صورة أرشيفية لطالبات في إحدى الجامعات السورية
صورة أرشيفية لطالبات سوريات في جامعة "البعث" بمدينة حمص- تعبيرية

شهد العام الدراسي الحالي في سوريا ارتفاعاً باهظاً جداً في تكاليف الدراسة بالجامعات الخاصة، التي بات الالتحاق بها شبه مستحيل بالنسبة إلى غالبية فئات المجتمع السوري، وحكراً فقط على طبقة الأثرياء أو الوافدين من خارج البلاد.

قالت مواقع سورية محلية إن رسوم الجامعات الخاصة في سوريا، ارتفعت للعام الدراسي 2023-2024، بنسبة 70 بالمئة، في ظل دهشة كثير من الطلاب وذويهم، الذين اضطُرّوا إلى إلغاء تسجيل أبنائهم فيها، بعد وصول الأسعار إلى "مستوى غير منطقي"، وفق تعبيرهم.

محمد مبيّض (56 عاماً) لديه متجر صغير لبيع الحلويات في منطقة جديدة عرطوز في ريف دمشق، يقول إنه أنفق الملايين بغية دخول ابنه إلى كلية الطب البشري، غير أن المجموع العام لم يسمح له بدخول الفرع الذي يحلم فيه، لا من خلال التعليم العام، ولا من خلال التعليم الموازي، ولذلك "بدأنا نفكّر بإمكانية تسجيله في جامعة خاصة، رغم التكلفة العالية، لتحقيق حلمه وحلمي أنا ووالدته"، على ما يقول محمد لـ"ارفع صوتك".

يتابع مبيّض أنه سأل بعض المعارف والأصدقاء عن التكلفة فكانت في مستوى عالٍ جداً، لكن المفاجأة كانت في الأسبوع الأول من سبتمبر الحالي، حين أذهلته الأسعار الجديدة، حتى إنه اضطُرّ إلى إلغاء الفكرة كلياً، ويقول: "وفقاً للأسعار الجديدة، استطيع أن أرسال ولدي للدراسة في جامعة عربية مرموقة وتبقى الكلفة أقلّ .. الجامعات الخاصة هنا باتت مخصصة فقط لكبار الأثرياء، هم الوحيدون القادرون على إدخال أبنائهم إليها".

أسعار جنونية

وفقاً لموقع "سناك سوري" المحلي، فإن الارتفاع الأكبر في تكلفة الدراسة بالجماعات الخاصة كان من نصيب الكليات الطبية، مثل الطب البشري والأسنان والصيدلة. حيث باتت كلفة السنة الدراسية الواحدة في الطب البشري 19 مليون و740 ألف ليرة، ليصل المبلغ إلى 118 مليون و440 ألف ليرة (يعادل نحو 9 آلاف دولار وفقاً لسعر الصرف الحالي في أسواق العاصمة) لست سنوات هي مدّة الاختصاص.

أما طب الأسنان فكلفة السنة الدراسية وصلت إلى 15 مليون و300 ألف ليرة، لتصل إلى 77 مليون ليرة لكلفة السنوات كلها، أما الصيدلة فكلفة السنة الواحدة 13 مليوناً و500 ألف، وتصل إلى 67 مليوناً و500 ألف في عموم السنوات.

وفيما يخص الطلاب الأجانب أو الطلاب السوريين غير المقيمين، فبلغت أجور الساعة الواحدة في كليات الطب البشري 250 دولاراً، و200 دولار لطب الأسنان، و175 دولاراً للصيدلة وكل الاختصاصات الأخرى. هذا بالنسبة للطلاب الأجانب والعرب، أما الطلاب السوريون غير المقيمين، فباتت كلفة ساعة الطب البشري 170 دولاراً، والأسنان 150 دولاراً، والصيدلة 130 دولاراً.

ووفقاً للأسعار السابقة، تصبح كلفة دراسة الطبّ بالنسبة للطالب السوري غير المقيم 7140 دولاراً في الطب البشري بمعدل 42 ساعة دراسية خلال العام الدراسي، لتصل كلفة سنوات الدراسة الستة إلى 42 ألفاً و840 دولاراً. وفي الصيدلة 4680 دولاراً بمعدل 36 ساعة دراسية بكل موسم، لتصل إلى 23 ألفاً و400 دولار لسنوات الدراسة الخمس، وفي طب الأسنان 5400 دولار بمعدل 36 ساعة دراسية بالسنة الواحدة، لتصل كلفة سنوات الدراسة الخمس إلى 27 ألف دولار.

