادم مع القوات الروسية، وتقوم بدلاً من ذلك بشن ضربات بصواريخ بعيدة المدى تُطلق من الأجواء اللبنانية أو من البحر المتوسط، لكنها على أية حال لا تهدف إلى تدمير المطار بشكل كلي أو إخراجه عن الخدمة بشكل دائم".

وحول التنسيق مع روسيا، يرى فحام، أن هذه الفكرة "أصبحت من الماضي، لأن موسكو ضيّقت من قدرات إسرائيل على تنفيذ غارات جوية في سوريا بشكل كبير، وقامت في الوقت نفسه بالتنسيق مع إيران في إيجاد بدائل للمطارات المدنية، عبر المطارات العسكرية الخاضعة لسيطرة روسيا مثل قاعدتي حميميم وتدمر".

بالنسبة لنوار شعبان، فإن إسرائيل "يستحيل أن تقوم بهذا الكم من الاستهدافات في كل الخارطة السورية، ولا سيما مطار دمشق الحيوي، دون التنسيق مع موسكو، رغم الإدانات الدبلوماسية الروسية التي تعبّر عن الاستنكار والرفض لهذه الضربات".

ويؤكد أن "التنسيق غير المعلن بين موسكو وتل أبيب يحدّد كذلك نوعية وحجم الضربات، بحيث لا تؤدّي مثلاً إلى إحداث أضرار كبيرة في المطار، إنما يقتصر ذلك على تدمير جزئي لأحد المدارج، على سبيل المثال".

 

خسائر النظام وإيران

بشأن الخسائر المادّية أو العسكرية، يقول نوار شعبان، إن "إيران تتأثر بلا شكّ جراء بالضربات الإسرائيلية، لكنها أيضا تقوم بامتصاصها والتكيّف معها، بحيث باتت تحوّل الرحلات إلى جهات ثانية مثل مطار حلب الدولي، وتزيد الاعتماد على الطرق البرّية رغم التكلفة العالية لذلك".

"كما تحاول إيران تشتيت التركيز الإسرائيلي عبر تكرار عمليات التموضع وإعادة الانتشار، بحيث يصعب على الضربات الإسرائيلية تحديد واستهداف كل مناطق العبور والإمداد اللوجستي، الممتدة من دير الزور شرقاً إلى معبر نصيب جنوباً، مروراً بمناطق البادية السورية"، بحسب شعبان. 

ويستدرك، أن "المتضرّر الأكبر هو النظام السوري، الذي يتكلّف مبالغ طائلة مع كل عملية إعادة تأهيل للمطار، بالإضافة إلى أن قصف المطار يؤثّر على عملية الملاحة الجوية مع ترويج النظام دولياً بأن الحياة عادت لطبيعتها، ويمكن للزوار والالسيّاح قدوم لسوريا".

يتابع شعبان: "القصف المتكرّر لمطار دمشق يضرب دعاية النظام السوري حول سيطرته المُطلقة في مناطق نفوذه".