سوريا
"قرارات تكبّل الأحلام".. لا شهادات لخريجي جامعة دمشق إلا بموافقة أمنية
أصدرت رئاسة جامعة دمشق نهاية الشهر الفائت، قرارًا يقضي بعدم منح "كشف علامات" أو "مصدقة تخرج" لطلاب سنة التخرج في عدد من كلياتها، إلا بعد إبرازهم بيانًا تفصيليًا صادرًا عن مديرية “الهجرة والجوازات” تتضح فيه حركة القدوم والمغادرة من

خاصّة الخاصّة

صحيفة "الوطن" السورية المقرّبة من النظام، وصفت الدراسة بالجامعات الخاصة في سوريا بأنها باتت لـ "خاصة الخاصة"، أي إن الأسعار يعجز عنها حتى بعض الذين يُعدّون من ميسوري الحال.

ونقلت "الوطن" عن "مصدر مطلع" تصريحات برّر فيها رفع الرسوم بأنها نتيجة ارتفاع تكاليف ومستلزمات العمل، خصوصاً المحروقات، إضافة إلى النقل والخدمات الأخرى.

وأوضحت الصحيفة أن القرارات تنطبق على الطلاب المستجدّين اعتباراً من الموسم الدراسي 2023-2024، بينما يستمر الطلاب المسجّلون بالأعوام السابقة بتسديد الرسوم والأقساط التي دخلوا الجامعة على أساسها.

وتعدّدت تعليقات السوريين على الأسعار الدراسية الجديدة، وعبّرت في مُجملها عن أن الأشخاص الذين وضعوا الأسعار "يعانون من حالة انفصال عن الواقع"، وأن التكلفة بالنسبة للطلاب الأجانب والعرب وغير المقيمين "تعادل أو تزيد على أسعار الدراسة في بعض الجامعات الأوروبية".

مواضيع ذات صلة:

لافتة على طريق مطار دمشق الدولي ترحب بالقادمين باللغتين العربية والفارسية- تعبيرية
لافتة على طريق مطار دمشق الدولي ترحب بالقادمين باللغتين العربية والفارسية- تعبيرية

"عاد إلى الخدمة.. خرج عن الخدمة"، باتت هذه العبارة من أكثر العناوين الإخبارية تداولاً لدى النظام السوري خلال الشهرين الأخيرين، فيما يخصّ مطار دمشق الدولي، الذي تكرر في أهداف الضربات الإسرائيلية تجاه مناطق النظام السوري.

وأعلنت حكومة النظام تحويل الرحلات إلى مطار حلب، الذي تعرّض في نوفمبر الماضي لهجوم مشابه أخرجه عن الخدمة كذلك. 

في الظاهر يبدو مطار دمشق الدولي مجرد مرفق مدني تابع للنظام لأغراض السفر المدني، لكنه في الحقيقة، اتخذ طابعاً جعل منه أشبه بمطار عسكري استقبل خلال الحرب السورية آلاف المقاتلين التابعين للحرس الثوري الإيراني، القادمين من إيران والعراق وأفغانستان وباكستان.

كما تحوّل إلى ممر لوصول الأسلحة الإيرانية للنظام السوري وحزب الله اللبناني، حيث وصلت تلك الأسلحة تحت غطاء الطيران المدني، لتجنّب العقوبات والضربات الأميركية أو الإسرائيلية. 

في عام 2016، نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية، تحقيقاً استقصائياً بعنوان "من داخل البيت الزجاجي"، كشف أن إيران قامت بقيادة عملياتها الهادفة لدعم بشار الأسد من مبنى سرّي ضخم، يضم كبار قادة الاستخبارات الإيرانيين قرب مطار دمشق الدولي.

وكشفت الصحيفة ملف المعلومات المسرّبة من "مصادر عليا" في الحرس الثوري الإيراني، التي قالت إن غرفة العمليات الإيرانية في سوريا تُدار من قبل عسكريين وخبراء إيرانيين موجودين في بناء مؤلّف من خمسة طوابق، يقع قرب مطار دمشق الدولي، حيث تتم عمليات للاستخبارات ومكافحة التجسس، كما يحتوي البناء على خزائن مليئة بملايين الدولارات النقدية القادمة من إيران.

وأضافت أن "البيت الزجاجي" يحوي عدداً من الإدارات داخل المبنى، منها إدارة مكافحة التجسّس والخدمات اللوجستية والدعائية، وقيادة المرتزقة الأجانب، بينما تقع إدارة أجهزة الاستخبارات الإيرانية المسؤولة عن المبنى "السري" في الطابقين العلويين.

يقول الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية في "مركز عمران للدراسات"، نوار شعبان، إن مطار دمشق الدولي، يشكل أهمية خاصة لدى إيران، كونه نقطة إمداد متقدّمة لها داخل الأراضي السورية، وحلقة وصل مهمة بينها وبين حزب الله اللبناني".

ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن أي مرفق مدني أو عسكري "مهم"، سواء بالنسبة للنظام السوري أو لإيران.

ويرى شعبان، أن إسرائيل "تدرك أهمية مطار دمشق كنقطة إمداد لوجستية" غير أنها "لا تستطيع شلّ الحركة فيه على المدى الكامل والطويل"، واصفاً استهدافها للمطار بأنه "لحظي، يتعلق عادةً باستهداف مدرج يعطّل وصول طائرة إيرانية تفيد المعلومات الاستخباراتية بأنها تقلّ مسؤولاً مهماً أو تحمل أسلحة نوعية". 

 

التنسيق الإسرائيلي- الروسي

الأهمية التي ذكرت سابقاً لمطار دمشق ليست محلّ إجماع الخبراء والمحللين، حيث يذهب المحلل السياسي حسن النيفي، إلى أن "القيمة التي يحظى بها مطار دمشق الدولي هي قيمة رمزية ولا تُحيل إلى أهميته الحيوية أو العمرانية أو الأمنية".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "عندما تستهدفه إسرائيل بشكل متكرر فهي ترمي إلى إبلاغ النظام وحلفائه من محور الممانعة، أنها قادرة على شلّ حركتهم وتقويض أي نشاط عسكري يستهدف إسرائيل".

وهذا الاستهداف المتكرر "تحوّل إلى حالة معتادة عند النظام والميليشيات التابعة له"، وفق تعبير النيفي، متابعاً "هذه الضربات لا تؤدي عادة إلى خسائر بشرية لأنها مجرد رسائل فقط، من جهة، ولأنها تتم بالتنسيق مع إسرائيل، بموجب الاتفاق الذي أبرم عام 2018 بين كل من موسكو وتل أبيب وواشنطن حول ضرورة التنسيق وتحاشي الاشتباك في الأجواء السورية، من جهة ثانية".

في السياق، يقول الباحث في مركز "أبعاد للدراسات"، فراس فحام، لـ"ارفع صوتك"، إن إسرائيل "تبتعد في الوقت الحالي عن استخدام الأجواء السورية لشن ضربات؛ خشية التصادم مع القوات الروسية، وتقوم بدلاً من ذلك بشن ضربات بصواريخ بعيدة المدى تُطلق من الأجواء اللبنانية أو من البحر المتوسط، لكنها على أية حال لا تهدف إلى تدمير المطار بشكل كلي أو إخراجه عن الخدمة بشكل دائم".

وحول التنسيق مع روسيا، يرى فحام، أن هذه الفكرة "أصبحت من الماضي، لأن موسكو ضيّقت من قدرات إسرائيل على تنفيذ غارات جوية في سوريا بشكل كبير، وقامت في الوقت نفسه بالتنسيق مع إيران في إيجاد بدائل للمطارات المدنية، عبر المطارات العسكرية الخاضعة لسيطرة روسيا مثل قاعدتي حميميم وتدمر".

بالنسبة لنوار شعبان، فإن إسرائيل "يستحيل أن تقوم بهذا الكم من الاستهدافات في كل الخارطة السورية، ولا سيما مطار دمشق الحيوي، دون التنسيق مع موسكو، رغم الإدانات الدبلوماسية الروسية التي تعبّر عن الاستنكار والرفض لهذه الضربات".

ويؤكد أن "التنسيق غير المعلن بين موسكو وتل أبيب يحدّد كذلك نوعية وحجم الضربات، بحيث لا تؤدّي مثلاً إلى إحداث أضرار كبيرة في المطار، إنما يقتصر ذلك على تدمير جزئي لأحد المدارج، على سبيل المثال".

 

خسائر النظام وإيران

بشأن الخسائر المادّية أو العسكرية، يقول نوار شعبان، إن "إيران تتأثر بلا شكّ جراء بالضربات الإسرائيلية، لكنها أيضا تقوم بامتصاصها والتكيّف معها، بحيث باتت تحوّل الرحلات إلى جهات ثانية مثل مطار حلب الدولي، وتزيد الاعتماد على الطرق البرّية رغم التكلفة العالية لذلك".

"كما تحاول إيران تشتيت التركيز الإسرائيلي عبر تكرار عمليات التموضع وإعادة الانتشار، بحيث يصعب على الضربات الإسرائيلية تحديد واستهداف كل مناطق العبور والإمداد اللوجستي، الممتدة من دير الزور شرقاً إلى معبر نصيب جنوباً، مروراً بمناطق البادية السورية"، بحسب شعبان. 

ويستدرك، أن "المتضرّر الأكبر هو النظام السوري، الذي يتكلّف مبالغ طائلة مع كل عملية إعادة تأهيل للمطار، بالإضافة إلى أن قصف المطار يؤثّر على عملية الملاحة الجوية مع ترويج النظام دولياً بأن الحياة عادت لطبيعتها، ويمكن للزوار والالسيّاح قدوم لسوريا".

يتابع شعبان: "القصف المتكرّر لمطار دمشق يضرب دعاية النظام السوري حول سيطرته المُطلقة في مناطق نفوذه".